الكيانات‭ ‬الموازية‭!‬

الكيانات‭ ‬الموازية‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

8:02 ص, الأحد, 27 فبراير 05

كشف‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬نظيف‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬وزراء‭ ‬حكومته‭ ‬الإصلاحيين‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬عن‭ ‬سلاح‭ ‬جديد،‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬البيروقراطية،‭ ‬يستخدم‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬أصطلح‭ ‬على‭ ‬تسميته‭ ‬بـ«الكيانات‭ ‬الموازية‮»‬‭.‬

وتقوم‭ ‬فلسفة‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬‮«‬السلاح‮»‬‭ ‬على‭ ‬فرضية‭ ‬رئيسية،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬صعوبة،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬استحالة،‭ ‬إصلاح‭ ‬أو‭ ‬تأهيل‭ ‬ذلك‭ ‬الجسد‭ ‬البيروقراطي‭ ‬الحكومي‭ ‬بالكامل،‭ ‬المدجج‭ ‬بنحو‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬موظف،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬يكمن‭ ‬فى‭ ‬تجاوزه‭.‬

كيف؟، عن‭ ‬طريق‭ ‬إنشاء‭ ‬كيانات‭ ‬موازية‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬موظفون‭ ‬جدد‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحوال،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المتميزين‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬القدامى‭ ‬إن‭ ‬وجدوا،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬سيتقاضون‭ ‬رواتب‭ ‬مرتفعة،‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬مستويات‭ ‬الأجور‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬وذلك‭ ‬تقديراً‭ ‬لمهاراتهم،‭ ‬وضماناً‭ ‬لاستمرارهم‭ ‬وصيانة‭ ‬لنزاهتهم، ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الكيانات‭ ‬الجديدة‭ ‬النموذجية،‭ ‬يمكن‭ ‬تيسير‭ ‬الإجراءات‭- ‬وبصفة‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬منها‭ ‬بمجال‭ ‬الاستثمار- ‬في‭ ‬يسر‭ ‬وسهولة،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬تعقيدات‭ ‬ودهاليز‭ ‬الكيانات‭ ‬الأخرى‭ ‬‮«‬غير‭ ‬النموذجية‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬باكورة‭ ‬هذه‭ ‬الكيانات‭ ‬الجديدة‭ ‬المركز‭ ‬الضريبي‭ ‬النموذجي،‭ ‬الذى‭ ‬أعلنت‭ ‬عنه‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬مؤخراً،‭ ‬وتم‭ ‬تخصيصه‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬الممولين‭ ‬‮«‬v.i.p‮»‬،‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ %‬80‭ ‬من‭ ‬الحصيلة‭ ‬الضريبية‭ ‬المباشرة‭.‬

وسيقوم‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬بتيسير‭ ‬إجراءات‭ ‬المحاسبة‭ ‬الضريبية،‭ ‬مما‭ ‬يوفر‭ ‬وقت‭ ‬وجهد‭ ‬وعناء‭ ‬هؤلاء‭ ‬الممولين،‭ ‬ويمنع‭ ‬عرقلة‭ ‬حركة‭ ‬الاستثمارات،‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬سعيها‭ ‬لتحقيق‭ ‬معدلات‭ ‬نمو‭ ‬مرتفعة،‭ ‬كما‭ ‬يلبي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬منفعة‭ ‬كبرى‭ ‬لوزارة‭ ‬المالية،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬تحصيل‭ ‬شريحة‭ ‬كبرى‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬مواردها‭ ‬السيادية.

‬ ماذا‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬الموظفين؟، سيتم‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬مصالحهم‭ ‬ومؤسساتهم‭ ‬القديمة.

‬ ماذا‭ ‬عن‭ ‬صغار‭ ‬الممولين‭ ‬وباقي‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المهن‭ ‬الحرة‭ ‬والمشروعات‭ ‬الصغيرة؟، سيكون‭ ‬عليهم‭ ‬إعداد‭ ‬أنفسهم،‭ ‬لمواجهة‭ ‬عنيفة‭ ‬مع‭ ‬الموظفين‭ ‬‮«‬غير‭ ‬النموذجيين‮»‬‭ ‬في‭ ‬الكيانات‭ ‬القديمة،‭ ‬والذين‭ ‬سيسعون‭ ‬بشراسة‭- ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيها-، ‬لتعويض‭ ‬غلتهم‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حرمتهم‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬صيدهم‭ ‬الثمين،‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬كبار‭ ‬الممولين.

‬ هل‭ ‬سيستمر‭ ‬ذلك‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية؟، تقول‭ ‬مصادر‭ ‬حكومية‭ ‬لا،‭ ‬بل‭ ‬يزول‭ ‬تدريجياً‭ ‬مع‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬مفهوم‭ ‬الكيانات‭ ‬الموازية‭.‬

ما‭ ‬مصير‭ ‬ملايين‭ ‬الموظفين‭ ‬‮«‬غير‭ ‬النموذجيين‮»‬‭ ‬في‭ ‬النهاية؟، سيمكثون‭ ‬في‭ ‬مواقعهم،‭ ‬يتقاضون‭ ‬كامل‭ ‬رواتبهم‭ ‬وعلاواتهم‭ ‬السنوية‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬النتائج‭ ‬المختلفة،‭ ‬لتطبيق‭ ‬أسلوب‭ ‬الكيانات‭ ‬الموازية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أزعم‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يأتي‭ ‬بجديد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المصري،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬تداعياته‭ ‬على‭ ‬مناخ‭ ‬الاستثمار‭.‬

فلدينا‭ ‬تعليم‭ ‬وتعليم‭ ‬مواز،‭ ‬وعلاج‭ ‬وعلاج‭ ‬مواز،‭ ‬وسوق‭ ‬وسوق‭ ‬مواز‭ ‬أي‭ ‬سعران‭ ‬وربما‭ ‬أكثر‭ ‬للسلعة‭ ‬الواحدة،‭ ‬بل‭ ‬ولدينا‭ ‬استثمار‭ ‬واستثمار‭ ‬مواز‭ ‬‮«‬الاقتصاد‭ ‬غير‭ ‬الرسمي‮»‬،‭ ‬ودخل‭ ‬ودخل‭ ‬مواز‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفرد‭ ‬الواحد‭ ‬‮«‬لاحظ‭ ‬التعثر‭ ‬الذى‭ ‬واجه‭ ‬تطبيق‭ ‬التمويل‭ ‬العقاري‭ ‬بسبب‭ ‬صعوبة‭ ‬إثبات‭ ‬كامل‭ ‬الدخل‮»‬، كما‭ ‬يتوازى‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬الحجاب‭ ‬والميكروجيب،‭ ‬والبيوت‭ ‬العشوائية‭ ‬والقصور،‭ ‬والسيارات‭ ‬المتهالكة‭ ‬والفارهة‭.‬

أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬حزب‭ ‬وحزب‭ ‬مواز‭ ‬‮«‬قصة‭ ‬الحرسين‭ ‬القديم‭ ‬والجديد‮»،‬‭ ‬وقوى‭ ‬سياسية‭ ‬رسمية‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشرعية،‭ ‬وقوى‭ ‬سياسية‭ ‬موازية‭ ‬غير‭ ‬شرعية،‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬ووجوداً‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬شرعيتها‭.‬

وعن‭ ‬نفسي،‭ ‬تتملكنى‭ ‬أشد‭ ‬الرغبة، أن ينجح منطق التوازي في تحقيق ما تبتغيه الحكومة من أهداف،‭ ‬لولا‭ ‬تلك ‭ ‬المسلمة‭ ‬الهندسية‭ ‬اللعينة،‭ ‬التى‭ ‬يعلمها‭ ‬طلبة‭ ‬الإعدادية،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬نظامى‭ ‬التعليم‭ ‬الرسمي‭ ‬والموازي،‭ ‬والتي‭ ‬تنص‭ ‬بمنتهى‭ ‬الصرامة‭ ‬والوضوح‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الخطين‭ ‬المتوازيين‭ ‬لا‭ ‬يتقابلان، ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬تعتقد‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬امكانية‭ ‬تلاقيهما،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬فى‭ ‬تعانقهما‭ ‬وتضافرهما‭ ‬وتجانسهما‭ ‬وربما‭ ‬تبادلهما‭ ‬العشق‭ ‬في‭ ‬الفراش!.‬