كشف رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف وعدد من وزراء حكومته الإصلاحيين خلال الفترة الماضية عن سلاح جديد، للتغلب على قوى البيروقراطية، يستخدم لأول مرة فى مصر، أصطلح على تسميته بـ«الكيانات الموازية».
وتقوم فلسفة هذا الأسلوب «السلاح» على فرضية رئيسية، تتمثل في صعوبة، إن لم يكن استحالة، إصلاح أو تأهيل ذلك الجسد البيروقراطي الحكومي بالكامل، المدجج بنحو 6 ملايين موظف، وبالتالي فإن الحل الوحيد يكمن فى تجاوزه.
كيف؟، عن طريق إنشاء كيانات موازية يعمل بها موظفون جدد في أغلب الأحوال، بالإضافة إلى المتميزين من الموظفين القدامى إن وجدوا، وهؤلاء سيتقاضون رواتب مرتفعة، تقترب من مستويات الأجور في السوق، وذلك تقديراً لمهاراتهم، وضماناً لاستمرارهم وصيانة لنزاهتهم، ومن خلال هذه الكيانات الجديدة النموذجية، يمكن تيسير الإجراءات- وبصفة خاصة ما يتعلق منها بمجال الاستثمار- في يسر وسهولة، بعيداً عن تعقيدات ودهاليز الكيانات الأخرى «غير النموذجية».
ومن باكورة هذه الكيانات الجديدة المركز الضريبي النموذجي، الذى أعلنت عنه وزارة المالية مؤخراً، وتم تخصيصه للتعامل مع كبار الممولين «v.i.p»، الذين يشكلون ما يزيد على %80 من الحصيلة الضريبية المباشرة.
وسيقوم هذا المركز بتيسير إجراءات المحاسبة الضريبية، مما يوفر وقت وجهد وعناء هؤلاء الممولين، ويمنع عرقلة حركة الاستثمارات، التي تعتمد عليها الحكومة في سعيها لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، كما يلبي في الوقت نفسه منفعة كبرى لوزارة المالية، تتمثل في سرعة تحصيل شريحة كبرى لا يستهان بها من مواردها السيادية.
ماذا عن باقي الموظفين؟، سيتم الاحتفاظ بهم في مصالحهم ومؤسساتهم القديمة.
ماذا عن صغار الممولين وباقي المواطنين من أصحاب المهن الحرة والمشروعات الصغيرة؟، سيكون عليهم إعداد أنفسهم، لمواجهة عنيفة مع الموظفين «غير النموذجيين» في الكيانات القديمة، والذين سيسعون بشراسة- لا شك فيها-، لتعويض غلتهم قدر الإمكان، بعد أن حرمتهم الحكومة من صيدهم الثمين، المتمثل في كبار الممولين.
هل سيستمر ذلك الوضع على ما لا نهاية؟، تقول مصادر حكومية لا، بل يزول تدريجياً مع التوسع في استخدام مفهوم الكيانات الموازية.
ما مصير ملايين الموظفين «غير النموذجيين» في النهاية؟، سيمكثون في مواقعهم، يتقاضون كامل رواتبهم وعلاواتهم السنوية.
وبغض النظر عن النتائج المختلفة، لتطبيق أسلوب الكيانات الموازية في العديد من الدول الأخرى، إلا أنني أزعم أنه لن يأتي بجديد في الواقع الاجتماعي المصري، بعيداً عن تداعياته على مناخ الاستثمار.
فلدينا تعليم وتعليم مواز، وعلاج وعلاج مواز، وسوق وسوق مواز أي سعران وربما أكثر للسلعة الواحدة، بل ولدينا استثمار واستثمار مواز «الاقتصاد غير الرسمي»، ودخل ودخل مواز على مستوى الفرد الواحد «لاحظ التعثر الذى واجه تطبيق التمويل العقاري بسبب صعوبة إثبات كامل الدخل»، كما يتوازى أيضاً في مجتمعنا الحجاب والميكروجيب، والبيوت العشوائية والقصور، والسيارات المتهالكة والفارهة.
أكثر من ذلك هناك حزب وحزب مواز «قصة الحرسين القديم والجديد»، وقوى سياسية رسمية متمثلة في الأحزاب الشرعية، وقوى سياسية موازية غير شرعية، ربما تكون أكثر تأثيراً ووجوداً رغم عدم شرعيتها.
وعن نفسي، تتملكنى أشد الرغبة، أن ينجح منطق التوازي في تحقيق ما تبتغيه الحكومة من أهداف، لولا تلك المسلمة الهندسية اللعينة، التى يعلمها طلبة الإعدادية، في كل من نظامى التعليم الرسمي والموازي، والتي تنص بمنتهى الصرامة والوضوح على أن الخطين المتوازيين لا يتقابلان، إلا أن الحكومة تعتقد ليس فقط في امكانية تلاقيهما، وإنما أيضاً فى تعانقهما وتضافرهما وتجانسهما وربما تبادلهما العشق في الفراش!.