الكتابة التسطيحية !

الكتابة التسطيحية !
حازم شريف

حازم شريف

10:55 ص, الأحد, 25 مايو 03

يعتمد العديد من الكتاب والصحفيين ــ داخل وخارج مصر ــ علي ممارسة ما يمكن أن نطلق عليه فن الكتابة «التسطيحية» وذلك ظنا منهم ــ ويبدو أن ليس كل الظن إثماً ــ أن هذا النوع من الكتابة، يضمن لهم الجماهيرية واتساع شريحة القراء، الذين يقبلون بلهفة علي التهام ما يكتبونه، وذلك بعكس الكتابات الجادة المتعمقة، التي يعتقدون ــ وللأسف قد يكونوا علي حق ــ أنها تنفر القاعدة العريضة من القراء .

وللحق فإن أصحاب هذا المذهب في الكتابة، يكسبون كل يوم أنصارا، بل إن العديد منهم قد حقق شهرة مدوية، بسبب اتقانه الفائق لفن الكتابة التافهة أو تتفيه الكتابة.. ولا عزاء للكتاب الجادين .

ومن أشهر أنماط هذا النوع من الكتابة، الكتابة الاختزالية، أو التبسيط المخل للمعاني والأمور والأشياء، ربما إلي حد السخف.. خذ عندك :

ــ الحب.. أن تسعد من تحب.. لاحظ أنك من الممكن أن تقول أي شئ تحت هذا البند، مثل الحب.. أن توهم من تحب أنك تسعده، أو أن تقتله من فرط السعادة .

ــ المرأة الذكية.. هي من تشعر الرجل بضعفها. لاحظ أيضا أن هذا البند كغيره، يتسم بقدر كبير من المرونة، كأن تقول المرأة الذكية هي من تشعر الرجل بقوتها أو أنوثتها، أو حتي رجولتها في المواقف الصعبة !

ــ الرجل الغبي.. هو من يعتقد في ذكائه، طبعا قد يحلو لكاتب آخر أو لنفس الكاتب أن يقول أنه من يعتقد في نفسه أنه غبيا، أو من يعتقد أنه يستطيع أن يفهم المرأة إلي آخر التنويعات، التي تعتمد علي خفة ظل الكاتب وموهبته الفطرية في التسطيح .

ومن الأنماط المنتشرة أيضا الكتابة الديماجوجية ــ وهي نوع آخر للكتابة التسطيحية ــ وتتميز بقدرتها علي ممارسة الخداع العقلي والنفسي، بهدف شحذ وتسخين مشاعر القراء في اتجاه معين .

خذ مثلا.. إن هؤلاء الذين يطالبون بالمساواة بين المرأة والرجل عملاء للغرب يدعون إلي الرذيلة؟ !

أو أن من يدافعون عن هذا الموقف ــ لاحظ أنه ممكن أن يكون أي موقف ــ هم حفنة من الخونة المتخاذلين، أو الأشرار، أو حتي الأخيار؟ !

أو أن المدرب الوطني قد أثبت صلاحيته أو أفضليته في قيادة المنتخب الكروي أو العكس مع استبدال الوطني بالأجنبي؟ !

والواقع أن هذه الأنواع من الكتابة، والتي تعكس غياب المنطق، أو أي قدرة علي التفكير العلمي السليم لدي الكاتب والمتلقي في آن واحد، قد يمكن التغاضي عنها عند التعامل مع توافه الأمور، إلا أنه قد يكون من الصعب السكوت عليها عند استخدامها في تناول أمور جادة ومصيرية، قد يؤدي التعامل معها بهذا القدر من التسطيح إلي كوارث حقيقية .

ومن أمثلة ذلك اختزال ارتفاع الأسعار في جشع التجار، والأزمة الاقتصادية في العامل النفسي، والتخلف في المؤامرات المحاكة ضدنا من قبل الآخرين، وانتشار الفساد في إشاعات يرددها حزب أعداء النجاح .

ودعونا نكون بدورنا مبالغين في التبسيط.. واسمحوا لنا أن نقول.. قليل من التسطيح يرفه عن النفس ويجذب القراء ويحقق الشهرة والمجد للبعض.. أما كثيره فقد يؤدي بنا جميعا إلي التهلكة .