يتبنى الدكتور محمود محيي الدين منذ أن تولى منصبه كوزير للاستثمار -ضمن ما يتبنى- نظرية، مفادها إثارة جو من القلق «المحمود» في أوساط قيادات الهيئأت والجهات والشركات التابعة له، وهي كما بدا من التطبيق، تعتمد على مجموعة من الافتراضات، تجلى مدى «عمليتها» على أرض الواقع.
أولها أن الجبهة عريضة، أو بمعنى اخر، أن حجم مسئوليات الوزارة الجديدة، يمتد ليشمل قطاعات سوق المال والتأمين والتمويل العقارى والاستثمار، بالاضافة إلى تركة قطاع الأعمال العام -وما أثقلها-، علاوة على مئات الشركات المشتركة التابعةن بحكم حصص مساهمة المال العام بها.
وثانيها أن تغيير الأداء، يستلزم تغييرا مماثلا، إما في القيادات، أو في اسلوب وآليات ادارة هذه القيادات، اذا ما كان فى مقدروها التواؤم مع تلك الأساليب الجديدة، أو في تغيير الأثنين معا إذا لزم الأمر، وما أكثر م يلزم ذلك.
ثالثا: أن قياس الأداء يستلزم وضع معايير وأهداف للقياس عليها لاجراء التغيير السابق على حسب ما ورد بثانياً.
رابعا، ولما كانت الجبهة عريضة، وحالة الثبات والخمول والجمود والصدأ متغلغلة حتى النخاع، بفعل العوامل المتوارثة، فإن أفضل وسيلة للغربلة و التغيير ثم الغربلة والتغيير، وهكذا، بغرض تحسين الأداء، هي إشاعة جو من التهديد وعدم الاستقرار، لا يأمن فيه المرء على كرسيه، إلا بالاستجابة لرياح متطلبات التغيير.
خامسا، أن الإحساس الدائم بعدم الأمان، لا يتأتى فقط بمجرد التلويح بالإقالة، وإنما بإقالة عدد من القيادات بالفعل، في عملية مستمرة، تؤكد للجميع القدرة على الردع، ومصداقية التلويح بالاطاحة بمن لا يثبت كفاءة أو مناسبة لمنصبه .
كل هذا جميل -وقد لا يكون جميلا من وجهة نظر البعض-، في ظل ما وصلت إليه العديد من هذه القطاعات والجهات من فساد وتردي من ناحية، وضيق الوقت المتاح لانجاز التغيير-أو إثبات القدرة على انجازه- من ناحية أخرى، خاصة فى ظل محدوية عمر الوزارة الحالية نفسها، والمنافسة الشرسة التي لا ترحم مع العديد من الأسواق والبلدان الأخرى.
ولكن ما أصابني أنا شخصيا بالدهشة و«القلق» -حتى بت أخشى على منصبى كرئيس تحرير من عصا الدكتور محمود-، هو تلك التهديدات التي أطلقها الوزير مؤخرا لشركتى التمويل العقاري!.
فمن ناحية يعلم القاصي والداني أن مشكلات التعمويل العقاري في مصر متعددة، أخرها -إذا كانت من الأصل تمثل مشكلة هو اداء شركتي التمويل-، بل أننى أزعم أن عجز هاتين الشركتين عن أداء وظيفيتهما حتى الان، هو نتيجة لتلك المشكلات وليس واحدا منها.
والغريب أن الوزير يعلم تماما هذه المشكلات، بل ويتندر من حين لأخر، على ما يمارسه المهتمون بهذا القطاع، في الندوات والمؤتمرات وعلى صفحات الجرائد من تكرار ممل، لمعوقات التمويل العقاري، دون أن يتبرع أحدهم بتقديم الحلول المناسبة للتغلب عليها، مثل صعوبة عمليات التسجيل المختلفة، وعدم تسجيل أغلب الوحدات، وصعوبة إثبات الدخل الحقيقى للعملاء، وارتفاع سعر الفائدة…..إلى أخره.
أكثر من هذا، فإن الدكتور محي الدين نفسه، عبر في عدة مناسبات، عن عدم وجود تصورات واضحة لديه عن كيفية إزالة هذه العقبات وتفعيل منظومة التمويل العقاري، ومن ثم لا نستطيع أن نفهم هذا التحول من ما يشبه اليأس إلى القفز على مواجهة الواقع -واقع المنظومة المرير- بإلقاء عبء التعثر على شركتي التمويل!.
أما الأغرب فهو أن تمتد تهديدات الوزير إلى كيانات لا تتبعه من الأساس!، صحيح أن هيئة التمويل العقاري التابعة له، تتولى تنظيم ورقابة عمل شركات التمويل العقاري بحكم القانون، ولكنها -الشركات- في النهاية وبحكم القانون ايضا، تمثل مؤسسات مستقلة، يملكها مساهمون، بمقدروهم محاسبة إداراتها على سوء الأداء، وهذه سلطتهم واختصاصهم أولا وأخيراً، وليس سلطة واختصاص الوزير، إلا بالطبع فيما يتعلق بمخالفة القوانين أو ارتكاب المخالفات.
وصحيح أيضا أن واحدة من هاتين الشركتين، بها نسبة عالية من مساهمات المال العام، التابعة للوزير كشركات التأمين العامة الأربع، ولكن ما شأن الوزير بالشركة الثانية، التي يساهم بنصف رأس مالها بنكان لا سلطة له عليهما، في حين يمتلك ال 50% المتبقية مؤسستين ماليتين أجنبيتين، جاءتا للاستثمار في التمويل العقارى، فإذا بهما تتفاجأن ليس فقط بما تواجهه المنظومة من مشكلات، ولكن بانتزاع حقهما الأصيل في محاسبة الإدارة على الأداء!.
إن نظرية القلق كغيرها من النظريات، تثبت جدواها في ظل ظروف وافتراضات محددة، أزعم أنها لا تنطبق على شركتي التمويل، والأخطر أن الوزير هذه المرة يتوعد، ويهدد، ويثير القلق، دون أن يكون لديه تصورا واضحا، عما يجب أن تفعله الشركتان لتحسين الأداء، والأدهى أنه ربما لا يمتلك القدرة على استعمال العصا إذا لزم الأمر.