أحمد الدسوقى – سيد بدر
أكد المتحدثون فى اليوم الأول من مؤتمر اتحاد المصارف العربية، أن التقلبات السياسية والتغيرات على مستوى العالم، تؤثر بشكل مباشر على القطاعات المصرفية فى المنطقة،وهو ما يفرض على البنوك المركزية دور كبير فى حماية هذه القطاعات، وتوجيهها نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وأكدوا أنه رغم الصعوبات والأوضاع غير المستقرة التى تعانى منها بعض الدول، إلا أن القطاعات المصرفية بقيادة البنوك المركزية تظل هى الحصن أمام الأزمات الاقتصادية،مشيدين بتجربة مصر فى الإصلاح الاقتصادى والدور الكبيرالذى لعبه البنك المركزى بالتعاون مع وزارة المالية فى إنجاحه.
وأطلق اتحاد المصارف العربي، المؤتمر المصرفى العربى السنوى لعام 2019، تحت عنوان «انعكاس التقلبات السياسية على مسار العمل المصرفي»، بحضور طارق عامر محافظ البنك المركزي، أمس بالقاهرة، وشارك فى الجلسة الافتتاحية الشيخ محمد الصباح، رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية، وهشام عز العرب، رئيس اتحاد بنوك مصر، ورئيس البنك التجارى الدولي، وجوزيف طربيه، رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولى للمصرفيين العرب، ومحمد الإتربي، نائب رئيس اتحاد المصارف العربية ورئيس بنك مصر، وعدنان يوسف، رئيس جمعية مصارف البحرين، ومحمود محى الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولي.
تتناول جلسات المؤتمر عدة محاور هامة مثل الإصلاحات الاقتصادية وأثرها فى تحقيق الأمن الاقتصادى والاجتماعي، ودور برامج الطروحات الحكومية فى تنشيط سوق المال، وتناقش جلسات اليوم الإثنين عدة محاور هى «الاقتصاد الرقمى وتحول الصناعة المصرفية»، و»أثر الضغوط التشريعية الدولية على العمل المصرفي»، و»التطويرات التى أحدثتها التكنولوجيا المالية فى العمل المصرفي».
وعلى هامش اليوم الأول، تم تكريم الدكتور أحمد الخليفي، محافظ مؤسسة النقد السعودي، ومنحه جائزة الرؤية القيادية لعام 2019.
رئيس الاتحاد: البنوك تساهم بشكل قوى فى نمو المنطقة
وقال الشيخ محمد الصباح، رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية، إن الاتحاد لعب دوراً محورياً فى تطوير الصناعة المصرفية العربية بما يلائم الواقع العالمى والعربي، وتمكين أواصر الاستقرار المصرفى فى المنطقة.
وأوضح الصباح أن الاتحاد قام بالترويج للقطاعات الحيوية، مثل الاستثمار والسياحة والتجارة لأهميتها للمنطقة ككل، موجها تساؤلا حول أثر التقلبات السياسية فى الدول العربية على اقتصادياتها، مضيفًا أن المؤتمر الحالى سيناقش هذه الملفات ومحاولة وضع إجراءات لمواجهة التحديات قبل فوات الأوان.
وأشاد ببرنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى الذى نجح فى تحسين مؤشرات الاقتصاد، وتحويله لاقتصاد يقوم على النمو المستدام وخفض عجز الموازنة وتحرير سعر صرف العملة المحلية، لافتا إلى ارتفاع الاحتياطى النقدى لأكثر من 45 مليار دولار فى الفترة الحالية.
وأكد أن القطاعات المصرفية العربية تساهم بشكل قوى فى نمو منطقتها، ولذلك لابد من ابعادها عن أى تقلبات سياسية من شأنها أن تعوق دوره فى خدمة الاقتصادات والمجتمعات العربية.
محافظ البنك المركزى: مصر تعكف على تنفيذ مشروع قومى للنهوض بالصناعة
وقال طارق عامر، محافظ البنك المركزى المصري، إن الأحداث السياسية فى المنطقة تؤثر على عمل البنوك المركزية فى ظل الترابط الشديد بين الجانبين، موضحا أن الاقتصاد المصرى يتأثر كثيرا بالأحداث فى المنطقة فى ظل وجود ملايين المصريين يعملون بهذه الدول خاصة فى السعودية والإمارات.
وأشار إلى أن التأثير المباشر للأمور السياسية تجسد فى عدة فترات ودول مثل ما شهدته مصر فى السنوات الأولى من العقد الحالي، حيث انعكست الاضطرابات على المؤشرات الاقتصادية، وأدت لخسارة ثقة المستثمرين المحليين والدوليين.
وأوضح أن عجز الموازنة وصل إلى %16 كما أن مؤشرات ميزان المدفوعات ومؤشرات الاستثمار تراجعت بشكل كبير، لافتا إلى أن الأحداث بداية من 2011 تتطلب التقييم بدقة حتى يتم تحقيق دروس مستفادة منها.
وأضاف محافظ البنك المركزى أن ردود الأفعال على السياسة المالية والنقدية كانت صادمة، وحدث تجمد فى الأوضاع وانفلات للسياسة المالية، وكانت موجات من التضخم على وشط الانفجار، كما أن السياسة النقدية لم تستطع استيعاب الأحداث وانعكس ذلك على أسعار الصرف وأسعار الفائدة، وهو ما أفقد الدولة الاحتياطى النقدى بسبب رغبتها فى الحفاظ على مستويات الأسعار.
وذكر أن الدرس المستفاد من هذا الأمر هو أن تكون السياسة النقدية مرنة حتى تتواكب مع هذه التطورات، ولذلك تم تغيير دور البنك المركزى بعد التعويم، وتم تحرير سعر العملة المحلية لاستعادة الأمن المالى للدولة وزيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى لمستويات غير مسبوقة.
وشدد على أن مصر تعكف على تنفيذ مشروع قومى ضخم للنهوض بالصناعة، بدأ بالإعلان عن المبادرات الجديدة الأسبوع الماضي، مؤكدًا أن البنك المركزى داعم قوى للصناعة مُطالبا الحكومة بضرورة الاستمرار فى دعم هذا القطاع الهام، كما طالب الحكومة بوضع حوافز ضريبية لتشجيع القطاع الصناعي.
وقدر محافظ البنك المركزى حجم التدفقات للنقدية التى تلقتها مصر خلال آخر 4 سنوات بنحو 200 مليار دولار، لافتًا إلى أن قيام الدولة بفرض القيود على النقد الأجنبى خلال فترة ما قبل التعويم جاء بنتائج عكسية، ولذلك تم إلغاء كل القيود على دخول وخروج رؤوس الأموال والنتائج كانت جيدة للغاية.
محمد الأتربى: تناغم السياستين المالية والنقدية ساهم فى إنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي
وقال محمد الإتربي، نائب رئيس اتحاد المصارف العربية، ورئيس بنك مصر، إن القطاع المصرفى المصرى أصبح أقوى من ذى قبل، خاصة بعد اتخاذ قرارين تاريخين هما تحرير سعر الصرف، وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى مع صندوق النقد الدولى، مؤكدا أن الوضع تغير تماما على كل المستويات بعد ذلك.
وقدر حجم الموارد الدولارية التى حصل عليها مصرفه خلال أول 9 أشهر من 2019 بنحو 13 مليار دولار، لافتًا إلى أن هناك تناغما كبيرا بين السياسة المالية والنقدية، وهو الأمر الذى يصب فى مصلحة الوطن وساهم فى إنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وذكر أنه على مستوى الاحتياطى النقدى الأجنبى نجحت مصر فى تحقيق أعلى مستوى على الإطلاق، بعدما وصل إلى 45.2 مليار دولار، وكان فى أوقات سابقة 14 مليار دولار.
وزير المالية: لولا الاستقرار السياسى ما نجح البرنامج
وأكد الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أنه لولا الاستقرار السياسى فى مصر ما تحقق التقدم الاقتصادي، وما نجحت الحكومة فى تنفيذ برنامج الإصلاح الذى بدأ عام 2015، وسجل نتائج إيجابية مازالت تحظى بإشادة المؤسسات الدولية.
تابع: جاءت أبرز نتائج برنامج الإصلاح الاقتصادى فى انخفاض عجز الموازنة من %16.5 فى 2014 إلى 8.2% فى 2019، وتحقق فائض أولى بنسبة 2% من الناتج المحلى فى 2019 بدلاً من عجز أولى 8.4% عام 2014، وتراجع معدل البطالة من %13.3 إلى %7.5.
وأشار الوزير فى كلمته التى ألقاها نيابة عن الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، إلى تراجع معدلات التضخم من %36 إلى %3.4 ومعدل النمو من %4.4 إلى %5.6 مع مستهدف %7 بحلول 2022، وارتفاع الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية من 12 مليار دولار عام 2014، إلى أكثر من 45 مليار دولار حاليًا.
وقال إن الإصلاح ارتكز على رفع كفاءة الإنفاق العام وترشيد الاستهلاك، وتوصيل الدعم لمستحقيه من خلال برامج فعالة للحماية والدعم الاجتماعى للفئات الأكثر احتياجًا، وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم من 115 مليار جنيه فى 2014، إلى 210 مليارات جنيه فى 2019، وزيادة دعم الغذاء من %39.4 مليار جنيه فى 2014 إلى 87 مليار جنيه فى 2019.
أضاف أنه تم تنفيذ أكبر برنامج إسكان اجتماعى لمحدودى ومتوسطى الدخل فى العالم، بتسليم حوالى 750 ألف وحدة سكنية كاملة التشطيب لأصحابها، مشددًا على أن الجهاز المصرفى شريك أصيل فى تنفيذ مشروعات دعم وتحسين مستوى معيشة المواطنين، حيث وفر البنك المركزى والبنوك التجارية التمويل اللازم بعائد مخفض وصل إلى %50 أحيانًا.
وتابع أن الجنيه المصرى أصبح ثانى أفضل عملة فى العالم من حيث القوة وفقًا للمؤسسات العالمية، كما أن مصر تعتبر إحدى دولتين فى العالم حققت فائض أولى خلال العام المالى الماضي.
وذكر أن الاستقرار السياسى يؤثر بشكل كبير على معدلات النمو الاقتصادي، مؤكدا أن مصر حققت إصلاحًا اقتصاديًا يشهد به العالم برعاية الإدارة السياسية.
نائب رئيس البنك الدولي: النمو فى الدول العربية لا يلبى طموحات شعوبها
وقال محمود محيى الدين، نائب رئيس البنك الدولي، إن هناك بعض التطورات الإيجابية للغاية فى بعض الدول العربية، بينما هناك دول أخرى تعانى من تطورات سلبية للغاية، لافتًا إلى أن المؤسسات الدولية تتوقع نمو اقتصاديات الدول العربية بما لا يتجاوز %0.6 خلال العام الجارى وهى نسبة ضئيلة للغاية، مقابل %1.6 العام الماضي، ومتوقع وصوله لنحو %2.6 العام المقبل بدعم التطورات الايجابية على مستوى قطاع الطاقة والبترول.
وأكد أن النمو الاقتصادى العربى لا يلبى تطلعات واحتياجات وطموحات المواطنين على الإطلاق، مشددًا على ضرورة زيادة الاستثمار فى رأس المال البشرى والوقاية من المخاطر المستقبلية بزيادة النمو الاقتصادي.
وذكر «محيى الدين» أن التنمية المستدامة عالميًا ليست فى وضع جيد على الإطلاق، وأن الأمم المتحدة طالبت الدول بتبنى رؤى طموحة لتحقيق مستهدفات 2030، لافتًا إلى أن الدول العربية تنقسم إلى ثلاثة أقسام فى هذا الأمر، جزء منها يتناول ويطبق أهداف التنمية المستدامة وفقا لظروفها، وأخرى لديها نوايا طيبة تجاه الأمر، بينما هناك جزء كبير عربيا وعالميا لا تتخذ أى خطوات نحو تحقيق هذا الأمر.
وانتقل نائب رئيس البنك الدولي، إلى ضرورة مكافحة الفقر حيث أن المنطقة شهدت زيادة فى معدلات نمو الفقر المدقع من %2.5 إلى %5 من السكان، أى نحو 18مليون مواطن وهذه كارثة على حد وصفه، على عكس دول العالم حتى أفريقيا التى تحسنت النسب فيها.
وانتقد التفاوت الشديد فى توزيع الدخل والثروة فى الدول العربية، ويعتبر التفاوت فى توزيع الثروات فى الوطن العربى هو الأسوأ على مستوى العالم، ملقيًا جزء كبير من المسئولية على عاتق القطاع المصرفى لاعتبارين، الأول لأنه فى أوضاع الأزمة لا تجد سوى البنوك المركزية هى اللاعب الوحيد فى الميدان، فى ظل الديون الحكومية وعجز الموازنة لدى الكثير من الحكومات، مطالبا بضرورة تحول الحكومة ووزارة المالية للاعب رئيسى فى التنمية المستدامة.
والسبب الثاني، وفقًا لمحى الدين، هو أن القطاع المالى دائما ما يستقطب أفضل العقول من خريجى الجامعات، وينفق الكثير فى التدريب والاستثمار فى التنمية البشرية، وهو ما يضيف عليه أعباء منها ضرورة استخدام معايير وقواعد عالمية تتبناها البنوك.
كما أشار إلى أن التحول الرقمى أحد الأدوات الهامة لمكافحة الفقر وتقليل معدلاته، والدول العربية بدأت الاهتمام بهذا الأمر، وهو يحتاج لاستثمارات ضخمة فى البنية الأساسية وتأمين النظم والمعلومات، موضحا أن التقنية المالية لا تطبق فقط على مستوى البنوك، ولكن هناك ضرورة لتطوير ومواكبة القطاع الرقابى لهذا الأمر، بالإضافة إلى الحكومات أيضًا.
وأكد على أن البنوك العربية أكثر القطاعات قدرة على الاستجابة وتحقيق تطلعات العصر، وتوطين التنمية المستدامة ومكافحة الفقر وتمويل برامج النمو الشامل، والامتناع عن تمويل البرامج الملوثة للبيئة.
رئيس الاتحاد الدولى للمصرفيين العرب: المنطقة تشهد حالة استقطاب شديدة
وأكد جوزيف طربيه، رئيس الاتحاد الدولى المصرفيين العرب، أن المؤتمر السنوى لاتحاد المصارف يأتى فى ظل اضطرابات كبيرة على مستوى المنطقة، وأن المتغيرات الدولية تسيطر على جدول أعمال أى مؤتمر حالي، موضحًا أن المنطقة العربية تأتى فى أوج حالة الاستقطاب العالمية، وتعانى كل دولة من العديد من المشكلات الاقتصادية، وهو ما انعكس على مؤشراتها الأمر الذى دفع إلى تأجيج الاحتجاجات فى العديد من الدول العربية.
وأكد أن المصارف العربية تأثرت كثيرا بالأوضاع الحالية، ما حال دون استخدام طاقاتها لتنمية اقتصاد دولها، موضحا أن منافسة الحكومة القطاع الخاص فى الحصول على التمويل يؤثر على دور البنوك.
ولفت جوزيف طربيه إلى أن تراجع النمو فى الدول العربية ونوعية الخدمات العامة، وتراجع الحوكمة أدى إلى تفشى الفساد، وانتشار الأمية، وبالتالى تحقيق بعض الدول العربية نسب متدنية فى مؤشرات التنمية البشرية، موضحًا فى الوقت ذاته أن الفرص تخلق من رحم الأزمات، وأن القطاع المصرفى العربى أضحى متماسكا بشكل كبير بمساندة البنوك المركزية العربية.
وقال إن المصارف العربية تتمتع بالعديد من الإمكانيات لكنها بحاجة لتعميق التعاون لتحقيق التنمية على مستوى المنطقة، موضحًا أن تعزيز مناخ الاستثمار والتجارة البينية يبقى هدفا محوريا للدول والبنوك العربية، ورغم صعوبته فإن هذا الأمر ليس مستحيلا.
ونوه إلى نشوء مراكز إقليمية جديدة على مستوى النفط والغاز فى المنطقة، ومن بينها مصر وهو ما يفرض واقعا جديدا فى المنطقة، مشيدا ببرنامج الإصلاح الاقتصادى المصري.