حذرت مجموعة السبع الكبار G7 ووكالة الأغذية والزراعة- الفاو – التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، زعماء العالم بضرورة الحفاظ على حرية التدفقات التجارية وعدم استخدام السياسات الحمائية أثناء الحرب الروسية الأوكرانية حتى لا ترتفع الأسعار وتختفى المنتجات الغذائية فى البلاد التى تعتمد على الواردات وتحدث أزمة أمن غذائى عالمية.
وتتوقع منظمة الفاو أن يؤدى غزو أوكرانيا – سلة خبز أوروبا – إلى ارتفاع أسعار القمح فيما بين %8.7 إذا توقفت الحرب الروسية الأوكرانية قبل منتصف العام الجارى و%21.5 فى حال استمرارها لشهور طويلة، بسبب توقف صادرات الحبوب والزيوت النباتية من أوكرانيا وروسيا بسبب الصراع المستمر بينهما.
وأعلنت الفاو أن أسعار الذرة من المحتمل أن تقفز بحوالى %8.2 إلى %19.5، والحبوب الخشنة الأخرى سترتفع أسعارها بنسبة 7 إلى %19.9 والبذور الزيتية بنسبة 10.5 إلى %17.9 وفقا لمدى استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وذكرت وكالة رويترز أن غزو روسيا لجارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير الماضى أدى إلى هزة عنيفة فى أسواق السلع العالمية وتقلبات سعرية قياسية جعلت العديد من الدول تستجيب لهذه الأزمة بتخزين الحبوب وزيوت الطهى أو بتشجيع المزارعين على زراعة المزيد من المساحات بهذه المحاصيل.
غزو أوكرانيا يهدد بانعدام الأمن الغذائى
واستيقظ العالم فى أواخر الشهر الماضى بغزو أوكرانيا الذى يهدد بأزمة غذاء عالمية مما جعل معظم الدول تتخذ التدابير اللازمة لتوفير المعروض من الحبوب ولاسيما القمح والذرة ومن البذور الزيتية وخصوصا أن روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المنتجة لهذه المحاصيل فى العالم كما يوفران معا %30 من الإمدادات العالمية من الحبوب.
وانتشر الرعب فى أنحاء العالم ولاسيما فى الدول التى تعتمد على استيراد الحبوب والبذور الزيتية ومنها أوروبا وأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط والتى شعرت حكوماتها بالذعر بسبب النقص المرتقب فى الإمدادات الغذائية والارتفاعى الجنونى فى أسعارها وكذلك نقص صادرات الأسمدة الزراعية التى تهيمن عليها روسيا.
وتتميز روسيا وأوكرانيا بكونهما من بين أكبر الدول المصدرة فى العالم للقمح والذرة وبذور اللفت وبذور عباد الشمس وزيت عباد الشمس واحتلت روسيا أيضا المرتبة الأولى فى العالم فى تصدير الأسمدة النيتروجينية وثانى أكبر مورد للأسمدة البوتاسية والفوسفورية.
تغيير شامل للسياسة الزراعية
وأعلن الاتحاد الأوروبى عن ضرورة تغيير شامل للسياسة الزراعية للدول الأعضاء لضمان تحقيق الأمن الغذائى مع احتمال استمرار الحرب الروسية لشهور طويلة بينما أدت العقوبات الغربية على روسيا إلى فرض قيود على الحركة التجارية وخصوصا الصادرات من دول آسيا إلى بلاد أمريكا الشمالية والجنوبية.
ويرى جوزيف جلوبر الباحث فى معهد بحوث سياسة الغذاء العالمى فى واشنطن أن حظر تصدير السلع فى أى دولة سيؤدى إلى زعزعة الصادرات فى بقية دول العالم وهذا يعنى أن توقف الحركة التجارية من روسيا وأوكرانيا من المرجح أن ينجم عنه أزمة غذاء فى العديد من دول أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
واستجابت دول أوروبا بسرعة أمام أزمة الحرب الروسية حيث خصصت حكومة بلغاريا – رغم أنها من الدول الكبرى المصدرة للحبوب – تمويلا كافيا لزيادة احتياطيها القومى من الحبوب بهدف شراء حوالى مليون ونصف طن من القمح.
وطالبت جمعية منتجى اللحوم فى فرنسا من الحكومة تخزين 800 ألف طن من الحبوب التى تحتاجها كل شهر خوفا من انفتاح شهية العالم على هذه المنتجات مما يؤدى إلى استنزاف المعروض المحلى بينما فرضت دول صغرى مثل مولدوفا وصربيا قيودا على بيع المحاصيل الحيوية مثل القمح والسكر.
مجاعة تهدد 140 مليون نسمة
وأشار عريف حسين الخبير الاقتصادى فى برنامج الغذاء العالمى التابع لمنظمة الأمم المتحدة الفاو إلى تأثير التقليد حيث أنه عندما تقوم حكومة بتخزين الحبوب وتقييد تصديرها فإن بقية الحكومات تقلدها حتى إن كان لديها وفورات ضخمة منها ولكنها تنفذ ذلك فقط استجابة للصدمة التى تعرضت لها الأسواق العالمية.
ويعد برنامج الغذاء العالمى فاو أكبر هيئة إنسانية فى العالم توفير أغذية لحوالى 140 مليون شخص على الأقل هذا العالم ولكنها تعانى من نقص فى التمويل البالغ 20 مليار دولار وليس لديها إلا نصف هذا المبلغ فقط كما أكد حسين.
وقال محمد لطفى وزير التجارة فى إندونيسيا أكبر منتجة لزيت النخيل الخام إن الحكومة رفعت رسوم التصدير من 357 إلى 675 دولارا للطن لزيادة أرباح الشركات حتى تتمكن من توفير المعروض من هذا الزيت للسوق المحلية.
ومنعت حكومة الأرجنتين من كبرى الدول المنتجة للحبوب وأكبر مصدرة لوجبات وزيوت فول الصويا التجار من التصدير فى خطوة تبين عادة اتجاهها لرفع رسوم الصادرات وتعتزم أيضا فرض قيود على تصدير اللحوم رغم أنها تدعم صناعة معالجة القمح وهى من كبر دول العالم فى تصدير اللحوم والقمح.
ومع ذلك أعلنت حكومة الأرجنتين إنها ستزيد حصتها السنوية من تصدير القمح لموسم 2022 – 2023 بمقدار 8 ملايين طن إلى ما يصل فى مجمله إلى 10 ملايين طن للاستفادة من ارتفاع الأسعار العالمية بسبب الحرب الروسية رغم أنها تقلل من صادرات القمح فى محاولة لضمان توافر المعروض محليا وتجنب ارتفاع أسعاره وما زالت حصة الصادرات الجديدة بعد زيادتها أقل مما كانت عليه فى الدورة السابقة 2021 – 2022 عندما سمحت الأرجنتين بتصدير 14.5 مليون طن من القمح.
%75 من القمح العالمى من روسيا وأوكرانيا
وتعتمد معظم الاقتصادات النامية بشكل كبير على روسيا وأوكرانيا فى الحصول على احتياجاتها من المواد الغذائية، لأنهما توردان أكثر من %75 من القمح الذى تستورده عدة اقتصادات فى أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا، وقد تتضرر هذه الاقتصادات ويحدث ارتفاع حاد فى أسعار الأغذية الرئيسية عند توقف تصدير أو نقل الحبوب والبذور من روسيا وأوكرانيا إليها.
وحتى مصر أكبر مستوردة للقمح الذى تستخدمه فى صناعة الخبز ولاسيما المدعم والمعجنات امختلفة أصدرت قرارا بحظر السلع الأساسية مثل الدقيق والعدس والقمح لمدة 3 شهور بينما أوقفت المغرب صادراتها من الطماطم لأوروبا لضمان توفيرها مع قدوم شهر رمضان وبسبب الحرب الروسية والجفاف الذى قلص المحاصيل المحلية.
وأصدر على المصيلحى وزير التموين والتجارة الداخلية قراراً ببدء موسم توريد القمح المنتج محليا لعام 2022 فى الأول من ابريل بدلًا من 15 من ابريل ويكون التوريد لصالح الهيئة العامة للسلع التموينية حتى نهاية أغسطس من العام الجارى ويأتى القرار الصادر ضمن إستراتيجية الحكومة لتكوين مخزون استراتيجى آمن من القمح المحلى مع تفاقم غزو أوكرانيا غير أنه من المفترض أن يكون الموسم الجديد بداية انتعاشة لزيادة المخزون الاستراتيجى بصورة نسبية.
تنويع مصادر القمح
وأعلنت الحكومة المصرية أنها تتابع عن كثب تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية، ونطاق تداعياتها على الصعيد العالمى، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية ولذلك تنتهج آلية لتوزيع مخاطر تطور الأزمة الروسية الأوكرانية، تشمل تنويع مصادر القمح والاعتماد على دول بديلة وهى تملك مخزون جيد يكفى لمدة 4 أشهر ونصف، وهو ما يعطى المرونة والحرية لإعادة تعبئته خلال هذه الفترة.
وأصدرت نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة المصرية قراراً بوقف تصدير الزيوت بكافة أنواعها والفريك والذرة لمدة 3 أشهر اعتباراً من تاريخ صدوره بعد التنسيق مع وزير التموين والتجارة الداخلية فى إطار خطة لتوفير احتياجات المواطنين من السلع وبصفة خاصة السلع الأساسية، لا سيما فى ظل الاستعداد لاستقبال شهر رمضان
سيؤثر النزاع الروسى فى أوكرانيا إلى أزمة غذائية فى عدة اقتصادات فى منطقة الشرق الأوسط، لاسيما فى لبنان وسوريا وتونس واليمن، التى تعتمد أساسا على وارداتها الغذائية، وخصوصا القمح والحبوب والبذور الزيتية من هاتين الدولتين وهذا يعنى قفزة هائلة فى أسعار الأغذية، وارتفاع كبير فى تكاليف الإنتاج المحلية فى قطاع الزراعة.
وتستورد سوريا مثلا حوالى %66 من احتياجاتها من المواد الغذائية ويأتى معظم وارداتها من القمح من روسيا، أما لبنان فيستورد من أوكرانيا وروسيا أكثر من %90 من احتياجاته من الحبوب، واحتياطاته من الحبوب لا تكفى إلا لمدة شهر تقريبا، بينما يستورد اليمن نحو %40 من احتياجاته من القمح من هذين البلدين المتحاربين، وقفز عدد من يعانون من الأزمة أو -الأسوأ- من نقص حاد فى الأمن الغذائى فى اليمن من 15 مليوناً إلى أكثر من 16 مليوناً فى ثلاثة أشهر فقط فى أواخر العام الماضى ومن المؤكد أن تؤدى الحرب فى أوكرانيا إلى تفاقم هذه الأزمة الغذائية الطاحنة.
تجميد تصدير المواد الغذائية
وتتجه العديد من الدول إلى إيقاف تصدير المواد الغذائية أو التقليل منه نظراً لتأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على سوق الحبوب والمواد الغذائية وتصاعد الخوف من أزمة أمن غذائى فى العالم كما أعلنت الجزائر حظر تصدير ما تستورده من مواد غذائية من بينها السكر والزيت ومشتقات القمح ومنعت استيراد اللحوم المجمدة لتشجيع استهلاك اللحوم المنتجة فى سوقها المحلية.
ومن المتوقع أن تؤدى الحرب الروسية إلى تأثيرات سلبية على الأمن الغذائى ليزداد عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية بمقدار 7.6 إلى 13 مليون شخص علاوة على على الضغط الإضافى على أسعار الأسمدة والناتج عن الاضطرابات فى روسيا وأوكرانيا وتكاليف النقل المرتفعة بعد فرض قيود على الصادرات والزيادات الحادة فى أسعار الشحن والحاويات بسبب جائحة كوفيد-19.
ارتفاع مؤشر الفاو قبل الغزو
وقفزت أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق قبل اندلاع الصراع فى أوكرانيا وبلغ متوسط مؤشر الفاو لأسعار الغذاء 140.7 نقطة فى فبراير، بزيادة 3.9 % عن يناير من هذا العام و20.7 % عن نفس الفترة من عام الوباء الثانى.
وتعتمد 50 دولة تقريبا على روسيا وأوكرانيا فى أكثر من %30 من احتياجاتها من القمح ومنها 26 دولة تعتمد عليها فى أكثر من 50 % من احتياجاتها من القمح هو غذاء أساسى لأكثر من 35 % من سكان العالم وتتصدر روسيا العالم فى تصدير القمح العالمى، حيث شحنت ما مجموعه 32.9 مليون طن من القمح أو ما يعادل %18 من الشحنات العالمية بينما احتلت أوكرانيا المركز الخامس كأكبر مصدر للقمح ليصل حجم تصديرها إلى 20 مليون طن من القمح بحصة سوقية %10 خلال العام الماضى.