«العوا».. !!!!

«العوا».. !!!!
حازم شريف

حازم شريف

11:01 ص, الأحد, 30 مايو 04

فى عموده الأسبوعي المنشور يوم الأثنين الماضى بجريدة الأسبوع، كتب الدكتور محمد سليم «العوا» أن صديقا عزيزا أرسل إليه صورة من الصفحة السابعة من العدد الصادر فى ١٨ إبريل الماض، من جريدة تسمى «المال» حملت خبراً يقول: إن وزير الطيران فى مصر، صرح بأن قرار منع تقديم الخمور على خطوط مصر للطيران، لم يكن صائبا، وأنه لا يمكن إنكار الأثار السلبية، التي ترتبت عليه من حيث انخفاض أعداد السياح، وأنه ليس هناك طيران دون خمور، ويجب اعتبارها خدمة يتم تقديمها ليس إلا، وأوضح أنه سوف يعمل على إعادة الخمور بشكل تدريجي، وقد بدأ ذلك بالفعل عندما تم تقديمها فى حفل استقبل المبنى رقم «terminal 3 » كتبت بالانجليزية و كآن الكاتبة لا تعرف مرادفا عربيا للكلمة الأجنبية، دون أن يؤدى ذلك إلى أى تعليقات سلبية بخصوصها.. !!
وبعد أن وضع الدكتور «العوا» علامتى التعجب السابقتين، حرص أن يقول إنهما من صنعه، مضى مهاجما وزير الطيران المصري، تارة بعدم تصديقه أن يصدر هذا الكلام عن وزير عريق الأصول ضارب الجذور فى الريف المتدين، وتارة أخرى بتعجبه من أن يكون وزيرا مسئولا عن الطيران، يدور فى ذهنه أن الناس تسافر لتسكر لا لتعمل أو تستشفى أو تستمع ببلاد الله الواسعة!
ملحوظة : حق ملكية علامة التعجب السابقة ايضا يعود إلى الدكتور ««العوا» »
وبعد أن يبين حكم الشرع فى الخمر – وهو معروف للعامة والخاصة- ينطلق الدكتور ««العوا» » إلى الجانب القانونى والدستوري، مشيرا إلى منع الخمر من طائرات مصر للطيران، كان بناء على أحكام قضائية نهائية لا يسوغ لاحد مخالفتها، ومصر بلد يقضى دستورها بأن سيادة القانون، هي أساس الحكم فيها، ويجرم قانون عقوباتها عدم تنفيذ أحكام القضاء أيا كان نوعها، فكيف ساغ ذلك القول المنسوب إلى وزير الطيران المصري، عند قائله، أو عند ناشره الذى نسبه إلى الوزير؟
إلى هنا ينتهى مقال الدكتور «العوا» ويبدأ دورنا فى تعقيب نزعم أنه اضطرنا إليه اضطراراً.
أولا – لا يزعجنا أو يغضبنا كثيرا، أسلوب الاستخفاف الذى لجأ إليه الدكتور «العوا» حين استهل عموده بعبارة «جريدة تسمى «المال»، ذلك أننا جريدة متخصصة تستهدف نوعية محددة من القراء، تتضمن دوائر صنع القرار، ومجتمع المال والأعمال، والعاملين والدراسين بمراكز الدراسات والكليات المتخصصة، لا الفقهاء بنوعيهما القانونى والديني، و هو عدم انزعاج من جانبنا، نتصور أن يقابله لدى الدكتور «العوا» عدم إنزعاج مماثل، لدى اصطدامه بحقيقة، أن مجال تأثيره ينحصر فى إطار نخب معينة، وأن كثيرا من القراء – للأسف – قد لا يعرفون مجرد أسمه، و ذلك رغم صولاته وجولاته الفكرية المتعددة عبر كتاباته والمحطات الفضائية ومهرجان الجندرية، فى حين ينتعشون ويقفزون فرحا وطربا عند سماعهم اسماء أخرى لمطربات ومطربين كالشاب خالد بل وحتى الشاب عمرو خالد!.. ولكن ماذا نملك حيال مجتمعات، بلغ بها التدهور الثقافى مدى، لم يسلم من تأثيره وتداعياته على الوعى والسلولك والقيم والعادات وأسلوب الحوار، كبراؤها وصغارها، مفكروها ورعاعها.
ثانيا: أن سخرية الدكتور «العوا» من كتابة الزميلة محررة التقرير الصحفى – وليس الخبر كما ذكر سبيل السهو والخطأ لغير المتخصص – لتعبير مبنى الركاب ٣ باللغة الانجليزية لم تكن فى محلها، ذلك أن المرادف باللغة الانجليزية هو السائد فى الاستخدام تماما، كما نقول ونكتب على سبيل المثال سوبر ماركت لا الحانوت، ولا أعتقد أن الدكتور نفسه فى تنقلاته بين المطارات العربية، يستخدم أو يجد كثيرا من يستخدم تعبير مبنى الركاب ٢ أو ٣ أو ٤ .
ولنا أن نؤكد أن اللغة المستخدمة فى الصحف، ينبغى أن تكون أقرب ما يكون إلى اللغة، التى يتداولها القراء المستهدفون .
ثالثا: أن أساليب الاستخفاف والاستنكار والتعجب والتهديد والوعيد التى دجج به الدكتور «العوا» عموده الصحفى – إن جاز التعبير – ما هى إلا مظاهر لذهنية ترى فى ذاتها الصواب المطلق، ومن ثم فهيى تستلب لنفسها حق تعليم وتوجيه وتهديد الأخرين، وإلا فالويل والثبور، وفى حالتنا من الواضح أنك إما أن تكون مع ما يقوله الدكتور، أو أن تلقى جزاء الخارجين على الملة والقانون والدستور!
رابعاً : أن الاحكام القضائية التى يتحدث عنها الدكتور «العوا» – على حد علمنا – لم تتضمن منع شركة مصر للطيران من تقديم الخمور، وإنما صدرت بعدم إلزام المضيفين الجويين بتقديم الخمور، وهو ما لا يلزم الشركة بعدم تقديمها، وبالتالي لا تجعل وزير الطيران المصري، خارجا عن القانون والدستور فى حالة إقدامه على ذلك.
خامسا : حتى لا يسارع الدكتور وزملاؤه باتهامنا بالفسق والفساد والتحريض على شرب الخمور، ينبغي أن نوضح بعض الأرقام والحقائق الاقتصادية، التى أتمنى من كل قلبي، أن يكون الدكتور «العوا» يجهلها حتى يمنحني ذلك، ولو بصيصا من الأمل في أن يتروى عند معرفتها فى أحكامه القاطعة على العباد وفي تناوله ذى البعد الواحد، للقضايا متعددة الأبعاد.
أن عدد السياح الذين وفدوا إلى مصر عام ٢٠٠٣ بلغ نحو ستة ملايين سائح من بينهم ٤٫٤ مليون، قدموا من قارتى أوروبا وأمريكا الشمالية بنسبة ٧٣ ٪ من اجمالي السائحين، وهؤلاء بطبيعة الحال لم يسافرو كى يشربوا الخمر كما استنكر الدكتور «العوا»،-بعكس عدد كبير من إخوانهم السياح العرب- لكنهم يشربونه كجزء من عاداتهم وثقافتهم اليومية، فهم يتناولون أنواعا معينة منه أثناء الوجبات، وأنواعا ثانية فى سهراتهم الليلية، وثالثة عند احتفالهم بمناسباتهم الخاصة، ولا يشربونه على طريقة الأفلام العربية، والتي يشرب فيها البطل، كي يسكر و يترنح، ويمنح المخرج الفرصة، ليبتكر مفارقات كوميدية أو حتى تراجيدية، وبصراحة أتعجب بدوري أنا هذه المرة من أن تكون معرفة الدكتور «العوا» لثقافة الأخر مماثلة لمعرفة العامة !

خامسا: إن قطاع السياحة فى مصر، يساهم بنحو ١١٫٣٪ من الناتج المحلى الاجمالي، ويوفر ٢٫٢ مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وبلغت إيرادات القطاع خلال العام الماضى حوال ٤٫٦ مليار دولار، غطت ٥٧٫٤٪ من عجز الميزان التجاري، و٣٦٫٤ ٪ من صادرات الخدمات – بالتأكيد يراها «العوا» خدمات ملعونة كما ذكر فى جزء من عموده – كما أن السياحة تساهم فى ميزانية الدولة بنحو ٢٫٨٥ مليار دولار جنيه، تمثل متحصلات ضريبية مباشرة، جزء منها يأتى بالطبع من الضرائب والرسوم الباهضة المفروضة على الخمور، التي تقدمها المنشأت السياحية.
سادسا: هذه الموارد وتلك المساهمات هى ما دفعتنا فى حقيقة الأمر للرد على الدكتور «العوا»، إذ إننا نخشى أن يكون عموده مقدمة لحملة، تطالب بمنع تقديم الخمور فى المنشأت الفندقية بحجة وجوب تنفيذ أحكام قضائية، لم تنص على ذلك فى حقيقة الأمر، كما ذكرنا من قبل، ومن الواضح أنه لا فارق لدى الدكتور بين مصر للطيران وغير مصر للطيران، وهي حملة لن يكون فى مقدور أحد تحمل عواقب تكليل جهودها بالنجاح على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى ظل ما ذكرناه من حقائق وأرقام.
والغريب أن الدكتور «العوا» وزملاءه، يطالبون طول الوقت الأخرين، بالتخصص عند تناولهم للأمور الدينية، إلا أنهم وفى نفس الوقت، لا يتورعون عن الفتوى وإبداء الرأى فى أمور كالسياسة والاقتصاد و العلاقات الدولية لا يعلمون عن بواطنها وأبعادها الكثير .
فهم لم يتوانوا – ومن بينهم الدكتور «العوا»- على سبيل المثال قبل نحو ثلاثة أعوام من إصدار فتوى، تبيح للجنود المسلمين فى الجيش الأمريكي، المشاركة فى الحرب ضد الإرهاب، ليجدوا أنفسهم فى ورطة شديدة، بعدما حدث فى أفغانستان والعراق.
كما لم يهدأ لهم بالا قبل عدة أشهر، سوى مع إهدائنا فضيحة دوليةن عندما دخلوا فى تطاحن حامى الوطيس حول تصريحات أدلى بها شيخ الأزهر أثناء زيارة وزير الداخلية الفرنسي لهن وهاجمه فيها البعض بحجة أنه أباح لفرنسا منع الحجاب .. وكأنهم يملكون أن يبيحوا أو لا يبيحوا – واندلعت معركة استخدمت فيها مصطلحات من قبيل دار الإسلام ودار الكفر أساء الغرب فهمها ولهم الحق فى ذك بصرف النظر عن النوايا!

وفى النهاية يبقى أمام المرء طريقان لا ثالث لهما أما أن يحترم نفسه ويجهر برأيه وإما أن يخاف «العوا» !