Horribilis decades
روّع العالم غداة القرن الواحد والعشرين.. بالحرب على أميركا من جانب الإرهاب الدولى فى سبتمبر 2001، كما روّع الشرق الأوسط غداة العشرية الثانية من القرن الحالى بما أطلق عليه ثورات «الربيع العربى» منذ مطلع العام 2011، فيما لم يسلم الكوكب البشرى على رحابته عشية العقد التالى من الجائحة الفيروسية التى تجتاحه منذ مطلع 2020، ذلك عبر متوالية عشرية شبه هندسية.. تتوازى معها أحداث جسام تغيِّر وجه المجتمع الدولى، سياسيًّا وإنسانيًّا، يحبس العالم إزاءها أنفاسه خشية ما قد يحمله الغد من توابع لاحقة لعقود مروّعة أخرى حال تواترت متوالياتها بانتظام ما بين التشاؤم أو الاستبشار بالعقد المقبل، ما يسترعى مراجعة سريعة لأهم الأحداث المنصرمة، إذ قد يتعين تمحيصها لاستكشاف قابل الأيام، إما للتحوط من تحدياتها المنظورة أو لتعظيم إيجابياتها المأمولة.
إلى ذلك، لقد اتسم القرن العشرون بوصفه عصرًا من الحروب العالمية 1914 و1939.. فضلًا عن الحرب الباردة 1947، ناهيك عن الحروب الإقليمية المحدودة بين القوى العظمى أو بالوكالة أو بالقيادة من الخلف، كما شهد القرن المنصرم متغيرات دراماتيكية فى شكل وطبيعة النظام الدولى، من «ثلاثة ضد واحد» إلى «الثنائية الأوروبية» بين بريطانيا وفرنسا، ولينحو النظام العالمى من بعدهما نحو «القطبية الثنائية» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، قبل أن تنفرد «الأحادية الأميركية» مع نهاية القرن بزعامة العالم دون منازع، ما يجوز معه تسمية القرن بـ«العصر الأميركي» لفرط ما حققت خلاله الولايات المتحدة، وفى معيتها إسرائيل، من غاياتهما العليا عبر مختلف أقاليم العالم، قبل العبور إلى مشارف الألفية الثالثة، وكأنها ملكت الدنيا وما عليها، فإذ بانفجارات نيويورك وواشنطن سبتمبر 2001 تطيش بصوابها قبل أن يبلغ بها جموح هوى القوة إلى غزو كل من أفغانستان (أكتوبر 2001) والعراق (أبريل 2003)، وإلى الإعلان فى منتصف العقد عن مشروعها فى الشرق الأوسط الجديد «والموسع»، وإلى السعى نحو تطبيق تنفيذه من خلال سياسة «الفوضى الخلاقة» التى أدت من بعد إلى فوضويات ما سمى الربيع العربى منذ 2011، وإلى توابعه المحققة حتى نهاية العقد، ولأمد غير منظور لحين استكمال المشروع الأميركى المتعثرة خريطته المستحدثة من وجهة نظر أميركية للشرق الأوسط، لكن ما إن انتصف العقد الأخير إلا وتم توقيع المجموعة الدولية 5+1 بموافقة أميركية فى يوليو 2015 على الاتفاق النووى الإيرانى (خرجت منه أميركا فى 2018)، وإلى عودة روسيا بقوة إلى سوريا فى سبتمبر 2015 كحقيقة سياسية وعسكرية ثابتة فى شرق البحر المتوسط، وفى عموم منطقة الشرق الأوسط من جديد، كما طالب الرئيس الأميركى فى 2016 عرب الخليج بـ«اقتسام النفوذ» مع إيران، فيما تواصلت محاولات حصر مصر- بالإرهاب- وراء حدودها الشرقية والغربية، فضلًا عن محاولة المساس بحصتها المائية من جهة الجنوب، ذلك بوصفها عمود الخيمة للمنظومة العربية الذى يحول انتصابه حتى الآن ومنذ العام 2013 دون تفكيكها أمام مخططات الهيمنة للجارات الإقليميات غير العربيات، وهى التى تحظى بغضّ الغرب بصره عنها بوصفها من حلفائه التقليديين من بعد الحرب العالمية الأولى التى حدث فى أعقابها من جانب آخر فى 1918.. اجتياح «الإنفلونزا الأسبانية» للعالم التى راح ضحيتها خمسون مليونًا من البشر، الأمر الذى يتكرر مع استدارة قرن كامل من خلال دهم جائحة «كورونا» للعالم مع عشية العقد الثالث من الألفية الميلادية الثالثة.
إلى صعيد متصل بسنوات اللانهايات التى يوصف بها العقد الثانى المنصرم من القرن الواحد والعشرين 2011- 2021، من المرجح أن تنتقل هذه اللانهايات إلى العقد التالي.. كل من توابع جائحة «كورونا» المتحوّرة، ومن أزمة المناخ، واللاجئين، إلى أزمة القيادة والحكم، سواء فى المجتمعات الغربية الجانحة للشعبويات أو بصفة خاصة لدى العقد العربى المعقد والمطبوع بظاهرة الإرهاب والتطرف الديني.. إذ يؤذن استمرارها بأفول العالم العربى على غير النحو المألوف سابقا، خاصة فى ضوء تغول.. إمبريالى لمساعى الهيمنة الأيديولوجية من جانب دول الجوار الإسلامية غير العربية، تركيا وإيران، ما يحول دون ظهور عالم عربى متجدد، وليس بآخر عن استمرار تحديات اقتصاد «العولمة».. وما يترتب عليها من إشكاليات تتصل بمسار العلاقات المعقدة بين دول «الترويكا» العظمى، أميركا وروسيا والصين، ناهيك عما قد يستجدّ من مستحدثات، إذ سوف ترث أميركا على سبيل المثال فى عهد إدارتها يناير 2021 .. ملفات خارجية وداخلية مختلفة عن غيرها فى سنوات الإدارة السابقة، ما قد يعنى ضمنًا استئناف مفاوضات السلام بشأن المسألة الفلسطينية التى ربما تؤدى تسوياتها النهائية فى السنوات المقبلة- وبشكل غير مباشر- إلى شيوع «العلمانية» فى دول (شرق أوسطية)، ذلك من بعد أن شاعت فى السودان عقب غزوها السعودية والإمارات وغيرهما، كبديل عن الفكر الأصولى أو أقرب ما يكون للإسلام الليبرالى، وإذ لربما تلحق بهم مجددًا إيران إذا ما عادت علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب إلى طبيعتها الأولى، لجهة استرداد طهران دورًا إقليميًّا متميزًا فى المقابل، الأمر الذى قد يتوازى من جانبٍ آخر مع التطور المستهدف فى علاقات مصر مع طرابلس الغرب، ومن ثم مع تركيا المهددة.. وفقا لجريدة النيويورك تايمز بـ«ثورة جياع»، ما قد يعنى مجازًا أن تستبعد تركيا مع ليبيا.. رهانهما على «الإخوانية» السياسية، ولصالح مصر التى ستركز جهودها حينئذ فى التعويل أفريقيًّا على دعم دول حوض النيل للضغط على أثيوبيا لعدم المساس بحصة مصر المائية، كما فى التركيز أيضًا، ومن دون إهمالها الجوانب الأخرى لأوضاعها الداخلية أو تحركاتها الخارجية، على تفعيل المسارات الاقتصادية والثقافية للمنظومة العربية، كأولوية تمهّد للمتغيرات السياسية نحو غدٍ أفضل لمصر والعرب، إذ سوف تتوارى عندئذ دواعى التشاؤم عن عقود وعرة، المعلّقة نذرها فى الأفق… وراء عوامل الاستبشار المنظورة بالأمل المتفاعل مع الجهد عبر العشرية الثالثة من الألف الميلادية الثالثة.