تكاد البشرية أن تتفق لما يقارب الإجماع على إطلاق «قرن آسيا» لوصف المائة عام الراهنة من الألفية الميلادية الثالثة، ليس فحسب لأن ثلاث دول من أكبر اقتصادات العالم- آسيوية، الصين- اليابان- الهند، بل أيضًا كون الآسيويين لم ينقطع تواصلهم التاريخى بفلسفاتهم الوضعية والأخلاقية، إذ يسعون من خلال وضعيتهم الاقتصادية إلى جانب أخلاقياتهم الاحترافية نحو تعظيم نظم قيميّة سوسيولوجية تتلاءم مع مقتضيات العصر الحديث، ليست بالضرورة على نفس النمط الحضارى الغربى الذى ساد البشرية لنحو قرنين سابقين من الزمان، إنما من وضعية تنافسية بين نظامين قيميّين على طرفى نقيض بين الديمقراطية الليبرالية للغرب، والبيروقراطية اللاليبرالية من الشرق، بين الأممية الليبرالية التى لم تعد موجودة فى الغرب كما كانت زمن الحرب الباردة قبل بروز الراديكالية الشعبوية.. وبين النموذج الشرقى البيروقراطى للتخطيط المركزى الذى يشهد تقدمًا مطردًا، ما أدى بالتباين بين نتائجهما الواقعية إلى ازدياد التوتر بين المعسكرين عن ذى قبل، وعلى النحو المشهود فى السنوات الأخيرة بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من ناحية، وبين كل من الصين وروسيا (الأوراسية)، ومن فى فلكهما من جانب آخر، إذ يتخطيان جوهر التنافس القيميّ بين حضارتيهما إلى سجالات عسكرية وجيوسياسية وسيبرانية وفضائية، وإلى إجراءات عقابية بين المعسكرين بعضهما البعض، ما أصبح يمثل تهديدًا بشكل أو آخر للاستقرار العالمى، خاصة مع سعيهما- كل من جانبه- إلى اكتساب حلفاء جدد، حيث تتجه واشنطن إلى التعاون الآسيوى مع كل من اليابان- الهند- أستراليا، خاصة فى علاقاتها مع اليابان (مثالًا) التى تمثل حجر الزاوية للسلام والأمن فى المحيطين الهندى والهادى، كما تتجه واشنطن إلى التعاون الأوروبى، خاصة مع بريطانيا (مثالًا) التى تمثل كذلك حجر الزاوية من حيث زيادة ترسانتها النووية، ولاعتبارها روسيا بمثابة «التهديد الأكثر حدّة»، ذلك فيما يتجه المعسكر الشرقى بدوره للعودة إلى غرب الشرق الأوسط، وللتعاون الوثيق مع إيران، كما تسعى الصين وروسيا فى العمل كى تكون دولًا مؤثرة فى منطقة الخليج شرقى السويس، وفى شرق البحر المتوسط (سوريا- لبنان) وإلى ليبيا غرب المتوسط، وإذ يجاهد كل من الجانبين القيميّين إلى توسيع دائرة نفوذه، فإن قياداتهما تتجه إلى التخلّق بظاهرة سياسية غير مسبوقة من تبادل السباب فيما بينهما، كما كان بين الرئيسين «بايدن» و«بوتين».. وكما بين الوفدين الصينى والأميركى فى «ألاسكا» 18 مارس الحالى، وما إلى غير ذلك من مكايدات سياسية، وفى السباق نحو التسليح.. وصولًا إلى الحروب بالوكالة بينهما أحيانًا، الأمر الذى يشجع قيادات وأطرافًا إقليمية من جانب ثالث كى تلعب دور المرابى السياسى، لصالحهما، وعلى حساب الشعوب المسالمة- كالفلسطينيين فى إسرائيل، أو للسطو على الحصص المائية لمصر والسودان من جانب إثيوبيا، أو غض البصر عن إيران وتركيا للتدخل فى الشئون الداخلية لكل من العراق وسوريا وليبيا، ناهيك عن ممارسة ضغوط فى اتجاه اقتسام النفوذ بين إيران وعرب الخليج، (أوباما 2016)، ذلك دون استثناء ما يحدث من الجانب الآخر فى شبه جزيرة القرم- ماينمار- الفضاء السوفيتى السابق- الدول المشاطئة لبحر الصين الجنوبى، كما بشأن الاستيلاء على «تايوان» الذى يعنى، وفق منظّرين غربيين، بداية انحسار الإمبراطورية الأميركية (وعن المحور الآسيوى تحديدًا)، وبحيث يصبح الكوكب البشرى «البائس»، فضلًا عن دهم الجائحة الفيروسية لحدوده المسامية، أشبه بميدان مصارعة، بالأظلاف- للذئاب مع الحملان، ذلك فى ظل عدم وجود كتلة ثالثة يمكنها العمل من خلال جهودها الحيادية للموازنة بين المعسكرين المتنازعين، ولأن تتجاور المصفّحة إلى جانب الجرّار لتعظيم التنمية والسلم العالمى، لولا طموحات النموذج القيميّ البيروقراطى (الصاعد) للحلول محل أفول النموذج الديمقراطى الغربى.. الذى يدافع لآخِر نفَس عن سابق هيمنته العالمية لقرنين من الزمان، ذلك فى إطار حالة كوكبية تتسم بالتعقيد تشد العالم- ولو بالغصب- عند مفترق طرق خطير.
شريف عطية
8:23 ص, الخميس, 25 مارس 21
End of current post