عمدت الصين إلى تقليص اعتمادها على استيراد النفط عن طريق نشر منصات إنتاج في حقول النفط البحرية قبالة الساحل الجنوبي للبلاد، بحسب وكالة بلومبرج.
ففي موقع واحد في زوهاي المواجهة لشبه جزيرة ماكاو الشهيرة بالكازينوهات؛ يوجد أكثر من 15 ألف عامل في وقت واحد يُدارون من وحدة تابعة لشركة “تشاينا ناشيونال أوفشور أويل كورب” ، المعروفة اختصاراً باسم “سينوك”، حيث تعمل على توفير منصات إنتاج لنشرها في حقول النفط البحرية الصينية.
حقول النفط البحرية الصينية
تأتي مساعي الحفر المكثفة في المياه العميقة في الوقت الذي تجد فيه الصين نفسها معتمدة على الآبار البرية القديمة وسط إقبال على موارد الطاقة بشراهة، مما يجعلها مضطرة إلى أن تصبح أكثر اعتماداً على النفط الخام الأجنبي.
تحصل أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم على أكثر من 70% من إمداداتها من الخارج، مقارنة بأقل من 10% في مطلع الألفية.
وبالنسبة إلى شركة “سينوك”، إحدى ثلاث شركات نفطية رئيسية مملوكة للدولة في الصين التي تمتلك قاعدة صناعية مترامية الأطراف ولديها طموحات في المياه العميقة؛ فإنَّها تنفق بسخاء من أجل تطوير تكنولوجيا الحفر التي تهيمن عليها حالياً شركات النفط الغربية الكبرى. لكنَّ الاندفاع نحو المياه المتنازع عليها من قبل جيران الصين جعلها تخوض صراعاً مع الحكومة الأميركية أيضاً.
فقد أدرجت واشنطن “سينوك” ضمن القائمة السوداء في عام 2021، إذ أشارت إلى أنَّ الشركة بالتنسيق مع الجيش الصيني “استأسدت” على الدول المجاورة بشأن مطالباتها المتنازع عليها في أجزاء كبيرة من بحر الصين الجنوبي. ونفت الشركة هذه المزاعم.
كانت شركة النفط الصينية الكبرى قد طوّرت حقل “بوهاي سي” الواقع بين شمال الصين وشبه الجزيرة الكورية ليصبح أكبر حقل نفطي في البلاد، فيما تعمل على توسيع حقل “ليوهوا” وغيره من الحقول في شرق بحر الصين الجنوبي. شكّلت هذه الآبار البحرية 60% من إنتاج النفط الجديد في الصين العام الماضي.
قال بايهوي يو، كبير محللي الأبحاث في “إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس” S&P “في ظل توفر كميات كبيرة غير مستغلة بالمناطق البحرية للصين؛ يُتوقَّع أن تصبح البراميل من هذه الحقول المحلية محركاً لا غنى عنه للنمو خلال العقد المقبل. فالتقدم التكنولوجي وتزايد إمكانية استغلالها قد ساهما في تركيز المزيد من الحفر بالمياه العميقة”.
الصين ليست الأولى
الصين ليست الدولة الأولى التي تُضطر للجوء إلى الحقول البحرية لتعويض الاحتياطيات البرية المتضائلة. فقد قامت الحفارات الأمريكية بالتنقيب في خليج المكسيك خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، فيما حوّلت الشركات الأوروبية بحر الشمال إلى مركز إنتاج رئيسي خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات.
تعد “سينوك” منتج النفط البحري الحصري في الصين، وقد زاد إنتاجها المحلي بـ23% من إجمالي إنتاج البلاد خلال 2021، مقارنة بـ15% في 2013، وفقاً لإيداعات الشركة وبيانات “بي بي” (.BP Plc). تستثمر الشركة بكثافة بهدف زيادة الإنتاج بنسبة ما بين 4% إلى 6% هذا العام، على أن تصل إلى 12% إضافية بحلول 2025.
بالإضافة إلى العقبات الجيوسياسية؛ هناك تحديات فنية هائلة على صعيد الحفر في المياه العميقة أيضاً. في ظهيرة أحد أيام الأسبوع الأخير بموقع “زوهاي”، أحد أكبر مرافق الحفر في العالم، تطاير الشرر في الهواء بينما كانت مجموعة محدودة من العمال تضع اللمسات الأخيرة على هيكل بدا قريب الشبه ببرج إيفل في وضع الاستلقاء على جانبه.
من المقرر أن يُسحب الهيكل الفولاذي، المسمى “غلاف”، إلى قارب قبل أن يُجرّ لمسافة 200 كيلومتر بعيداً عن الشاطئ، حيث سيوضع رأسياً بطول 338.5 متر بالتمدد من القاع إلى فوق سطح المحيط. تعتبر الأغلفة، التي يتعين أن تكون قوية بما يكفي لتحمل الأمواج والأعاصير الهائلة، ضخمة للغاية بحيث لا يمكن تحريكها بواسطة الرافعة، لذا فهي تُشيّد أفقياً، وتتم دحرجتها جانبياً على متن سفينة.
تقدم تكنولوجيا الحفر
ما تزال شركات النفط الكبرى، مثل “شيفرون” و”شل” اللاعبين الأكثر تقدماً في هذا القطاع، في ظل ما تمتلكه من قدرات تكنولوجية في مجال الحفر بالبيئات البحرية الأشد قسوةً وعمقاً. لكنَّ “سينوك” تواكب هذه التطورات.
قبل عام، بنت الشركة أكبر غلاف تشهده آسيا وخصصته للحقل التابع لها، وهو “هايجي – 1” (Haiji-1)، في الوقت الذي تعكف فيه الشركة على زيادة الاستكشاف في المياه العميقة بعيداً عن الساحل الصيني. تتوقَّع “سينوك” إنتاج ما بين 650 مليون برميل إلى 660 مليون برميل من المكافئ النفطي هذا العام، فضلاً عن أنَّها تشارك في مشروعات على مستوى العالم، بما في ذلك اكتشاف الحقل العملاق قبالة سواحل غويانا التابع لشركة “إكسون موبيل”.
في موقع بناء آخر في تشينغداو؛ تقوم الشركة بتجربة تكنولوجيا أكثر تقدماً، حيث تبني سفينة جديدة على شكل أسطواني مصممة لتطفو بالقرب من الغلاف ومنصة النفط، وتعالج وتخزن النفط على متن السفينة قبل تفريغه على الناقلات.
ووفقاً للشركة؛ فإنَّ مثل هذا التقدم التقني جعل بعض الحقول البحرية غير الاقتصادية سابقاً قابلة للتطوير الآن.