أكدت الصين مجددًا، اليوم الأربعاء، أن أي صفقة تتعلق بتطبيق “تيك توك” يجب أن تخضع بشكل صارم للقوانين الصينية، وذلك في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تمديد المهلة الممنوحة لبيع أصول التطبيق في الولايات المتحدة لمدة 75 يومًا، وفقا لما ورد في تقرير وكالة رويترز.
وقالت وزارة التجارة الصينية، في بيان نشر على موقعها الإلكتروني، إن “الصين تعارض الممارسات التي تتجاهل قوانين السوق، وتنهب بالقوة، وتلحق الضرر بالحقوق والمصالح المشروعة للشركات”. وأوضحت أن أي ترتيب تجاري خاص بـ”تيك توك” ينبغي أن يتماشى مع القوانين الصينية، بما في ذلك ما يتعلق بتصدير التكنولوجيا، والذي يتطلب موافقة حكومية مسبقة.
وتأتي هذه التصريحات في ظل الجدل المستمر حول خوارزمية “تيك توك”، التي تُعد جوهر عمليات شركة “بايت دانس” الأم، وتخضع لضوابط تصدير صارمة أقرتها الصين منذ عام 2020.
رقابة صينية على المحتوى المرتبط بالتعريفات الجمركية بعد تصعيد أمريكي
وفي تطور متصل، بدأت الصين الأربعاء بفرض رقابة على المحتوى المتعلق بالتعريفات الجمركية على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بالتزامن مع بدء سريان رسوم جمركية أمريكية جديدة تشمل فرض ضرائب تصل إلى 104% على السلع الصينية.
وقد تم حجب نتائج البحث عن كلمات مثل “تعريفة” و”104″ على منصة “ويبو”، بينما تم حذف منشورات من شركات صينية على “وي تشات” انتقدت التأثيرات السلبية للرسوم الأمريكية، بحسب مراجعة أجرتها وكالة “رويترز”. وقد أُرفقت جميع المنشورات المحذوفة بتحذير يفيد بأن “المحتوى يُشتبه في مخالفته القوانين والأنظمة والسياسات ذات الصلة”.
وفي المقابل، سمحت الرقابة الصينية بتداول منشورات تسخر من المواقف الأمريكية، حيث وصفت وسائل إعلام رسمية، مثل شبكة CCTV، الولايات المتحدة بأنها “شريك تجاري غير مسؤول عالميًا”، في وقت تستعد فيه بكين لمواجهة تجارية موسعة مع واشنطن.
ردود فعل داخلية ودعوات للرد بالمثل
وفي سياق الرد على الإجراءات الأمريكية، أعلن محامي بكين الشهير، بانغ جيو لين، الذي يتابعه أكثر من 10.5 مليون شخص على “ويبو”، أن صادرات الصين إلى السوق الأمريكية يمكن أن تستبدل بسرعة بدول مثل فيتنام والهند. وقال: “أمام العدوان الاقتصادي الأمريكي، لا خيار أمام الصين سوى القتال حتى النهاية”.
وأشار إلى أنه في حال فرضت الصين تعرفة جمركية مقابلة بنسبة 104%، فإن أسعار السلع الأمريكية مثل منتجات “أبل” و”تسلا” سترتفع بشكل كبير في السوق الصينية، مما سيؤثر مباشرة على المستهلك الصيني.
ورغم أن فرض بكين رسومًا مقابلة قد لا يكون ذا تأثير كبير، نظرًا للفارق الكبير في حجم التبادل التجاري بين البلدين، فإنها قد تلجأ لهذا الخيار إذا اعتقدت أن قدرتها على تحمل الخسائر أكبر من قدرة واشنطن.
تأثيرات السوق وردود الأفعال المحلية
تراجعت أسواق الأسهم الصينية بشكل حاد بداية الأسبوع، حيث انخفض مؤشر “شنغهاي المركب” بنسبة 7%، في أسوأ أداء يومي له منذ خمس سنوات. إلا أن المؤشر تعافى يوم الأربعاء بدعم من تعهدات حكومية بدعم الأسواق المحلية.
من جهته، علّق المحلل السياسي البارز هو شيجين بأن “فريق ترامب واهم للغاية”، مضيفًا: “إنهم لا يخوضون حربًا مع العالم فقط، بل مع أبسط قواعد المجتمع الإنساني… فرصهم في الانتصار تساوي صفر”.
وفي تصريحات أدلى بها الرئيس الأمريكي ، دونالد ترامب، على متن طائرة “إير فورس وان”، قال إن إدارته كانت “قريبة جدًا” من التوصل إلى اتفاق لإنقاذ “تيك توك” من الحظر الأمريكي، قبل أن “تُغيّر الصين شروط الصفقة بسبب الرسوم الجمركية”.
وفقًا لمصادر مطلعة، كان هناك اتفاق مبدئي بين شركة “بايت دانس” المالكة لتطبيق “تيك توك”، وبعض المستثمرين الأمريكيين، إلى جانب مسؤولين في واشنطن، على هيكلية جديدة للملكية، تضمن امتثال التطبيق لقانون الأمن القومي الأمريكي، الذي يطالب ببيع أصول التطبيق داخل الولايات المتحدة أو مواجهة الحظر.
الترتيبات كانت ستسمح باستمرار تشغيل “تيك توك” في السوق الأمريكية، من خلال كيان جديد يضمن عدم وصول الحكومة الصينية إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين.
تيك توك بين المطرقة والسندان
الجدير بالذكر أن “تيك توك” لا تزال تواجه ضغوطًا مكثفة من المشرّعين الأمريكيين، الذين يعتبرون التطبيق تهديدًا للأمن القومي بسبب علاقته بالحكومة الصينية. وقد حظيت جهود حظر التطبيق بدعم واسع من الحزبين في الكونغرس، رغم اعتراضات من مجتمع التكنولوجيا والمستخدمين.
وفي الوقت نفسه، تلوح في الأفق مواجهة تجارية أوسع، مع دخول رسوم جمركية أمريكية جديدة حيز التنفيذ ضد الصين، والتي ردّت بدورها بفرض تعرفة انتقامية، ما يعقّد المفاوضات التقنية ويزيد من احتمالات تصعيد الصراع.
تحوّل “تيك توك” من مجرد تطبيق ترفيهي إلى ورقة ضغط جيوسياسية يعكس بوضوح التحوّل في طبيعة الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى، حيث أصبحت الشركات التكنولوجية في صلب المعادلات الاستراتيجية، وأدوات تستخدمها الحكومات لفرض النفوذ وتحصين الأمن الرقمي.
في هذا السياق، يترقب المستثمرون والمستخدمون على حد سواء ما ستؤول إليه الأمور، وسط حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل التطبيق الذي يضم أكثر من مليار مستخدم حول العالم، ويُعدّ من أبرز رموز الجيل الرقمي الجديد.