تشهد مؤسسات الدولة العبرية مناخًا من الفوضى السياسية غير مسبوق، من فراغ حكومى إلى نزاعات تشريعية إلى ملاحقات قانونية بالفساد إلى التهديد بمظاهرات وبمقاطعة الانتخابات النيابية الرابعة فى غضون عام، ناهيك عن تبعات متشعبة فى المجال الصحى والاقتصاد وجهاز التعليم، ومن دون استثناء الأزمة المزمنة بشأن تسوية المسألة الفلسطينية، ما يمثل تطورات غير مسئولة لم تعتدها الساحة المجتمعية الإسرائيلية، إذ يفاقمها تضخم الذات السيكوباتية بين الفزع والغطرسة، بتأثير الممارسات اليمينية المتشددة على الرأى العام، خاصة فى السنوات العشر الأخيرة من رئاسة «بنيامين نتنياهو» للحكومة، كان حزب الليكود خلالها الرابح الدائم فى كل الانتخابات النيابية منذ 2009، مؤيداً برأى عام صوت إلى جانبه للمرة الأولى فى مايو 1977، فيما تراجعت تدريجيًا شعبية حزب العمل- المؤسس للدولة- والمعبر عن قوى اليسار التى يبدو أن دورها التاريخى فى الصراع مع العرب لم تعد هناك حاجة إليه بعدما أنجزت تسويات سياسية فى السبعينيات والتسعينيات، حيدت من خلالها دول الإطار المباشر (مصر – الأردن- فلسطين) من الصراع، وباستثناء سوريا ولبنان حتى الآن، فيما أخذت قوى اليمين على عاتقها منذ 1996 (نتنياهو – شارون- نتنياهو) تجميد عجلة الأساليب الإجرائية للسلام مع العالم العربى الذى أصبح عاجزاً عن شن الحرب أو استكمال التسوية، فيما باتت إسرائيل مع حالة اللاسلم واللاحرب هى الرابح الأكبر جملة وتفصيلاً خلال ربع القرن التالى، ذلك فى الوقت الذى اكتفى فيه العرب بالمقاومة السلبية الرافضة لشروط السلام من وجهة النظر الأميركية – الإسرائيلية، ما وضع حكومة الليكود- بالتراكم- أمام حائط صد لموقف عربى جماعى يستمسك بمرجعية مبادرة القمة العربية للسلام فى بيروت 2002. فى سياق استشعار إسرائيل بانعكاسات سلبية عن تجميدها جهود التسوية منذ 1995، ما يحول دون مباشرة «المفاوضات المتعددة المسارات»، التى نصّ عليها مؤتمر مدريد الدولى للسلام 1991، كان من الطبيعى، أن يبرز على الساحة الحزبية عشية العام 2019 حزب الجنرالات (حصانة إسرائيل) ليضم تيارات شتى من يسار اليمين والوسط وقوى اليسار.. للمنافسة مع حزب الليكود وحلفائه من اليمين المتطرف فى الانتخابات النيابية أبريل/ سبتمبر -2019 مارس 2020، ما أدى إلى عجز الليكود عن تشكيل الحكومة مجدداً فى سابقة لم تشهدها إسرائيل من قبل، قد تؤدى إلى إجراء انتخابات أخرى ستكون الرابعة خلال سنة، الأمر الذى دعا الرئيس الإسرائيلى إلى إحالة التكليف بتشكيل الحكومة إلى الكنيست ليتحصل على أغلبية نيابية لأحد المرشحين، أو أن يحل البرلمان نفسه حال فشله، وفى الدعوة إلى انتخابات جديدة خلال ثلاثة أشهر، ذلك فيما سيف الاتهام بالفساد مسلط على «نتنياهو» من جانب محكمة العدل العليا، وحيث من المنتظر اعتزام رئيس الكنيست «جانتس» – رئيس حزب الجنرالات- طرح خمسة مشروعات لقوانين على جدول الأعمال تقضى بمنع «نتنياهو» من تشكيل حكومة أو تولى أى منصب بها بسبب لوائح الاتهام بالفساد، وفيما يحتج نحو ألف شخص فى تل أبيب ضد «الفساد».. يهدد «نتنياهو» بمظاهرات ومقاطعة الانتخابات، متهما المحكمة العليا بالتآمر ضده لإسقاطه عن الحكم، إلا فى حالة توصل حزبى الليكود والجنرالات إلى اتفاق بينهما بتشكيل حكومة وحدة طوارئ صباح 20 أبريل الحالى، الأمر الذى يحتمل كل التوقعات فى الصراع بين اليمين والوسط فى إسرائيل
End of current post