مر عام على تفعيل العمل بآلية اقتراض الأوراق المالية بغرض البيع أو ما يُعرف عالميًا ومحليًا باسم «الشورت سيلينج» فى البورصة المصرية، وتحديدا عندما قررت الهيئة العامة للرقابة المالية بدء العمل بتلك الآلية فى الأول من ديسمبر 2019.
«الشورت سيلينج» تلك الأداة التى تسمح للمستثمر أن يقترض أسهم من مستثمر آخر بهدف بيعها فى الوقت الحالى ثم إعادة شرائها مرة أخرى لاحقًا بسعر أقل لتحقيق ربح يعادل الفرق بين قيمة البيع وبين تكلفة إعادة الشراء، ثم يقوم المقترض بإرجاع الأسهم المقترضة لمالكها الأصلى مع سداد نسبة فائدة متفق عليها.
وكان «الشورت سيلينج» أحد أبرز مطالب العاملين بسوق المال فى إطار سعيهم لتطوير البورصة وإدخال أدوات وآليات جديدة، على مدار أعوام كثيرة، إلا أن تطبيقها ونتائجها وآثارها على السوق المحلية لم يكن على قدر وحجم تكرار المطالبة بها.
«المال» حاولت الوقوف على وضعية الآلية التى استحوذت على اهتمام كبير من سوق المال، ورسم صورة أكثر وضوحًا عن نتائجها وأسباب عدم انتشارها بالمستوى المأمول، وتقديم مقترحات الخبراء لتحقيق الاستفادة المُثلى من “الشورت سيلينج”.
يُذكر أن الدكتور محمد عمران، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، قد أصدر فى فبراير 2019، قرارا تنظيميا حمل رقم (268) لسنة 2019 بشأن قواعد عمليات اقتراض الأوراق المالية بغرض البيع لتفعيل الآلية، على أن تقوم كل من البورصة المصرية وشركة الإيداع المركزى بإعداد وتجهيز النظم الآلية والمتطلبات الفنية للعمل بآلية اقتراض الأوراق المالية بغرض البيع وإخطار الهيئة قبل تفعيل الآلية، حتى تم الانتهاء من تلك الإجراءات والإعدادات الخاصة بها لتفعل رسميًا فى ديسمبر 2019.
وتوجهت الاستفسارات إلى شركات السمسرة باعتبارها الطرف الذى يقع على عاتقه مهمة تفعيل الآلية، والذين أكدوا أن آلية الشورت سيلينج لم تؤت بثمارها على النحو المأمول لأسباب متنوعة، مستبعدين أن يكون هناك تقصير من جانبهم فى توعية المستثمرين بالآلية وكيفية استغلالها.
وتتولى شركات السمسرة المهمة الكاملة فى آلية الاقتراض بغرض البيع “الشورت سيلينج” إذ تكون مطالبة بإيجاد المستثمر الُمقرض وذلك فى حال وجود مستثمر راغب فى العمل بتلك الآلية وتوقيع عقد ثلاثى بين المستثمر المقرض والمستثمر المقترض وشركة السمسرة التى تكون الضامن فى تلك العملية.
وقال مسؤولو شركات السمسرة إن أحد أبرز الأسباب التى ساهمت فى عدم انتشار العمل بآلية الشورت سيلينج يكمُن فى ارتفاع تكلُفة اقتناء النظام الإلكترونى الخاص بها، مشيرين إلى أن شركات السمسرة الكبرى هى فقط القادرة على تحمل تلك التكاليف فى ظل عدم قدرة نظيرتها الصغرى على تغطية تكلفة شراء السيستم نتيجة عدم وجود عمليات بتلك الآلية.
ونالت الظروف المحيطة بأسواق المال والاقتصاد العالمى نتيجة انتشار جائحة كورونا نصيبًا من الاتهامات كونها أدت إلى غياب وخوف المستثمرين من الاستثمار بشكل عام، ومن ثم تراجع السيولة وانخفاض أسعار الأسهم وتكبد الكثيرين منهم لخسائر كبيرة.
رانيا يعقوب: تكلفة اقتناء «السيستم» مرتفعة ولا تناسب شركات السمسرة الصغيرة
من جانبها، ألقت رانيا يعقوب، رئيس مجلس إدارة شركة ثرى واى للسمسرة، باللوم على تكلفة شراء النظام الإلكترونى أو تكنولوجيا الآلية، مشيرة إلى أنها مرتفعة وغير مناسبة لقدرات شركات السمسرة وتحديدًا الصغيرة منها، التى لا تستطيع تغطية تكلفتها من الأساس فى ظل انخفاض توجه العملاء للشورت السيلينج.
وأضافت أن عدم قدرة شركات السمسرة على توفير النظام الإلكترونى أدى إلى عدم تقديمها لخدمة الاقتراض بغرض البيع “الشورت سيلينج” ومن ثم عدم انتشار ثقافة العمل بتلك الآلية بين عملاء تلك الشركات.
وأوضحت يعقوب أن شركات السمسرة الكبيرة لديها القدرة على ترويج آلية الشورت سيلينج فى ظل امتلاكها لقاعدة عملاء كبيرة العدد، إلا أن السوق لا تحتوى على الكثير من شركات السمسرة كبيرة الحجم.
وأشارت إلى أن المهام المطلوبة من شركات السمسرة وتحديدًا توفير المقرض والمقترض وتوقيع العقد الثلاثى أمر يزيد من صعوبة تسويق الآلية ذاتها، لافتة إلى الحاجة لتعديل بعض القواعد المنظمة، إصافة للعمل من جميع الأطراف فى السوق على زيادة الثقافة بين المستثمرين.
وقالت رئيس مجلس إدارة شركة ثرى واى للسمسرة إن ظروف السوق لم تكن مناسبة أيضًا لتسويق الآلية واستغلالها، لافتة إلى أنه بعد استقرار الأوضاع المرتبطة بجائحة كورونا، ارتفعت أسعار الأسهم فى الـ4 أشهر الأخيرة مقارنة بالأشهر الأولى من العام، ومن ثم فإن حالة ارتفاع الأسهم لا تناسب مضمون عمل آلية الشورت سيلينج والتى وصفتها بأنها “آلية للتحوط من هبوط السوق”.
إيهاب السعيد: ضرورة تواجد «مصر المقاصة» كبنك أو صندوق تسليف لإنجاح الآلية
من جهته، قال إيهاب السعيد، عضو مجلس إدارة البورصة المصرية والعضو المنتدب للفروع بشركة أصول للسمسرة، إن نظام وقواعد عمل آلية الشورت سيلينج فى حاجة إلى تعديل حتى تُفعل تلك الآلية بالمستوى المأمول، وذلك فى ظل إلقاء العبء على شركات السمسرة بالكامل.
وأضاف أن شركة السمسرة مسؤولة عن عملية إقراض الأسهم سواء أطراف العملية أو توقيع العقود وضمانها، الأمر الذى يؤدى إلى صعوبة الوصول للمقرض والمقترض فى التوقيت المناسب.
وأكد أن شركات السمسرة التى تمتلك القدرة على توفير المستثمر المُقرض للأسهم لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، مما يُضعف عملية تسويق وترويج الآلية بين المستثمرين.
وشدد السعيد على ضرورة أن يكون لشركة مصر المقاصة دور فى عملية إقراض الأسهم، مقترحًا أن تقوم “مصر المقاصة” بعمل صندوق لتسليف الأسهم، ويتم وضع فيه أسهم العملاء الذين لا يرغبون فى التعامل على أسهمه لفترة زمنية محددة، على أن يتم توقيع عقود معهم باستغلال أسهمهم خلال تلك الفترة فى إقراضها لمستثمرين آخرين مقابل نسبة فائدة محددة.
وقال عضو مجلس إدارة البورصة المصرية والعضو المنتدب للفروع بشركة أصول للسمسرة، إن وجود صندوق لتسليف الأسهم بشكل مستمر ومتاح فى أية لحظة، سيساهم فى تنفيذ عمليات إقراض للأسهم بغرض البيع بشكل كبير، خاصة فى الأوقات التى تتراجع فيها مؤشرات البورصة وأسعار الأسهم المقيدة.
وأضاف أن تفعيل آلية الشورت سيلينج بالشكل المتعارف عليه عالميًا، سيمنح السوق جناحًا قويًا يمكنه من إحداث التوازن فى حالات الهبوط الشديدة التى يتعرض لها.
عونى عبدالعزيز: تأثرت بصغر حجم التداولات وغياب البضاعة الجديدة وتكلفة التكنولوجيا
وقال عونى عبدالعزيز، رئيس شركة وديان للسمسرة ورئيس شعبة الأوراق المالية باتحاد الغرف التجارية، إن عدد شركات السمسرة القادرة على العمل بآلية الشورت سيلينج قليل للغاية، ومن ثم تواجه الآلية صعوبات تتعلق بانتشارها بين المستثمرين فى السوق.
وأضاف أن تكلفة اقتناء وشراء “السيستم” أو النظام الإلكترونى الخاص بآلية الشورت سيلينج مرتفعة للغاية، مقارنة بأوضاع شركات السمسرة المالية فى ظل تعرض السوق لفترات صعبة أضرت بحجم العمليات المنفذة وعدد المستثمرين النشطين بالسوق، ومن ثم تأثر إيرادات الشركات سلبًا، خاصة عقب انتشار جائحة فيروس كورونا.
وأوضح عونى أن السوق فى حاجة إلى بضاعة جيدة فى المقام الأول قبل أن نتساءل عن موقف الآليات والأدوات المتاحة به، مؤكدًا أنه بدون شركات قوية قادرة على جذب السيولة فإن جميع الأدوات والآليات لن يكون لها قيمة على الإطلاق.
مصطفى فوزي: هناك حاجة لتعديل بعض القواعد المنظمة وتعظيم حجم السوق الخطوة الأولى
من جانبه، قال مصطفى فوزى، العضو المنتدب لشركة “بايونيرز” لتداول الأوراق المالية وعضو مجلس إدارة شركة مصر المقاصة، إن من أهم متطلبات نجاح أية آلية فى سوق الأسهم تتطلب وجود أحجام وقيم تداولات كبيرة، وهو العنصر الغائب عن البورصة المصرية مع تفعيل آلية الشورت سيلينج.
وأضاف أن الظروف المحيطة بانتشار جائحة كورونا ساهمت فى تقليل فرص نجاح آلية “الشورت سيلينج”، إذ كان مناسبًا للمستثمر استغلال تلك الآلية عندما كان يتحرك المؤشر الرئيسى للسوق EGX30 عند مستويات الـ 18000 نقطة، من أجل تحقيق الربح المناسب لمعدل المخاطرة الخاص بتلك الآلية.
وأوضح فوزى أن تكلفة شراء النظام الإلكترونى الخاص بآلية الشورت سيلينج مرتفع للغاية مقارنة بفرص شركات السمسرة فى تغطية نفقاته فى ظل انخفاض لجوء المستثمرين لتلك الأداة الجديدة على سوق المال.
وأشار إلى أن القواعد المنظمة لعمل الشورت سيلينج بحاجة إلى تعديل لدور شركات السمسرة بالشكل الذى يسهل عملية الوصول إلى المقترض، والمقرض للأسهم.
إيهاب رشاد: لم يحقق أهدافه ويجب إعادة النظر فى تطبيق القواعد المتعارف عليها عالمياً
وقال إيهاب رشاد، رئيس شركة مباشر إنترناشيونال لتداول الأوراق المالية، إن قواعد عمل آلية الشورت سيلينج معروفة فى أسواق العالم، لكنها مختلفة عن نظيرتها المطبقة محليًا، مؤكدًا الحاجة لتعديلها بالشكل المطبق عالميًا.
وأضاف أن آلية الشورت سيلينج هى أداة لتحقيق التوازن فى سوق الأسهم عند تعرضه لموجات هبوط، إذ تضمن وجود معدلات طلب مستمرة وسيولة متدفقة، مشيرًا إلى ضرورة إعادة النظر فى النموذج المصرى مرة أخرى.