«التكاليف والمصروفات».. دائما ما كانت أحد البنود المهمة فى قائمة دخل الشركات سواء المقيدة فى البورصة أو خارجها وزادت أهميتها مؤخرا فى ظل جائحة كورونا التى ضربت الاقتصادات بشكل حاد إذ يعول على مراجعتها كثير من أصحاب الأعمال لترشيد النفقات بشكل يضمن الاستقرار النقدى والمالى للمؤسسة.
يرى محللون ماليون ومسئولون فى شركات بقطاعات متنوعة منها السياحة والخدمات المالية والأغذية والأوراق المالية وغيرها، أن التعامل مع بند التكاليف بات أمرا صعبا لصاحب المؤسسة فى ظل الظروف الاستثنائية الحالية لأنها تتصل بشكل أساسى برواتب الموظفين والعمال التى تندرج تحت بند المصروفات الإدارية.
وأكدوا- خلال حديثهم لـ«المال» للوقوف على حلول لهذه المعادلة- أنه برغم تلك المعطيات فإن الكيانات المختلفة تمتلك خيارات مختلفة تمكنها من السيطرة على التكاليف والتخلص من أى أعباء مالية أو تكاليف ثابتة غير مهمة دون المساس ببنود تتعلق بالموظفين.
وتتلخص أبرز أراء الخبراء فى السيطرة على بند التكاليف و التقليل من مصاريف التسويق والتخلص من إيجارات المقارات التى تبالغ فيها المؤسسات أو تأجير المساحات الزائدة منها وهو ما سيدعمه العمل عن بعد.
ويروا أن التشارك فى نفس فريق العمل مع مؤسسة أخرى أحد الحلول أيضا، فضلاً عن السعى للحفاظ على العملاء الحاليين للشركة باعتبار أنه سيكون أوفر من تكاليف جذب عملاء جدد وبالتالى التقليل من المصروفات.
وأكدوا أنه من ضمن الحلول تعقب الخصومات المتاحة والاستفادة من المبادرات الحكومية الداعمة من قروض أو وسائل تمويل مخفضة واستئجار المعدات بدلاً من شرائها أو تعديل سياسة التشغيل بما يتناسب مع الأوضاع الجديدة.
يذكر أن شركة أوراسكوم للتنمية كانت من أولى الشركات المقيدة فى البورصة التى أقدمت على حزمة من الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا من خلال تقليل الإنفاق والحفاظ على السيولة النقدية لأطول فترة ممكنة لضمان استمرار تسيير الأعمال.
وتضمنت خطة أوراسكوم خفض النفقات الرأسمالية والالتزام بالضرورى منها فقط وتأجيل تعيين موظفين جدد، وتخفيض جميع المصروفات والتكاليف إلى أدنى حد، وكذلك تخفيض جميع مصروفات التسويق، بالإضافة إلى الاستفادة من المبادرات الحكومية المعلنة لدعم الشركات وتأجيل بعض الالتزامات.
وقامت «أوراسكوم» بالعديد من الإجراءات لحماية موظفيها منها تشجيع العمل من المنزل، وتنفيذ تدابير وقائية فى المكاتب، والإيقاف المؤقت لعدد من الخدمات، وتقييد رحلات السفر لأغراض العمل وتوفير ونشر التحذيرات اللازمة بين جميع الموظفين عن فيروس كورونا.
«دومتي» تتسلح بزيادة مخزون الخامات والشراء فى الوقت وبالسعر المناسب والبيع «الكاش»
وقال أحمد القطان العضو المنتدب للقطاع التجارى بشركة الصناعات الغذائية العربية «دومتي» إن شركته اتبعت إجراءات عدة للتعامل مع أزمة كورونا فيما يتعلق بالتكاليف إذ أصبح لديها خطة جيدة للمشتريات فى التوقيت المناسب والكمية المناسبة وبأسعار جيدة، كما أن هناك فرصة خلقتها كورونا وهى انخفاض أسعار المواد الخام مثل اللبن البودرة والزيوت على سبيل المثال، ويتم مراجعة بورصة المواد الخام عالمياً للشراء فى الوقت الصحيح.
وأكد أن الشركة غيرت من وجهتها الإستراتيجية بعد كورونا من خلال زيادة المخزون من المواد الخام والتعبئة والتغليف بأكثر من شهر عن المعتاد مما يعتبر خفضا للتكلفة مستقبلاً دون التطرق من الأساس إلى تخفيض أعداد العمالة أو الموظفين.
ولفت إلى أن «دومتي» لجأت إلى رفع كفاءة التشغيل من خلال تدشين فروع مبيعات إستراتيجية كبيرة توفر تكلفة النقل والشحن للكيلو وبالتالى تقلل التكلفة، وكذلك العمل على زيادة عمليات البيع «الكاش» فى السوق التقليدية (التجزئة والجملة) لتخفيف مصروفات التمويل.
وأكد القطان أن الشركة نجحت فى اتباع إستراتيجية التحول من كيان متخصص فى إنتاج الأجبان فقط إلى شركة صناعات غذائية متكاملة بعد طرح المخبوزات والعيش والعصير وبالتالى أصبح لديها القدرة على امتصاص صدمات العرض والطلب فى ظل الأزمات التى تواجه الاقتصاد.
وأظهرت نتائج أعمال «دومتي» عن الربع الأول من العام الحالى تحقيق مبيعات بقيمة 744.8 مليون جنيه مقابل 654.8 مليون للفترة نفسها من 2019، وتحقيق صافى أرباح بقيمة 32.1 مليون مقارنة مع أرباح قدرها 28.8 مليون.
«الوادى للاستثمار السياحي» تتعاقد مع «الصحة» لاستغلال فندقها بالهرم كمنطقة حظر
وأكد عادل مراد مدير علاقات المستثمرين بشركة الوادى للاستثمار السياحى أن شركته حولت فندقها المملوك لها فى حى الهرم إلى حجر صحى للراغبين ممن لم تتأكد إصابتهم بفيروس كورونا بالاتفاق مع وزارتى الصحة والسياحة وهى آلية ستعمل على تخفيض التكاليف.
وأشار إلى أنه ليس من مبدأ الشركة تسريح العمالة لكن من الوارد تأخير المرتبات بمعنى إعطاء المرتب منتصف الشهر وفيما يتعلق بالحوافز أو الـ 12% الأخرى يحصل عليها الموظف مع نهاية الشهر لحين تدبير السيولة.
حسين: الأزمة تفرض زيادة تطبيق مبادئ الحوكمة حتى لا يتعرض الموظف لأهواء شخصية
وقال تامر حسين المحلل المالى بشركة «ميداف» القابضة للاستثمار إن أزمة «كورونا» فرضت على الكيانات المختلفة تعزيز تطبيق مبدأ الحوكمة للفصل بين الملكية والإدارة والموظفين بحيث يكون كل طرف على دراية محددة بمهامه ووظائفه حتى لا يحدث تسريح للعمالة فى وقت مفاجئ وفقاً للأهواء خاصة فيما يتعلق بالكيانات العائلية أو ما تسمى بشركات الأفراد.
وأشار إلى أنه يجب على إدارات الشركات النظر إلى عملياتها وإجراءاتها من منظور جديد تماما، وعلى رأس ذلك تكوين فريق لإدارة الأزمات والذى بدوره عليه وضع عدة سيناريوهات للحفاظ على العمل واستمرارية تشغيله بكفاءة، علاوة على تأمين البيانات التى تعتبر من أهم أصول الشركات.
ولفت إلى أن المرتبات والمصاريف العمومية والإدارية وبعض التكاليف غير التشغيلية مثل الأنشطة التى تتعلق بالإدارة العليا والسفر والهدايا كلها يمكن الترشيد بها، بالإضافة إلى وضع قواعد لحماية العلامة التجارية والاحتفاظ بالعملاء مع تقليل وقت التوقف عن العمل، وهو ما سيساعد على تقليل خسائر الشركات فى وقت الأزمات.
وأكد أن دعم الإيرادات أفضل من خفض التكاليف فى هذه الظروف من خلال إعطاء الفرصة للعميل للاختيار من أكثر من آلية للمنتج الواحد وتقديم خصومات للمشتريات الكبيرة.
وشدد حسين على ضرورة قيام الإدارة بجهود فعالة للتواصل الواضح مع الموظفين كما أن هذا هو الوقت المناسب للتعامل المرن مع تدفقات العمل وتكييف العمليات والإجراءات مع الحلول المتاحة.
وقال إن المؤسسات عليها أن تكون واقعية فى توقّع آثار الموقف على أعمالها وموظفيها وعلى سلاسل التوريد، فهذا هو السبيل الوحيد لتتمكن من الاستعداد بشكل أفضل للتغيرات المحتومة فى السوق عندما يعود الوضع تدريجيا إلى طبيعته بعد السيطرة على الوباء.
وأشار إلى أن «ميداف» على سبيل المثال نجحت فى التعامل مع الأزمة بشكل مبكر ففى البداية تم تدشين فريق إدارة للأزمة والنظر فى الموقف مما ترتب عليه ظهور أكثر من حل منها تقليل مصاريف الانتقال والترفيه وكذلك التسويق.
ولفت إلى أنه بداية من الشهر الثانى للأزمة تم تفعيل فكرة الدورات التدريبية، مشيراً إلى أنه من خلال التدريب يتم الحصول على «traffic» للموقع الإلكترونى الخاص بالشركة وبالتالى أصبح الموقع يدر عائدا ومن خلاله تم تحسين وتطوير فريق العمل داخل المجموعة مع الاستبعاد التام لفكرة تسريح العمالة.
«ثمار»: تملك المقرات والتخلص من التأجير يقلل الالتزامات الثابتة والاستثمار فى أدوات جديدة
وقال عادل عبدالفتاح رئيس مجلس إدارة شركة «ثمار» لتداول الأوراق المالية إنها لم تتطرق إلى تخفيض العمالة، مشيراً إلى أنه من ضمن الحلول على سبيل المثال لمواجهة التكاليف تبديل مقرات والاتجاه إلى تملك أخرى لتقليل التكاليف الثابتة والاستثمار فى أدوات ثابتة.
ولفت إلى أن «ثمار» من الشركات ذات الملاءة المالية القوية ويمكن أن تتضرر الأرباح التشغيلة بعض الشيئ لكن هناك أدوات أخرى للتعويض مثل الاستثمار فى بعض الأدوات كأذون الخزانة وودائع بنكية تغطى الفترات الصعبة للحفاظ على الهيكل الأساسى للشركة (الموظفون).
وأشار إلى أن رأس مال الشركة يعد من أكبر رءوس أموال شركات السمسرة فى السوق المحلية وهذا يعطى قوة فى مواجهة الصدمات ومنها كورونا.
فاروق: طريقة التعامل تختلف من قطاع إلى آخر والاستثمار الخاص بدأ الترشيد قبل الفيروس
وقال عمرو فاروق رئيس مجلس إدارة شركة «تايكون» القابضة للاستثمار إن القطاعات المالية والأغذية والصحة لم تتأثر بجائحة كورونا، وتختلف آلية التعامل مع التكاليف بحسب طبيعة كل قطاع، فالسمسرة مثلاً يمكنها تقليل التكاليف التشغيلية للإنترنت فى الفترات التى ينخفض فيها العمل.
وأشار إلى أن القطاع الخاص كان يعمل بشكل مستمر على ترشيد التكاليف قبل الأزمة الحالية وخاصة بعد إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وحتى إضافة أنشطة جديدة لن تجد قوى شرائية كبيرة فى الوقت الحالى وبالتالى هى معادلة أصبح تحقيقها صعبا.
ولفت إلى أن التخلى عن العمالة وقت الأزمات لا يعطى الأمان للمكان أو استقطابهم بمبالغ أكبر، مشيراً إلى أنه خلال الأزمات السابقة التى تعرض لها الاقتصاد المحلى وعصفت بسوق المال لم يتم الاستغناء عن العمالة مطلقاً وبالتالى عندما مع عودة ازدهار السوق كان للشركة ذخيرة من البشر أهلتها إلى التقدم لقائمة العشرين الكبار.
وترى محللة مالية بالقطاع الاستهلاكى فى أحد بنوك الاستثمار الكبرى أن التكاليف عبارة عن مواد خام وتكون فى حدود ما بين 50 إلى %60 من التكلفة، بالإضافة إلى مصاريف ثابتة عبارة عن العمالة والفوائد التمويلية ومصاريف الطاقة من غاز وكهرباء.
وأوضحت أن بعض الشركات تعاملت مع الأزمة مبكرا وتمكنت من زيادة إنتاجها مع بوادر الفيروس مما أهلها لتحقيق طلب على المنتج فى أثناء الأزمة وعلى رأسها بعض القطاعات الغذائية والدوائية بينما تأثرت المنتجات الكمالية مع اتجاه المواطنين إلى الترشيد فى الاستهلاك وهو اتجاه عالمي، ويمثل أحد الحلول.
ولفتت إلى أن الشركات الكبرى تمكنت من مساندة العامل خلال هذه الفترة لأن لديها القدرة والملاءة المالية لكن الأزمة تفاقمت فى الكيانات الصغيرة والمتوسطة التى اضطر فيها صاحب العمل إلى ضخ سيولة من موارده الذاتية لتشغيل العملية الإنتاجية.
وأشارت إلى أن الشركات يمكنها التخلى عن المقرات الإدارية الضخمة والاكتفاء فى ظل هذه الظروف.
وقال هيثم يسرى مدير الاستثمار بشركة «سوليدير» لتداول الأوراق المالية إن بعض الشركات الكبرى بدأت تتخلص من المقرات الإدارية والتخلى عن تعظيم عمليات التسويق أو تبرعات مبالغ فيها إلى جهات غير ضرورية، وهى جميعها بنود لن يتم ذكرها بنفس الأرقام الضخمة مستقبلاً باعتبارها مصاريف نثرية.
ولفت إلى أن إعادة العمالة بعد انتهاء الأزمة أمر مكلف بشكل كبير وهى وجهة نظر تبناها العديد من رجال الأعمال فضلوا الاحتفاظ بموظفيهم مع توقعاتهم بمعدلات نمو بعد انتهاء أزمة كورونا.