الشرق الأوسط بين قرنين أيديولوجيين

الشرق الأوسط بين قرنين أيديولوجيين
شريف عطية

شريف عطية

7:42 ص, الأحد, 8 أغسطس 21

إزاء‪ ‬الأنظمة‪ ‬الدولية‪ ‬فى‪ ‬تتابعها‪ ‬الزمنى‪ ‬المثير‪ ‬عبر‪ ‬قرون-‪ ‬دون‪ ‬فروق‪ ‬كبيرة‪ ‬سياسية-‪ ‬إذ‪ ‬يتميز‪ ‬عنهم القرنان‪ ‬الأخيران‪ ‬باختلاف‪ ‬أيديولوجى‪..‬ أضاف‪ ‬إلى‪ ‬الصراع‪ ‬السياسى‪ ‬والعسكرى‪ ‬بينهما‪ ‬البعد‪ ‬الاقتصادى‪..‬ قبل‪ ‬أن‪ ‬تتنافس‪ ‬القوى‪ ‬الكبرى‪ ‬مؤخرًا‪ ‬حول‪ ‬القيم‪ ‬الديمقراطية‪ ‬والاجتماعية والثقافية،‪ ‬فى إطار غلبة أرباب الحروب التى وجهت مسار الإنسانية، إذ‪ ‬استهلّ‪ ‬القرن‪ ‬العشرين مسيرته‪ ‬باندلاع‪ ‬الثورة‪ ‬البلشفية‪ ‬فى‪ ‬روسيا ‪ 1917‬لينشأ‪ ‬بينها‪ ‬وبين‪ ‬الغرب، وبموازاة سقوط دولة الخلافة العثمانية،‪ ‬عداءٌ‪ ‬أيديولوجي‪ ‬استمر‪ ‬لعقود كانت السطوة العظمى خلالها لصوت قيادات الحرب العالمية الثانية، من حيث طليعة العلاقة التصارعية بين الشرق والغرب، والإسلام والمسيحية، إلى آخر قضايا إصلاحية كانت محل جدل دولى حتى مطلع القرن التالى، إلى‪ ‬أن انتهت‪ ‬الحرب‪ ‬الباردة‪ ‬عشيّة‪ ‬التسيعينيات،‪ ‬حيث‪ ‬حرص‪ ‬الغرب‪ ‬خلالها‪ ‬على‪ ‬استخدام‪ ‬شوكة‪ ‬منظمات‪ ‬الإسلام‪ ‬السياسي‪ ‬لمحاربة‪ ‬الشيوعية‪ ‬فى‪ ‬الشرق‪ ‬الأوسط،‪ ‬ما‪ ‬أنشأ‪ ‬على‪ ‬هامشها‪ ‬أحزابًا‪ ‬مضادة،‪ ‬كالبعث‪ ‬والحزب‪ ‬الشيوعى،‪ ‬إلى‪ ‬حركة‪ ‬القوميين‪ ‬العرب‪ ‬وحزب‪ ‬التحرير‪..‬ إلخ،‪ ‬لمواجهة‪ ‬جماعة‪ ‬الإخوان‪ ‬المسلمين،‪ ‬ومشتقاتها،‪ ‬بلا‪ ‬غالب‪ ‬أو‪ ‬مغلوب‪ ‬بينهم‪ ‬طوال‪ ‬القرن‪ ‬العشرين،‪ ‬بحيث‪ ‬ما‪ ‬كان‪ ‬منها‪ ‬فاعلًا‪ ‬فى‪ ‬القرن‪ ‬الماضي‪ ‬لم‪ ‬تعد‪ ‬فاعليته‪ ‬كذلك‪ ‬مع‪ ‬بدايات‪ ‬اهترائها‪ ‬مطلع‪ ‬القرن‪21 ‬.. من‪ ‬بعد‪ ‬ثبوت‪ ‬تجاوز‪ ‬حركة‪ ‬التاريخ‪ ‬أدبياتهم الأيديولوجية‪ ‬السياسية،‪ ‬خاصة‪ ‬فى‪ ‬الدول‪ ‬العربية،‪ ‬وليصبح‪ ‬عالم‪ ‬اليوم‪ ‬غير‪ ‬عالم‪ ‬الأمس‪.‬
على‪ ‬صعيد‪ ‬موازٍ‪ ‬أطلقت‪ ‬الولايات‪ ‬المتحدة‪ ‬زعيمة‪ ‬ما‪ ‬يسمى‪ ‬«العالم‪ ‬الحر»،‪ ‬وعلى‪ ‬لسان‪ ‬الرئيس‪ ‬«أيزنهاور» التحذير‪ ‬من‪ ‬مخاطر‪ ‬أهداف‪ ‬ما‪ ‬سمّاه‪ ‬«المجمع‪ ‬العسكرى‪ ‬الصناعى» التى‪ ‬تروِّج‪ ‬لانتشار‪ ‬الحروب، التي‪ ‬شارك بعضها، فى‪ ‬مختلف‪ ‬أرجاء‪ ‬العالم،‪ ‬لكن‪ ‬دون‪ ‬أن‪ ‬يلقى‪ ‬تحذيره‪ ‬آذانًا‪ ‬مصغية،‪ ‬إذ‪ ‬علت‪ ‬عليها‪ ‬أبعاد‪ ‬الصراع‪ ‬الأيديولوجى،‪ ‬ما‪ ‬دعا‪ ‬الرئيس‪ ‬«كارتر»- لاحقًا‪-‬ فى‪ ‬نهاية‪ ‬السبعينيات‪ ‬إلى‪ ‬الإقرار‪ ‬بأن‪ ‬«خوفنا‪ ‬الجامح‪ ‬من‪ ‬الشيوعية‪ ‬يدفع‪ ‬الولايات‪ ‬المتحدة‪ ‬إلى‪ ‬أن‪ ‬تتبنى‪-‬ على‪ ‬غرارها‪-‬ تأييد‪ ‬الأنظمة‪ ‬الديكتاتورية،‪ ‬وليسبقه‪ ‬»هنري‪ ‬كيسنجر« بنحو‪ ‬عشر‪ ‬سنوات‪ ‬بالقول عن‪ ‬استعداد‪ ‬بلاده‪ ‬القبول‪ ‬بـ«شرق‪ ‬أوسط‪ ‬قلِق‪ ‬ومتوتر‪ ‬لفترة‪ ‬طويلة»،‪ ‬ما‪ ‬يعني‪ ‬«بالضد» امتلاكها‪ ‬معظم‪ ‬أوراق‪ ‬تسوية‪ ‬أزمة‪ ‬الشرق‪ ‬الأوسط،‪ ‬ومن‪ ‬ثم‪ ‬العمل على‪ ‬امتداد‪ ‬سنوات‪ ‬التصدي‪ ‬فى‪ ‬ربوعها‪ ‬من‪1967 ‬ إلى 1973، قبل‪ ‬أن‪ ‬يقر‪ ‬الرئيس‪ ‬«السادات» بصحة‪ ‬ذلك‪ ‬حين‪ ‬فضّ‪ ‬«معاهدة‪ ‬الصداقة‪ ‬والتعاون»‪ ‬مع‪ ‬الاتحاد‪ ‬السوفيتى ‪ 1975‬ما‪ ‬ألقى‪ ‬زخمًا‪ ‬إضافيًّا فى‪ ‬اتجاه‪ ‬أهم‪ ‬توصيات‪ ‬«اللجنة‪ ‬الثلاثية» المشكَّلة آنئذ‪ ‬من‪ ‬دول‪ ‬شمال‪ ‬أميركا‪-‬ غرب‪ ‬أوروبا‪-‬ واليابان،‪ ‬لمحاصرة‪ ‬الاتحاد‪ ‬السوفيتي‪ ‬والشيوعية‪ ‬الدولية‪ ‬خلال‪ ‬الثمانينيات‪ ‬أو‪ ‬القضاء‪ ‬عليهما‪ ‬نهائيًّا،‪ ‬ما‪ ‬نقل‪ ‬النظام‪ ‬الدولى بعدئذ‪ ‬من‪ ‬«ثنائيته‪ ‬القطبية» عقب‪ ‬الحرب‪ ‬العالمية‪ ‬الثانية‪ ‬إلى «الأحادية‪ ‬الأميركية‪ ‬مطلع‪ ‬التسعيينيات‪..‬ التى‪ ‬صبغت‪ ‬منذ‪ ‬ذلك‪ ‬التاريخ‪..‬ بمفردها‪ ‬تطورات‪ ‬الأحداث‪ ‬الدولية‪ ‬بلا‪ ‬منازع،‪ ‬لكن‪ ‬دون‪ ‬تحقيق‪ ‬نجاحات‪ ‬ملموسة،‪ ‬إلى‪ ‬أن‪ ‬تمكنت‪ ‬روسيا‪ ‬«المنفتحة‪ ‬غير‪ ‬الأيديولوجية» من‪ ‬استعادة‪ ‬زمام‪ ‬أمورها‪ ‬نحو‪ ‬التطلع‪ ‬مجددًا‪ ‬إلى‪ ‬مصافّ‪ ‬الدول‪ ‬الكبرى،‪ ‬خاصة‪ ‬من‪ ‬بعد‪ ‬أن‪ ‬أصبحت‪ ‬فى‪ 2015 ‬حقيقة‪ ‬سياسية‪ ‬وعسكرية‪ ‬فى‪ ‬الشرق‪ ‬الأوسط،‪ ‬ذلك‪ ‬عبر‪ ‬نهج‪ ‬سياسي‪ ‬ليس‪ ‬غير‪ ‬براجماتى بالمطلق‪..‬ يرتبط‪ ‬بعلاقات‪ ‬مع‪ ‬معظم‪ ‬أطراف‪ ‬المنطقة‪ ‬حتى‪ ‬مع‪ ‬البلاد‪ ‬التى‪ ‬بينها‪ ‬وبين‪ ‬البعض‪ ‬الآخر‪ ‬حالات‪ ‬من‪ ‬العداء،‪ ‬ذلك‪ ‬فيما‪ ‬يتوازى‪ ‬معها‪ ‬منذ‪ ‬العام‪ 2021 ‬تأثير‪ ‬الجناح‪ ‬اليساري‪ ‬للحزب‪ ‬الديمقراطي‪ ‬على‪ ‬إدارة «بايدن».. التى‪ ‬تقرّ‪ ‬مع‪ ‬انتقادها‪ ‬لإسرائيل،‪ ‬لأسبابها،‪ ‬من‪ ‬ناحية،‪ ‬إلى‪ ‬إطلاق‪ ‬تساؤلات‪ ‬حول‪ ‬مسائل‪ ‬حقوق‪ ‬الإنسان‪ ‬فى‪ ‬مصر‪ ‬والعالم‪ ‬العربى‪ ‬من‪ ‬ناحية‪ ‬أخرى،‪ ‬لولا‪ ‬ما‪ ‬قد‪ ‬يُذكَر‪ ‬فى‪ ‬هذا‪ ‬الصدد‪ ‬للقاهرة‪ ‬عن‪ ‬دورها‪ ‬الحيوي‪ ‬فى‪ ‬الاستقرار‪ ‬الإقليمى‪(..)‬ ،‪‬ لربما‪ ‬تكون‪ ‬معه‪ ‬عندئذ‪ ‬اختبارًا‪ ‬بارزًا فى‪ ‬ذلك‪ ‬الأمر‪ ‬الذى‪ ‬يتصل‪ ‬مباشرة‪ ‬بشرعية‪ ‬النظام‪ ‬العالمى فى‪ ‬القرن‪ 21 ‬الذى‪ ‬تتبدى‪ ‬بعثرته‪ ‬على‪ ‬الصُّعُد‪ ‬كافة‪..‬ إلى‪ ‬أن تصير‪ ‬مصر‪ ‬التى‪ ‬وُلدت‪ ‬أفريقية، وتبقى كذلك،‪ ‬محل‪ ‬الاختبار،‪ ‬خاصة‪ ‬مع‪ ‬تراجع‪ ‬الاعتقاد‪ ‬بتفرد‪ ‬حضور‪ ‬القوة‪ ‬الأعظم‪ ‬(الأميركية) فى‪ ‬كل‪ ‬ركن‪ ‬من‪ ‬أركان‪ ‬العالم،‪ ‬كما‪ ‬هو‪ ‬المعتاد‪ ‬عنها خلال القرن‪ ‬الماضى،‪ ‬إذ‪ ‬ربما‪ ‬تغتنم‪ ‬الصين‪ ‬وروسيا‪ ‬(مع‪ ‬الهند) هذه‪ ‬الفرصة‪ ‬لبدء‪ ‬وضع‪ ‬قواعد‪ ‬جديدة‪ ‬لإجراءات‪ ‬تتوافق‪ ‬ورؤية‪ ‬كل‪ ‬منهم‪ ‬للحوكمة‪ ‬العالمية‪ ‬الجديدة،‪ ‬المُوشكة‪ ‬على‪ ‬التشكل‪ ‬إلى‪ ‬ما‪ ‬هو‪ ‬أبعد‪ ‬من‪ ‬النظام‪ ‬الذي‪ ‬تقدمه‪ ‬الولايات‪ ‬المتحدة‪ ‬الأميركية،‪ ‬ولصالح‪ ‬نظام‪ ‬عالمي‪ ‬جديد،‪ ‬خاصة‪ ‬من‪ ‬بعد‪ ‬أن‪ ‬أدرك‪ ‬الجميع‪ ‬عدم‪ ‬وجود‪ ‬دولة‪ ‬قوية‪ ‬بما‪ ‬يكفي‪ ‬وحدها‪ ‬لتقديم‪ ‬نموذج‪ ‬للقيادة‪ ‬وقت‪ ‬الأزمات‪ ‬على‪ ‬المستوى‪ ‬الحالي‪ ‬العالمى الذى‪ ‬صارت‪ ‬شرعيته‪ ‬محك‪ ‬الاختبار‪ ‬لما‪ ‬بعد‪ ‬بروز‪ ‬المحور‪ ‬الجيوإستراتيجي‪ ‬التالي‪ ‬لحقبة‪ ‬الحرب‪ ‬الباردة‪ ‬فى‪ ‬القرن‪ ‬العشرين‪ ‬الذى‪ ‬يتحول‪ ‬تدريجيًّا‪ ‬من‪ ‬الغرب‪ ‬وأوروبا‪ ‬إلى‪ ‬آسيا،‪ ‬وبالتحديد‪ ‬صوب‪ ‬المحيطين‪ ‬الهندى‪ ‬والهادى ‪ Asian pivot‬،‪ ‬حيث‪ ‬يعلو‪ ‬القوس‪ ‬العظيم‪ ‬فوق‪ ‬الدول‪ ‬من‪ ‬شرق‪ ‬آسيا‪ ‬إلى‪ ‬غرب‪ ‬منطقة‪ ‬الشرق‪ ‬الأوسط‪ ‬التى‪ ‬تقع‪ ‬مجددًا‪ ‬بين‪ ‬صراعات‪ ‬قرنين‪ ‬أيديولوجيين، رسمت الولايات المتحدة معالمها فى القرن العشرين، وحيث من غير المعلوم قدرة الحكومات الوطنية الشرق أوسطية على التشكل من عدمه نحو تحالفات غير مألوفة تحمى شعوبها من صراعات أيديولوجية فى القرن الواحد والعشرين.