أواصل عرضى لنقاش دار بين أكاديمى غربى ولفيف من أساتذة العلاقات الدولية المصريين البارزين حول تطور ومستقبل العلاقات الدولية ودور كل من الغرب والجنوب فى رسم ملامح العالم الجديد.
ملخص كلام الأستاذ الغربى أن الدول الغربية أسست لنظام دولى قائم على القواعد والمبادئ التى توافقت عليها تلك الدول فى صلح وستفاليا – الذى أنهى حرب الثلاثين سنة فى النصف الأول من القرن السابع عشر، وهى الالتزام باحترام الحدود الدولية وسيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية والمساواة القانونية بينها، ويبدو أن الأستاذ يعتقد أن هذا النظام فشل فى الحفاظ على السلام الدولى وأن عمره الافتراضى انتهى وأننا نشاهد ميلاد نظام دولى مختلف أو على الأقل تطويرا للنظام القديم ستلعب فيه الصين ودول الجنوب دورا محوريا وإيجابيا٬ سيقلل من العسكرة أو على الأقل من اللجوء إلى القوة الخشنة، وسيعمم أساليب وأنماطاً جديدة للتفاعل والتعامل٬ وسيضمن قدرا كبيرا من الأمن الإنسانى.
أشرح على عجالة النقطة الأخيرة٬ فرضت عمليات الإبادة التى شهدها القرن العشرين أسئلة حول جدوى مبدأ احترام السيادة وعدم التدخل فى شئون الدول٬ هل يمكن التدخل لمنع نظام حكم من قتل قطاعات من المحكومين؟ وذهبت مقولات إلى أن القمع فى تلك الدول المستبدة والفقر أسباب التطرف والإرهاب الذى يهدد الكل وأن هذا مبرر كاف للتدخل، وأن وجود قطاعات فقيرة مهمشة يهدد استقرار كل الدول لأنه يدفع الناس إلى الهجرة والجريمة المنظمة والإرهاب، وأن أمن كل إنسان لا يقل أهمية عن أمن الدولة.
أبرز أحد الزملاء الأعزاء المشكلة فى تحليل الأستاذ الغربى، وأضيف بعض الملاحظات٬ أولاً لا نعرف على وجه التحديد لو كان نظام وستفاليا سبب حروب القرن العشرين لأنه يرفض مبدأ وجود حكومة دولية فوق الدول تتدخل فى شئونها دون مراعاة لسيادتها، أم هل لعب هذا النظام دورا هاما فى الحد من الحروب لقرون عديدة وأن عدم الالتزام بمبادئه هو سبب الكوارث.
وثانيا.. كانت مشكلة الجنوب مع مبادئ نظام وستفاليا أنها كانت تنطبق فقط على أوروبا المسيحية التى كانت تسمح لنفسها بالتدخل فى شئون باقى العالم٬ أى أن مطلب دول الجنوب الرئيس هو تعميم مبادئ وستفاليا على الجميع بالتساوى، ولم يطلب أبدا التخلص منها.. فأغلبه يواجه مخاطر انهيار الدولة ويرى فى الدعاوى إلى التدخل باسم حماية الضعفاء بدعة غربية جديدة تشرع التدخل وتعيد تسويق هطل «رسالة الرجل الأبيض»، مطالب التخلص من وستفاليا وبالتمسك بنظريات الأمن الإنسانى غربية بالأساس.. قد تصبح أيضا مطلبا للدول الساعية إلى بناء مشروع إمبراطورى… ولكن الصين حريصة تمام الحرص على تقديم نفسها كقوة تحترم سيادة الدول ولا تتدخل فى شئونها وتعتبر تلك النقطة قضية أمن قومى حتى لا تسمح لأى جهة بالتدخل فى قضية التبت.
ويجب التحذير من التصور الذى يرى فى أى دولة مصدر خطر على مواطنيها٬ فهذا صحيح أحيانا ولكن العكس هو الأصل.
يبقى أن أقول إننى لمت نفسى لأننى لم أسأل الأستاذ الغربى… فى الملف السورى ومهما تدعون كان موقف مصر ملماً بمقتضيات الأمن الإنسانى أكثر منكم٬ وكان همها الأول النابع من قراءة دقيقة للموقف هو ضرورة وقف المعارك والمجازر. بينما دفعت سياسة الشعارات التى انتهجها الكثيرون إلى السعى بكل الوسائل إلى إسقاط نظام الأسد مهما كلف هذا. قلتم إن سجله على مستوى الأمن الإنسانى يحتم إسقاطه٬ وقلنا إن الدم السورى هام لنا وغال وأن توصياتكم تؤدى إلى قتل ودمار حتى لو نجحت.. من كان على حق بالله عليكم؟
- أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية