بقلم : د.توفيق اكليمندوس *
ليس من الضرورى أن يكون المرء من مؤيدى الرئيس السادات ليعترف أن بصيرته كانت ثاقبة فيما يتعلق بتقييم علاقات القوة بصفة عامة وفيما يخص مستقبل الاتحاد السوفييتى بصفة خاصة. قال مرات لمن تحاور معه أن الاتحاد لن يصمد طويلا فى السباق على سيادة العالم٬ وأنه بمثابة كرة «مخرومة». على العموم كان قادة الأنظمة التقدمية العربية يعرفون أن الغرب يبالغ جدا فى تقدير قوة الاتحاد السوفييتى، ويعرفون هذا لأنهم كانوا يتعاملون يوميا مع الاتحاد السوفييتى ويدركون نقاط ضعفه، ولكن السادات هو الوحيد فيما يبدو الذى فهم أن ترك القارب على وجه السرعة ضرورة أمن قومى. نستطيع طبعا أن ننتقد الأساليب ونوعية الخطاب الذين صاحبوا هذا القرار ولكنه كان صائبا وسمح لمصر بانتزاع ثمن معقول مقابل التقارب مع الولايات المتحدة. يعتقد الكثيرون أن السادات كان يستطيع الحصول على شروط أفضل ولكن هذا على فرض صحته يؤكد رأيى ولا يخالفه.
ولا أعلم إن تناولت دراسة جادة نتائج انهيار الدولة الليبية بالنسبة لاقتصاديات دول راهنت بقوة على الاستثمار فى ليبيا أو على التواجد فيها. منها تركيا وروسيا ومصر. القصد أصبح مصير الدول واستقرارها متغير يجب إدخاله فى الحساب عند الدخول فى تحالف أو عند التعامل معها. وهذا صحيح دائما٬ ولكنه ضرورة قصوى بالنسبة لدول مواردها محدودة مثل مصر. والمشكلة أن حساب المخاطر عملية مستحيلة مهما بلغت مهارة الجهات العلمية والسياسية وقدراتها.
نشير هنا إلى بعض الصعوبات… من ناحية علينا تقييم موضوعى للوضع الحالى فى دولة ما… وهذه أصلا صعبة٬ حتى لو توافرت كل البيانات٬ ثم علينا تقييم انطباعات الفاعلين المهمين والمعنيين لهذا الوضع موضوع الدراسة وتأثيرها. قد يكون الوضع مثلا فى دولة ما جيدا أو معقولا… ولكن الرأى العام العالمى يرى عكس هذا لأسباب أو أخرى… مثلا من المعروف أن مصر والسعودية تعانيان من هذه المشكلة… والسؤال هو… هل هذا التصور السلبى يدفع إلى التخلى عن الدولة إياها أم يحث على مساعدتها؟ هناك تنبؤات تتسبب فى حدوث ما حذرت منه (لو قلنا كذبا أن هذا البنك مفلس لسحب عملائه ودائعهم وسيفلس البنك) وأخرى تتسبب فى عدم حدوث ما حذرت منه.
ومشكلة أخرى أنه لا توجد علاقة مؤكدة بين توافر عوامل سقوط دولة أو حدوث ثورة وبين السقوط الفعلى أو نشوب الثورة. فمن ناحية يجب توافر الرغبة فى والقدرة على العمل الجماعى الكثيف والممتد٬ ومن ناحية أخرى يجب أن يؤمن عدد كاف من الناس أن هناك بديلاً أو أن المجهول أحسن من الوضع القائم٬ ونشير إلى أن تحديد ما هو مقبول وما هو مرفوض يختلف من مجتمع إلى آخر ومن حقبة إلى أخرى…وهذه حقيقة يتجاهلها كثيرا الإعلام العالمى. ومن ناحية ثالثة شاهد التاريخ أمثلة كثيرة لشعوب تحملت الصعاب عن طيب خاطر ثم ثارت بعد تحسن كبير للأوضاع لأسباب قد تكون تافهة.
صعوبة ثالثة… سادت فى معتقدات الرأى العام العالمى والأوساط السياسية المحلية والدولية قناعة مفادها أن الأنظمة الديمقراطية مستقرة٬ مهما بلغت حدة الاضطرابات الداخلية٬ وأنها لا تواجه أبدا أزمة شرعية٬ وأن الأنظمة السلطوية غير مستقرة إلى أن يثبت العكس٬ وفى بعض الأحوال يقول بعض ليس بالقليل أن الأنظمة السلطوية لا تتمتع أبداً لا باستقرار ولا بشرعية. يعلم طبعا فريق لا يستهان به من علماء السياسة أن هذا التقييم ليس صائبا ولكنه لم ينجح فى التأثير على الرأى العام.
وأضيف من عندى أن الأحكام على استقرار الديمقراطية تحتاج إلى مراجعة كاملة… يتبع
- أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية