تتمتع مصر بإمكانيات هائلة من طقس معتدل ومناظر وثروات طبيعية، فضلا عن وجود مئات المواقع التى تصلح للسياحة الصحية والعلاجية، ومنها المياه الكبريتية والرمال الاستشفائية، إلا أن هناك حالة من عزوف المستثمرين عن الدخول فى هذا النوع من المشروعات نظرا لغياب التشريعات المنظمة، والمعايير التى يجب اتباعها، مما اضطر الدولة إلى التحرك مؤخرا واتخاذ خطوات جدية.
وبحسب التقارير الصادرة من وزارة الصحة تمتلك مصر أكثر من 1340 موقعًا يصلح للسياحة العلاجية بجميع أهدافها، فهناك مواقع تصلح للشفاء من الأمراض الصدرية وأخرى للأمراض الجلدية وأمراض العظام وأمراض الجهاز الهضمى والنقاهة.
وأكد عدد من الخبراء والمعنيين فى مجال السياحة الصحية، أن الدولة بدأت تتجه للسياحة العلاجية بعد أن حققت الدول الأخرى نجاحاً وتقدماً ملموساً فى هذا المجال رغم محدودية عوامل الجذب لديها مقارنة بمصر، إضافة إلى أن الدولة بصدد إصدار قانون جار مناقشته فى مجلس النواب، لتنشيط السياحة العلاجية، تحت مظلة «الهيئة المصرية للسياحة الصحية»، التى سيتم تأسيسها فور صدور القانون ومن المتوقع أن تتبع رئاسة الجمهورية.
عمرو يسرى : مجلس النواب بصدد إصدار قانون خاص بتنظيمها
بداية قال النائب عمرو يسرى، إن مصر بصدد إصدار قانون خاص بتنظيم السياحة العلاجية، وربطها بالتطوير العقارى، لإنشاء الهيئة «المصرية للسياحة الصحية»، ووضع معايير للاسترشاد بها من قبل المطورين العقاريين والمنتجعات العلاجية والعيادات والمستشفيات وغيرها، من المنشآت الصحية والعلاجية التى تنشأ خصيصا لهذا الشأن.
وأضاف أنه تم اختيار اسم «الهيئة المصرية للسياحة الصحية» لأنها أعم وأشمل من السياحة العلاجية، وسوف تضم كلا من «السياحة العلاجية والاستشفائية والخاصة بكبار السن وذوى الاحتياجات».
وأشار إلى أن السياحة العلاجية لها معايير خاصة فى المستشفيات على عكس العيادات التى تختلف فيها المعايير من عيادة إلى أخرى، وهذا ما يؤثر سلبا على السياحة العلاجية فى مصر، لذلك يتم العمل على توحيد هذه المعايير تحت مظلة الهيئة الجديدة.
وأكد أهمية دور المطور العقارى فى السياحة الصحية، رغم أنه ليس الأساس الذى يمكن البناء عليه، قائلا: تكمن أهمية المطور فى علميات الإنشاء والتشييد فيما يخص المدن الصحية أو العلاجية التى سيتم إنشاؤها، والتزامه بالمواصفات المطلوبة التى تم وضعها من قبل.
وتابع إنه على سبيل المثال إذا تحدثنا عن المنتجع الصحى، فمعاييره تتضمن أن يكون قريبا من المصادر الطبيعية اللازمة للعلاج مثل الرمال والهواء والمياه، إضافة إلىأماكن الأعشاب التى تستخلص منها بعض المستحضرات اللازمة للعلاج”.
وأشار إلى أن هناك أماكن مهمة مثل ينابيع المياه والأنهار خاصة المياه الكبريتية، التى تتماشى مع النمط الاستشفائى، والتى تدخل ضمن معايير المنتجع الصحى، وطبقا لنوعية الأمراض والمرضى، التى من خلالها يتم الاستعانة بالمطور العقارى فى اختيار مواد فى البناء والتشييد والتى تتلاءم مع طبيعة المنتج.
وأفاد بأن الهيئة ستتولى الدرسات اللازمة لإنشاء المنتجعات الصحية والمستشفيات والعيادات التى يتم تحويل المرضى إليها، واختيار وتحديد الأماكن، على سبيل المثال مركز مجدى يعقوب للقلب، تم اختيار المكان بعناية بما يتناسب مع طبيعة المرضى والعمليات التى تتم هناك، خاصة أن مريض القلب يحتاج إلى فترة نقاهة ومتابعة دورية مع الطبيب المعالج.
وفيما يخص قانون “الهيئة المصرية للسياحة الصحية” أكد أنه يبحث مع اللجان المختصة بمجلس النواب، حتى يمكن إدخال مشروع القانون فى دور الانعقاد الحالى، ليتم الموافقة عليه فى الجلسة العامة وقبل انتهاء فترة البرلمان الحالى، لأنه لا يعلم، ماذا سيحدث بمشروع القانون إذا تم تأجيله.
وأوضح أن مشروع القانون المقترح ينص على أن تكون الهيئة تابعة لرئيس الجمهورية، وتمثل فى مجلس الأمناء جميع الوزارات، وتتضمن مجلساً تنفيذياً رئيسه بدرجة وزير.
ونوه بأن هناك دولا متميزة فى مشروعات السياحة الصحية والعلاجية، لأن بها مقوم أو إثنين، استطاعت استغلاهما بشكل جيد بينما مصر لديها جميع المقومات والعناصر، التى تجعلها رائدة فى هذا المجال، وذلك بشهادة شخصيات من دول مختلفة لديهم تجارب فى هذه المشروعات.
وذكر أن تونس حققت نجاحات فى هذا المجال لأنها استعانت بخبراء من الخارج، لتأهيل وتدريب الكوادر البشرية ووضع مخطط للأماكن والمناطق التى تصلح كمشروعات للسياحة الصحية والعلاجية.
وأكد أن مصر تحتاج إلى الاستعانة بالتجارب الناجحة والخبراء فى هذا المجال للتعلم والاستفادة.
وقال الدكتور أحمد سالم سودين رئيس الاتحاد العربى للاستثمار والتطوير العقارى، إن السياحة الصحية والعلاجية ظاهرة عالمية من المتوقع أن تتطور بشكل كبير خلال السنوات المقبلة، مما يشجع المستثمرين والمطورين العقاريين للمشاركة فيها.
وأوضح أن قطاع السياحة الصحية والعلاجية، يتميز بنوعية الخدمات والوظائف المقدّمة وجودة السياحة الطبية والتقنيات، إضافة إلى الأماكن المختارة أو التى تقام عليها المشروعات، حتى تكون عامل جذب فى الدرجة الأولى.
وتابع أن السائحين القادمين للاستشفاء يبحثون دائما عن الأسعار المنخفضة وباقات التأمين على الحياة وغيرها من الحوافز، التى يجب أن يلجأ إليها المستثمرون والقائمون على مثل هذه المشروعات لجذب أكبر عدد ممكن فى ظل سوق مفتوحة.
ولفت إلى أن الدولة يقع عليها جزء كبير فى دعم السياحة الصحية، خاصة فى عمليات الجذب وتشجيع السائحين، حيث يجب أن تكون هناك حوافز إضافية تقدمها خاصة فى مواعيد الحجز وتسهيل إجراءات السفر فى رحلات الذهاب والعودة وأيضا إصدار التأشيرات اللازمة فى أسرع وقت وبأقل مجهود وتكلفة، اضافة إلى تقديم العديد من الأنشطة الترفيهية الأخرى.
وأشار إلى أن مؤتمر التعاون العربى الأفريقى للسياحة والاستثمار، الذى عقد مؤخرًا فى القاهرة، أكد أهمية السياحة العلاجية ضمن الارتقاء بمنظومة البنية العربية وكيفية تسويق وتنشيط السياحة المصرية والعربية ووضعها على الخريطة العالمية.
وأشار إلى أن الاتحاد العربى للاستثمار والتطوير العقارى سيضع قطاع السياحة العلاجية ضمن اهتماماته وأنشطته فى المؤتمرات والمعارض المتخصصة، نظرًا لأهمية الاستثمار فى المشروعات السياحية ذات السمة العلاجية خصوصًا فى المناطق الطبيعية والسياحية الجميلة.
«الشرقيون» تنشئ منطقة استشفائية وطبية متكاملة فى مرسى علم
وقال آسر حمدى رئيس مجلس إدارة الشرقيون للتنمية العمرانية “ OMD” إن السياحة الصحية أعم وأشمل من العلاجية، لأنها تشمل جميع الأمراض، إضافة إلى علميات التخسيس وممارسة رياضة اليوجا، وغيرها من الرياضات التى تسهم فى تحسين الصحة العامة للإنسان.
وأكد أن العالم انطلق منذ أكثر من 4 سنوات نحو تشجيع الاستثمار فى السياحة الصحية، وتنفيذ عدد من المشروعات فى هذا المجال، وكانت البداية مع انطلاق أكبر معرضين فى العالم الأول “Itb”، والذى ينظم بألمانيا فى مارس كل عام، والثانى “ول ترافل ماركت”، يعقد فى شهر نوفمبر.
وأشار إلى أن مؤتمر “ITB” أسس جناحا للسياحة الصحية منذ 4 سنوات، بكفاءات وحضور مكثف لمتخصصين، خاصة فى عمليات القرنية، وتتجه أنظار كثير من العاملين فى هذا المجال نحو البحر الميت، لأن مياهه تتميز بتخفيف آلام الجسم وآلام العضلات وهى منتشرة فى تركيا وأوروبا.
ولفت إلى أنه رغم تمتع مصر بكل المميزات التى تمكنها من المنافسة فى هذا المجال بقوة، فإنها حتى الآن لاتزال خارج قطار السياحة الصحية.
ووصف إدارة الدولة والمستثمرين للسياحة العلاجية فى مصر، بأنها “عشوائية” لا تتناسب مع حجم وطبيعة المجال، مؤكدا أنها لا ترقى إلى مستوى التجارب التى نشهدها فى البلدان الأخرى، قائلا: “إن ما نشهده فى مصر تحت مسمى السياحة العلاجية، أشياء بسيطة مثل “الجاكوزى والمساج، وبعض الحالات الطفيفة، للعمود الفقري”.
وأوضح أن مصر تتمتع بطقس مميز عن أوروبا وتركيا الرائدة فى مشروعات السياحة الصحية، رغم أنه فى منتصف القرن العشرين كان “كابرتاج” حلوان مثالا يحتذى به فى السياحة العلاجية، وكان يقبل عليه أشخاص من أوروبا ومن دول العالم.
وتابع حمدى أن بعض المستثمرين كانوا يتجهون فى الماضى إلى هذا النوع من المشروعات ولكن فى مناطق محدودة ومن ضمن المشروعات التى كانت ناجحة فى هذا المجال “مينا ديل فى سفاجا”، فى سبعينات القرن الماضى، حينما استعانوا بأطباء وأطقم مدربة من رومانيا.
وأشار إلى أن اقتناع المطورين بفكرة السياحة الصحية، ستساهم كثيرا فى نجاح مثل هذه المشروعات، ولكن الأمر يتطلب التنسيق بين المستثمرين فى السياحة الصحية، وبين الدولة والمطورين العقاريين، لإعادة النظر فى التصميمات الخاصة لبناء الفنادق والمنتجعات التى تتناسب مع هذه المشروعات والتى يجب أن تتوافق مع طبيعة المنتجع الصحية، قائلا إن اتجاه البعض للسياحة العلاجية راجع إلى أنها مربحة وعائدها كبير.
وذكر أن هناك بعض المطورين والمستثمرين يتخوفون من الدخول فى هذا المجال، كونه يعتمد فى المقام الأول على جودة الخدمة، وأطقم العمل المؤهلة والمدربة على أعلى مستوى لأن الخطأ قد يودى بحياة إنسان ويسئ إلى سمعة دولة، لذلك هو قطاع حساس جدا.
وأكد أن المشروعات السياحية الصحية فى مصر سوف تنتشر خاصة فى المناطق التى تتناسب مع طبيعتها مثل العين السخنة، حيث من المتوقع أن إنشاء 4 مشروعات فى السياحة الصحية بها، وسفاجا التى من المخطط أن يتم تنفيذ مشروعين بها، إضافة إلى تنفيذ عشرات المشروعات فى مرسى علم وغيرها من المدن، مشددا على ضرورة التنسيق بين وزارتى السياحة والصحة واتحاد المطورين العقاريين.
وكشف عن إنشاء شركته مشروع كبير فى مرسى علم تحت اسم “أرينتال كول” لأنها من المناطق الواعدة، وتمت دراسة تنفيذ منتجع استشفاءى وجار دراسة إقامة منطقة سياحة صحية متكاملة.
وقال الدكتور أحمد حسن، رئيس مجلس إدارة شركة “ماريوت هيلز” إن مصر تمثل محطة انطلاق قوية للسياحة الصحية والعلاجية على اختلاف أقسامها، بدءا من السياحة التى تهتم بتوفير خدمات صحية واستشفائية تهم الباحثين عن مناخ ملائم وأجواء صحية، بالإضافة إلى التمتع بالمقومات المتوفرة فى مصر مثل ينابيع المياه الساخنة والمياه الكبريتية وأيضا المناخ الذى يساعد على استعادة الصحة النفسية والبدنية فى درجات حرارة معتدلة معظم أوقات العام.
وكشف عن قيام مجموعة شركات “ماريوت هيلز” المالكة لمشروع المدينة المستدامة بالاستثمار فى مجال السياحة الفندقية الصحية، كما تعمل حاليا على إنشاء أول منتجع سياحى صحى مخصص لاستقبال نزلاء لتقديم الرعاية الصحية الممتدة.
وأضاف أن شركة “هيليوس” للخدمات الطبية والفندقية، تقوم حاليا بإنشاء مدينة متخصصة للسياحة الصحية على مساحة 20 ألف متر تضم 40 جناحا فندقيا، ومركزا طبيا لتقديم أول خدمة طبية فندقية على الإطلاق فى مصر.
وأوضح أن المشروع سيضم 170 غرفة فندقية داخل المدينة لاستقبال النزلاء، مؤكدا أن المجموعة تسعى إلى استغلال شركاتها المتعددة فى أوروبا، لجذب النزلاء من الدول الإسكندنافية وتقديم الخدمة الطبية الفندقية وتنظيم برامج سياحة صحية للنزلاء فى مصر.
وأعلن أن رأس مال المشروع المبدئى يبلغ نحو 65 مليون جنيه، ومخطط أن يتم الانتهاء من الإنشاءات الخاصة به نهاية العام المقبل، قائلا إنه سيتم تشغيل المشروع بالتعاون مع شركات دنماركية وسويسرية، متخصصة فى إدارة المدن والفنادق الطبية.
وتابع أن المجموعة تعاقدت مع شركة دنماركية لإدارة المشروع، وتدريب كوادر لتكون قادرة على العمل فى تلك المنشآت.
وأكد ضرورة سرعة صدور التشريعات التى تتعلق بإنشاء المنشآت الفندقية والصحية، لوضع معايير تتناسب وتتوافق مع المعايير الدولية والأوروبية، إضافة إلى ضمان استغلال الموارد المتاحة، الاستغلال الأمثل.
ونوه بوجود قوانين تحدد طبيعة عمل هذه المنشآت ووضع المعايير الخاصة بها لتقديم خدمات طبية للنزلاء تسمى “patient hotel”، إضافة إلى استقبالها حالات غير مرضية لكنها تحتاج إلى رعاية متواصلة على مدار اليوم.
وأكد المهندس هشام المصرى، رئيس مجلس إدارة شركة جوجرين العقارية، أن مصر تمتلك كنوزا غير مستغلة خاصة فى مجال السياحة الصحية، تشمل الطقس المشمس والنقى طوال العام، ووجود عدة مناطق تتمتع بنسبة أوكسجين عالية.
وتابع أنه من ضمن هذه المناطق رأس سدر والسخنة، حيث الهواء النقى والجو المشمس والجاف ونسبة الأوكسجين العالية، إضافة إلى صحراء واحة سيوة.
ولفت إلى أن هذه المناطق من أنسب وأفضل الأماكن التى تصلح لإقامة مشروعات كبيرة فى مجال السياحة الصحية والعلاجية.
وقال إن العائد من السياحة العلاجية كبير لأنها لا تقتصر على المرضى فقط، بل والأصحاء أيضا الذين يحتاجون أو يبحثون عن جو نقى لتخفيف الإجهاد والتوتر، لافتا إلى أن مثل هذه المشروعات جاذبة ومشجعة، مشددا على ضرورة أن يكون هناك دور فعال للدولة من خلال توفير الأماكن المناسبة والمساهمة فى تشجيع ذلك المجال من السياحة.