السمعة السيئة !

السمعة السيئة !
حازم شريف

حازم شريف

10:55 ص, الأحد, 22 يونيو 03

اتسم اجتماع ضم عددا كبيرامن رجال الأعمال، جري مع نهاية الأسبوع الماضي، بقدر كبير من المصارحة، ظهرت جلية من خلال مناقشتهم لعدد من القضايا والمشكلات، التي تؤثر علي عمل القطاع الخاص في مصر .

ولعل من أهم الموضوعات التي تم تناولها خلال الاجتماع ـ علي الأقل من حيث قدرته علي إثارة حفيظة الحاضرين ـ مسألة السمعة السيئة التي باتت ملتصقة بكل من يحمل صفة رجل أعمال .

وفي ضوء المعلومات المتوافرة لدينا، فإن الموضوع قد تمت مناقشته في نفس الإطار النمطي المعتاد، وهو إطار تحكمه 3 عناصر رئيسية محددة سلفا :

1 ` ـ الإحساس بالغبن والظلم البين نتيجة مخالفة الصورة السيئة للواقع المشرق، وفي هذا السياق ذهب بعض الحاضرين لضرب الأمثلة وتقديم الإحصاءات عن تواضع نسبة المخالفين من رجال الأعمال والتجار مقارنة بعدد الشرفاء منهم .

2 ` ـ حصر أسباب المشكلة في توزيع الاتهامات، تارة تجاه الصحافة ووسائل الإعلام، وتارة تجاه الحكومة بأجهزتها المختلفة، ولا مانع من تكرار الاتهام للأفلام والمسلسلات الدرامية، لكونها ساهمت إلي حد كبير في تشويه صورة رجال الأعمال، من خلال إظهارهم دائما في هيئة عصابة من اللصوص، أو تصنيفهم دراميا ـ في أفضل الأحوال-  في خانة الأشرار .

3  ـ إعادة إنتاج نفس الحلول التقليدية للمشكلة، نعفي أنفسنا من الدخول في تفاصيلها، فيما عدا اقتراح تقدم به أحد الحاضرين، يقضي بضرورة تمويل أفلام ومسلسلات، تساعد علي رسم الصورة الحقيقية المشرقة لرجل الأعمال .

والواقع أنه ربما لا يوجد شيء يساعد علي ترسيخ وتجذير السمعة السيئة لرجال الأعمال ـ مع اعترافنا إلي حد كبير بعدم صحتها ـ بقدر ما يساعد علي ذلك هذا النمط السابق من التفكير سواء علي مستوي المضمون ـ وهو مهم ـ أو حتي علي مستوي الخطاب المستخدم ـ وربما يكون الأهم ـ .

فهو ينطوي علي مجموعة من الافتراضات الخاطئة والمغالطات علي مستوي المضمون .

أولها: أنه يفترض سلفا ـ وبما لا يدع مجالا للشك ـ أن فئة رجال الأعمال هي المتهم الوحيد في قفص السمعة السيئة، وهو أمر غير صحيح علي إطلاقه، ويكفي للتدليل علي ذلك متابعة ما تنشره الصحف والمجلات عن أصحاب باقي مهن وطوائف المجتمع الأخري، وما يقوله هؤلاء من أطباء ومهندسين ومحامين وغيرهم عن أنفسهم، ومطالبة كل فئة منهم بدورها بضرورة تصحيح ما أصبحوا ينعتون به من سمعة سيئة !.

ثانيا: أن الاعتقاد المطلق في صحة الافتراض السابق، ينجم عنه ما يشبه حالة البارانويا الجماعية، تمسك بتلابيب أصحابها، فتدفعهم إلي نوع من الانعزالية في ظل الإحساس الدائم بأجواء المؤامرة المنصوبة عليهم، وتلقي بهم ـ وهو الأخطر ـ في خندق الدفاع عن النفس، وتحد من قدرتهم ـ إلي حد الشلل ـ علي التفكير الموضوعي السليم .

ثالثا: يتناسي المنطق السابق، سيادة رأي عام يعتقد ـ وهو في كثير من الأحوال علي حق ـ في انتشار ظاهرة الفساد، ويشاطره في هذا الاعتقاد العديد من التقارير الدولية والمحلية، ومن ثم فإنه من المبرر أن تطول اتهامات الفساد العديد من الفئات، وقد يفسر ذلك لدي البعض، مشروعية أن يصيب قسطا وافرا من سهام هذه الاتهامات، رجال الأعمال باعتبارهم يملكون إحدي وسائل الإفساد الكلاسيكية، متمثلة في رأس المال .

رابعا: يتعامل المنطق السابق مع الأعمال الدرامية والكتابات الصحفية والإبداعية عموما، من منطلق كونها تتأسس علي مواقف عدائية شريرة تآمرية، لا من كونها تمثل انعكاسا لثقافة الكاتب أو المبدع ليس أكثر أو أقل من ذلك، وهو أمر لا يمكن معالجته بتصور شديد التبسيط عن إمكانية إنتاج أعمال درامية تصحح صورة رجل الأعمال، نستطيع أن نضمن من الآن افتقادها لأي مصداقية، هذا إن لم تؤت ـ وهذا ما نؤكده أيضا ـ بآثار ونتائج عكسية .

أما علي مستوي تهافت الخطاب المستخدم فحدث ولا حرج، سواء بالتركيز ـ إلي حد التنبير علي العكس ـ علي استخدام مفردات ممعنة في إطلاقها لا في موضوعيتها، كالظلم والغبن ـ عند وصف صورة النفس في أعين الآخر ـ يقابلها مفردات الشرف والطهارة ونزاهة اليد ـ عند وصف النفس في عين ذاتها ـ أو بانتزاع مفردات جري استخدامها تاريخيا، لوصف أحوال طبقات وجماعات محددة، وإسقاط هذه المصطلحات علي النفس كرد فعل لحالة بارانويا المؤامرة، كاستعمال كلمة «معاناة» عند وصف ما يشعر به رجال الأعمال تجاه ما يقابلهم من معوقات، واستخدام كلمة «دعم» لطلب المساندة عند تعثر الأعمال !

وهو خطاب يقع في مجمله في فخ الصلاحية للاستهلاك الداخلي بين رجال الأعمال بعضهم البعض، بنفس الدرجة التي يفقد بها قدرته علي إقناع رأي عام متربص، لا بحكم المؤامرة، وإنما بفعل الثقافة السائدة المستقاة من تراكمات لمراحل سابقة .

إن البداية الصحيحة لمحو الصورة السيئة، ينبغي أن تقوم بالأساس علي أمرين: أولهما كسر حالة التقوقع والانعزال، وفتح قنوات للاتصال والحوار مع الآخر ـ المتآمر ـ وبصفة خاصة المثقفين والمبدعين، الذين يشكلون الوعي الجمعي للمجتمع، لا بهدف شرائهم، وإنما بقصد التعريف المباشر بالنفس، والتعرف في المقابل علي مصالح ونمط تفكير هذا الآخر، والخروج من نفق الاتهامات المتبادلة، إلي أفق المصالح المشتركة، والوصول إلي الحد الأدني من التوافق في حالة تعارض المصالح .

وثانيهما التحرر من أسر المصطلحات البالية، واستخدام مصطلحات وعبارات جديدة، تعكس أوضاعا تاريخية جديدة تتمثل في الرغبة في التحول إلي اقتصاد حر يستند في جوهره علي منظمات المجتمع المدني، ومن ثم قد يكون ملائما لهذه الأوضاع، استعمال مفردات كالمواطنة، ودافعي الضرائب، وأرباب الأعمال، وجماعات المصالح، وذلك عند التخاطب مع الرأي العام .

والأهم من ذلك إعداد دراسات علمية عن كيفية التأثير علي هذا الرأي العام، بما يخدم تحوله تدريجيا إلي مساندة دور القطاع الخاص، وإزالة ما علق بهذه الصورة من تشويه .