فجأة ودون مقدمات، وبعد انتظار دام 20 عاما لمجرد بارقة أمل في أى ميدالية أوليمبية.. إذا بالسماء تمطر ذهبا وبرونزا على بعثتنا الرياضية في دورة أثينا 2004، وإذا بالجميع يسعى لكى يظهر في الصورة، بل ويقتحمها اقتحاما، عسى أن يصيبه شيء من رزاز صنع الإنجاز، وسبحان مغير الأحوال، قبل عدة أيام وربما ساعات، كان هؤلاء يتهربون ويتملصون، وينسبون الإخفاقات المتوالية لنفس هذه البعثة إلى الآخرين.. لمسئول أو وزير سابق أو خصم حالي في موقع المسئولية، صارت الفرصة مواتية لضربه.
البعض وعلى رأسهم مسئولون، كانوا قد أصابتهم حمى التصريحات العنترية والقرارات التصحيحية، والرغبة في خلق التصريحات العنترية، وخلق أكباش فداء يلصقون بها أسباب الفشل.
حتى وزير الشباب والرياضة، لم ينج من ذلك، فإذا به يتقمص شخصية وسلوك ونمط تفكير وغوغائية المشجع الكروي، ويعلن أن مدرب لاعبة رفع الأثقال الصغيرة -الذي لولاه ما أصبح حصولها على ميدالية حلما يداعب المصريين- هو السبب فى سقوطها وفشلها فى العودة بالميدالية الأوليمبية، وأنه سيتم استبعاده -المدرب- لأن بقاءه فى منصبه، يمثل مكافأة للمقصرين والفاشلين!.
لماذا؟ لأن الوزير يرى، أن المدرب قد دفع البطلة الصغيرة، لبدء محاولاتها برفع ثقل كبير، وكان من الأفضل أن يتركها تتدرج، وتستهلها بثقل أقل -حدده الوزير شخصيا بـ140 كيلو جرام-، حتى تكتسب الثقة أولا، قبل أن تتقدم للثقل الأعلى!.
ولك أن تتساءل بالطبع، عما يفهمه الوزير الشاب في فنيات رياضة رفع الأثقال، حتى يدلو برأيه في تقنيات اللعبة، بل والأدهى من ذلك، أنه يتخذ بناء على هذا الرأي قرارا مصيريا، من الممكن أن يصيب مستقبلها – اللعبة واللاعبة -فى مقتل.
ووسط هذا المولد – مولد انهمار الميداليات -، ستجد بالطبع من يحدثك عن «المعدن»… معدن المصري الأصيل، الذي لا يظهر إلا فى الشدائد!، ولكنك لن تجد لديهم تعريفا واضحا لمعالم هذه الشدائد حتى يمكنك تمييزها بوضوح، كي تستطيع توقع موعد ومكان سطوح المعدن «الأصيل».
علاوة على أنه سيكون من حقك، أن تتساءل أيضا عن تفسير عدم ظهور هذا المعدن عند أشد المحن إيلاما ككارثة صفر المونديال على سبيل المثال!، هذا عن الرياضة أما عن الاقتصاد فحدث عن المحن والشدائد بلا حرج!.
وفي خضم هذا المولد، نسى الكثيرون أننا أمام حالات فردية، لأبطال بذلوا جهدا فوق طاقة البشر، كي يتمكنوا من تحقيق إنجاز وطموح، لا تكفل الظروف والبيئة المحيطة بهم، ليس فقط مناخا مواتيا له، وإنما معادي ومعاكس، بل ومحطم لأي إنجاز.
فلا قاعدة رياضية علمية سليمة يرتكزون عليها، ولا ملاعب أو أماكن مناسبة للتدريب، ولا إدارة يجنب مسؤلوها خلافاتهم الشخصية من أجل المصلحة العامة.
فقط طموح هؤلاء الأبطال الشخصي، وللأمانة جهود العديد من المدربين، وبعض التخطيط المتمثل في التركيز على عدد محدود من اللاعبين، بما يوفر لهم بعض الرعاية والاحتكاك والتغذية، التي تفوق أقرانهم المحليين، ولا يمكن مقارنتها، بما يتوافر لمنافسيهم على الحلبة العالمية.
والطريف حقا، أننا وجدنا من يحذرنا من إمكانية أن يتأثر أبطالنا الأوليمبيين بما سيحصلون عليه من مكافأت ضخمة، تصيبهم بالشبع بعد جوع، فيفسدون، أو على أقل تقدير يستكينون للراحة، ويفتقدون الطموح، فنخسرهم، ونخسر معهم آمالنا وتطلعاتنا في الحصول على المزيد من البطولات.
والواقع أنني أفضل أن نغدق الأموال على هؤلاء الأبطال، لنسعدهم كما أسعدونا، حتى وإن فسدوا، فعلى الأقل سيفعلون ذلك بعد ما حققوه من إنجاز، بعكس هؤلاء الذين يشنفون أذاننا ليل نهار، بحديثهم وكتاباتهم عن الوطن والانتماء والأصالة وأخلاق ابن البلد وقيم الحارة و«المعدن »، ولا إنجاز لهم سوى النفاق وركوب الموجة، وبقاء الحال كما هو عليه، حالنا نحن، وحالهم هم بما آل إليهم من سلطان ونفوذ.. وأموال تنهال عليهم دون حساب، فشبعوا وفسدوا، دون أن ننال على أيديهم لحظة سعادة واحدة، وليس قنطارا من السعادة، كما فعل بنا ولنا أبطالنا المكافحون.
حازم شريف
11:57 م, الأحد, 29 أغسطس 04
End of current post