رأى مكتب رياض ورياض للمحاماة والاستشارات القانونية أن مشروع قانون العمل الجديد يضم عدة نقاط ستؤثر سلبا على مناخ العمل والاستثمار فى مصر، خاصة فى بنود عقود التعيين ومدة الإجازات السنوية، بجانب خلق أعباء مالية إضافية على أصحاب العمل.
وخلال الأسابيع الماضية وافق مجلس الشيوخ على العديد من مواد مشروع قانون العمل الجديد ويُنتظر صدور القانون بشكل نهائى من البرلمان للتصديق عليه، فيما يعتبر القطاع العقارى والمقاولات والتشييد من أبرز القطاعات التى تشهد قضايا عمالية فى الفترة الأخيرة.
بعض النقاط قد تؤدى إلى خلق حالة من الاحتقان بين أصحاب العمل والعمال
«المال» أجرت حوارا مع الدكتورة إيمان رياض، شريك بمكتب رياض ورياض للمحاماة للحديث عن أبرز نقاط القوة والضعف فى مشروع القانون الجارى مناقشته فى البرلمان، وخلال الحوار رأت أن المشروع الجديد جاء بالعديد من المزايا وعالج بعض الإشكاليات القائمة فى قانون العمل الحالى، إلا أنه تضمن ايضًا بعض الأمور التى من شأنها أن تؤثر سلباً على مناخ الاستثمار فى مصر وقد تؤدى إلى خلق حالة من الاحتقان بين أصحاب العمل والعمال.. وإلى نص الحوار.
المال : ما تقييمكم فى البداية لمشروع قانون العمل ؟
إيمان رياض : لعل أبرز ما يشوب مشروع قانون العمل من عيوب جاء نتيجة إجراء المقارنة بين أوضاع العاملين فى القطاع الخاص والعاملين فى القطاع العام ومحاولة توحيد النصوص التى تحكم عمل الفئتين بالرغم من عدم تماثل ظروف كل فئة، فقد جرى العمل على مدار سنوات طويلة أن العاملين فى القطاع الخاص تُطبق عليهم قوانين العمل الخاصة والتى تختلف – جملة وتفصيلًا – عن قوانين العاملين المدنيين بالدولة.
المال: ما العيوب التى توجد فى مشروع قانون العمل من وجهة نظركم ؟
إيمان رياض: عدة نقاط أولها توسع مشروع القانون فى إضافة تعريفات ومصطلحات جديدة يشوبها اللبس وعدم الوضوح؛ فعلى سبيل المثال استحدث مشروع القانون تعريفاً لنصيب العامل فى الأرباح – كأحد عناصر الأجر المتغير – بأنه ما يعطى للعامل من صافى الأرباح المحققة وفقا للقوانين المنظمة لها”، وهو الأمر الذى يتعارض صراحة مع النصوص المنظمة لنصيب العاملين فى الأرباح فى قانون الشركات والتى تحدد نصيب العاملين فى الأرباح بـ%10 من الأرباح التى يتم توزيعها بموجب قرار الجمعية العمومية للشركة وليس صافى الأرباح المحققة.
كذلك اشتمل مشروع القانون على تعريف «العمولة» والذى يكاد يتطابق مع تعريف «النسبة المئوية» كعناصر للأجر المتغير، لذلك أرى ضرورة توضيح الفارق بينهما أو إلغاء تعريف النسبة المئوية كلية والاستعاضة عنها بعنصر العمولة، وكذلك الحال بالنسبة لتعريف الوهبة ومقابل الخدمة (كعناصر للأجر) فكلاهما له نفس المعنى.
كذلك وضع مشروع القانون تعريفا عاما وغير محدد بضوابط معينة للمقصود بـ«المنشأة الصناعية»، ونرى ضرورة أن يُحيل القانون فى هذا الشأن للقوانين ذات الصلة مثل القانون 95/2018 بشأن الهيئة العامة للتنمية الصناعية والقانون 15/2017 بشأن منح تراخيص المنشآت الصناعية بحيث يشترط كى تعتبر المنشأة صناعية أن تكون مقيدة بالسجل الصناعى ويكون لها رخصة تشغيل صناعية.
المال : ما رؤيتكم للأدوات المالية التى سيفرضها القانون على أصحاب العمل؟
إيمان رياض : بنود المشروع قررت إضافة التزامات مالية على أصحاب العمل؛ فعلى سبيل المثال نص المشروع على إنشاء صندوق جديد للعمالة غير المنتظمة وألزم المنشآت بسداد اشتراكات به، وأرى عدم جدوى تأسيس هذا الصندوق بحيث يُكتفى بالالتزام الحالى بسداد اشتراكات التأمين الاجتماعى على العمالة غير المنتظمة.
كذلك أبقى المشروع على صندوق التدريب والتأهيل المهنى وألزم الشركات بسداد اشتراكات شهرية به، أرى إلغاء هذا الصندوق لما يسببه من إرهاق مالى غير مبرر على عاتق أصحاب العمل، خاصة وأن وجود الصندوق – فى ظل القانون الحالى – أثبت عدم فاعليته، وتم بالفعل رفع أكثر من دعوى قضائية – خلال السنوات الماضية – أمام المحكمة الدستورية للمطالبة بعدم دستورية هذا الصندوق.
كذلك أبقى مشروع القانون على صندوق الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية وتمت زيادة قيمة الاشتراكات التى يلتزم أصحاب العمل بسدادها، ونرى أيضًا إلغاء هذا الصندوق لعدم فاعليته فى تقديم خدمات جدية.
المال : ماذا عن بنود الإجازات السنوية ؟
إيمان رياض : مشروع القانون تضمن زيادة أيام الإجازات السنوية للعامل الذى يتجاوز سن الخمسين لتصبح (45) يومًا، بالإضافة إلى أيام الراحة الأسبوعية وأيام العطلات العامة وهو أمر لا يوجد له مثيل فى قوانين العمل المقارنة، وكان الدافع من استحداث هذا النص هو تحقيق المساواة بين العاملين فى القطاع الخاص والعاملين بالقطاع العام وهى مقارنة فى غير محلها.
كما شمل المشروع زيادة مدة إجازة الوضع لتصبح أربعة أشهر (مدفوعة الأجر) تستحقها العاملة ثلاث مرات خلال مدة خدمتها، أرى الابقاء على إجازة الوضع لمدة ثلاثة أشهر تستحقها العاملة مرتين فقط (كما هو فى القانون الحالى) وذلك تمشيًا مع سياسة الدولة فى تحديد النسل وكى لا يؤثر ذلك سلبًا على تشغيل النساء حيث قد يترتب على تطبيق النص الجديد عزوف أصحاب الأعمال عن تشغيل النساء.
كذلك الأمر بالنسبة لإزالة رعاية الطفل حيث قرر المشروع حق العاملة فى الحصول على هذه الإجازة لمدة سنتين ثلاث مرات (بدلا من مرتين فى ظل القانون الحالي).
المال : وماذا عن البنود المهمة فى بنود التعاقد وتجديده؟
إيمان رياض : المشروع نص على أنه لا يجوز الاتفاق على إبرام عقد العمل لمدة تقل عن سنة، ويمثل هذا النص قيد غير مبرر على إرادة صاحب العمل والعامل فى إبرام عقود عمل للمدة التى يروها مناسبة، ويتناقض ذلك أيضًا مع فكرة «العمل الموسمى» و«العمل المؤقت» و«العمل غير المنتظم» والتى عادة ما تقل مدد التشغيل فيهم عن سنة.
لذلك هناك أهمية لتعديل هذا النص ليشمل إمكانية إبرام عقد العمل لأى مدة اتفق الأطراف عليها (حتى لو أقل من سنة) إعمالًا لمبدأ أن «العقد شريعة المتعاقدين».
وهناك أيضا تحويل العقد محدد المدة إلى عقد غير محدد المدة (دائم) إذا أبرم العقد أو تم تجديده لمدة تزيد على أربع سنوات،وقد أعاد المشروع بهذا النص إلى الأذهان قانون العمل السابق (رقم 137/1981) الذى كان مطبقًا فى مصر منذ أكثر من أربعين عامًا حيث كانت الدولة هى صاحبة النصيب الأكبر فى ملكية المشروعات الاقتصادية وكانت تدير هذه المشروعات وفقًا لمنظور سياسى وليس وفقًا لقواعد الاقتصاد وآليات السوق؛ وهو الأمر الذى تجاوزته المرحلة الحالية التى تتطلب جذب المزيد من الاستثمارات والعمل على دعم القطاع الخاص لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.
لذلك أرى ضرورة عدم تقييد مدة عقد العمل محدد المدة (أو تجديداته اللاحقة) على أربع سنوات كحد أقصى لما يمثل ذلك من تعدٍ – غير مشروع – على حق أطراف عقد العمل فى تحديد مدة العقد وتجديده كيفما يشاءوا على النحو الذى يتراءى لهم. كما أن إعمال هذا النص سيؤدى – من الناحية العملية – إلى اتجاه أصحاب العمل لإنهاء العقود فى السنة الثالثة لتفادى تحول عقد العمل إلى علاقة أبدية.
المال : هل هناك أى نقاط أخرى بحاجة للتعديل ؟
إيمان رياض : المشروع اشترط تقدم العامل أولا باستقالته أمام الجهة الإدارية المختصة كى تعتمدها ثم يقدم الاستقالة بعد ذلك لصاحب العمل وتلتزم جهة العمل بالبت فى الاستقالة خلال عشرة أيام، وللعامل الرجوع عن الاستقالة خلال أسبوع على أن يكون هذا العدول مكتوبًا ومعتمدًا من الجهة الإدارية، أرى أن هذا النص المنظم للاستقالة قرر إجراءات معقدة وغير واضحة بشأن تقديم الاستقالة وقبولها والرجوع فيها وهو أمر لا يوجد له مثيل فى قوانين أى دولة.
كما أرى الاكتفاء بالاحتفاظ بملف العامل سنة واحدة وذلك تماشيًا مع نص القانون الذى يقرر أنه تسقط بالتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد العمل بانقضاء سنة.
كما قرر المشروع أنه فى حالة نشوء نزاع بين العامل وصاحب العمل وتم التوصل لتسوية ودية بشأنه يتم إثبات التسوية فى محضر ويُحال محضر التسوية إلى قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة العمالية، وأرى عدم فاعلية هذا النص من الناحية العملية وذلك انطوائه على قيد إجرائى غير ضرورى يترتب عليه إطالة أمد النزاع الذى تمت تسويته ودياً، بالإضافة إلى زيادة عدد المنازعات العمالية أمام المحاكم، فما الحكمة من إلزام أطراف النزاع – الذى تم تسويته وديًا – بعرض التسوية على المحكمة حتى يدخل اتفاق التسوية حيز النفاذ؟
المال : هل هناك أيه نقاط أغفلها مشروع القانون؟
أغفل الأمور المستجدة فى ضوء التحول الرقمى وأنماط عمل ما بعد «كورونا»
إيمان رياض : لم يتناول مشروع القانون بعض الأمور المستجدة فى الأونة الأخيرة فى ضوء التحول الرقمى وما رتبته أيضًا جائحة كورونا من خلق أنماط عمل جديدة، ومنها ضرورة تضمين قانون العمل الجديد نصوصًا تنظم عقود العمل لبعض الوقت «Part-time» والعمل عن بعد والعمل من خلال التطبيقات الإلكترونية والمنصات الرقمية والعمل العابر للقارات وهى جميعها نماذج مختلفة عن الصورة النمطية لعقود العمل.
كذلك أرى أهمية تقرير حجية فى الإثبات للتوقيع الإلكترونى والمراسلات الإلكترونية والرسائل النصية واجتماعات العمل التى تتم إلكترونيًا بحيث يكون لها حجية فى الإثبات مثل الكتابة والمحررات الورقية، وكذلك تضمين القانون نصوص تتعلق بحماية البيانات الشخصية للعاملين والمسائل المتعلقة بالحفاظ على سرية المعلومات.
المال : وماذا عن الإيجابيات التى وردت فى مشروع قانون العمل ؟
المقترح أعاد تنظيم بعض الأمور بشكل أكثر وضوحًا ومنها إنشاء محاكم عمالية متخصصة
إيمان رياض : بالرغم من العيوب التى سردنها، إلا أن مشروع القانون أعاد تنظيم بعض الأمور بشكل أكثر وضوحًا مما هو عليه فى القانون الحالى، ويشمل ذلك على سبيل المثال، إنشاء محاكم عمالية متخصصة والتوسع فى نطاق اختصاصها ليشمل كافة الدعاوى الناشئة عن عقد العمل والدعاوى المتعلقة بالمنظمات النقابية وحقوق العمال التأمينية.
كما ألغى المشروع سلطة المحكمة فى الحكم باستمرار العامل المفصول فى عمله (إلا فى حالات الفصل للنشاط النقابى) وذلك حتى لا يتم إجبار صاحب العمل على الاستمرار فى تشغيل أشخاص غير مرغوب فيهم.
تحديد قيمة العلاوة السنوية لتصبح %3 من الأجر التأمينى وعدم صرفها إلا بعد سنة من التعيين
ومن ضمن الإيجابيات أيضا تحديد قيمة العلاوة السنوية لتصبح %3 من الأجر التأمينى والنص صراحة على عدم استحقاق العلاوة إلا بانقضاء سنة من تاريخ التعيين، بجانب النص على خضوع العامل للكشف الطبى عن المواد المخدرة والأمراض المعدية بناء على طلب صاحب العمل، وأيضا النص على أنه فى حالة تلقى العامل تدريبات على نفقة صاحب العمل، يلتزم العامل بالاستمرار فى العمل للمدة المتفق عليها وإلا يلتزم بتعويض صاحب العمل عن الإنهاء المبكر.
المال : هل هناك أى مزايا أخرى ضمن مشروع القانون؟
إيمان رياض : هناك أيضا اعتبار التحويل البنكى للأجر على حساب العامل وسيلة إثبات حصول العامل على أجره وإبراء لذمة صاحب العمل، والاكتفاء بإبلاغ الجهة الإدارية لتشغيل العاملين ساعات عمل إضافية دون اشتراط موافقة الجهة الإدارية على ساعات العمل الإضافية (كما هو الوضع فى القانون الحالي).
وهناك بند إعاده تنظيم الوساطة والتحكيم العمالى وإنشاء مركز وساطة وتحكيم تابع لوزارة القوى العاملة للنظر فى منازعات العمل الجماعية، واشترط مشروع القانون إبرام مشارطة تحكيم بين طرفى النزاع وعدم جواز إجبار أحد الأطراف الخوض فى منازعة تحكيم عمالى دون موافقته.
المال: ما رأيكم فى تعرض مشروع القانون لآليات الإضرابات العمالية؟
إيمان رياض: مشروع القانون أعاد تنظيم الإضرابات العمالية واشترط أن يتم إعلان الإضراب عن العمل وتنظيمه من خلال النقابات العمالية، كما اعتبر أن تغيب العامل عن العمل بدون إذن بمثابة استقالة، دون أن يلتزم صاحب العمل برفع دعوى لفصل العامل (كما هو الوضع فى القانون الحالي)، وتم استحداث نص يقرر ضرورة أن يحدد القرار أو الحكم الصادر بحل المنشأة أو تصفيتها أجلاً للوفاء بحقوق العاملين.