الخليفة‭ ‬‮«‬شيراك‮»‬‭ ‬ومسيو‭ ‬‮«‬طنطاوى‮»‬‭!‬

الخليفة‭ ‬‮«‬شيراك‮»‬‭ ‬ومسيو‭ ‬‮«‬طنطاوى‮»‬‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

10:10 ص, الأحد, 4 يناير 04

‬ عجيب‭ ‬أمر‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشيوخ‭!‬
يقيمون‭ ‬الدنيا‭ ‬ويقعدونها‭ ‬ضد‭ ‬محاولات‭ ‬التدخل‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬شئون‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يتورعون‭ ‬أن‭ ‬يرتكبوا‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬ما‭ ‬يدينون‭ ‬عليه‭ ‬الأخرين،‭ ‬فيقوموا‭ ‬بالتدخل‭ ‬السافر‭ ‬فى‭ ‬الشئون‭ ‬الفرنسية‭!‬
بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإنهم‭ ‬يكادون‭ ‬أن‭ ‬يخرجوا‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬سيد‭ ‬طنطاوى‭ ‬من‭ ‬الملة،‭ ‬ويصوبوا‭ ‬إليه‭ ‬سهام‭ ‬التكفير،‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬عقب‭ ‬لقائه‭ ‬بوزير‭ ‬الداخلية‭ ‬الفرنسى،‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المرأة‭ ‬المسلمة‭ ‬فى‭ ‬غير‭ ‬دولة‭ ‬الاسلام‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا،‭ ‬وأراد‭ ‬المسئولون‭ ‬فيها،‭ ‬أن‭ ‬يقرروا‭ ‬قوانين‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬مسألة‭ ‬الحجاب‭ ‬فهذا‭ ‬حقهم،‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أعارض‭ ‬فيه‭.‬
وكان‭ ‬شيخ‭ ‬الأهر،‭ ‬يملك‭ ‬أن‭ ‬يعارض،‭ ‬أو‭ ‬يتدخل‭ ‬أصلا‭ ‬فى‭ ‬الشئون‭ ‬الداخلية‭ ‬لدولة‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬إسلامية‭!‬
والحكاية‭ ‬باختصار‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬أن‭ ‬جاك‭ ‬شيراك‭ ‬رئيس‭ ‬فرنسا‭ ‬الدولة‭ ‬العلمانية‭ ‬،‭ ‬دعا‭ ‬مؤخرا‭ ‬إلى‭ ‬سن‭ ‬تشريع‭ ‬يحظر‭ ‬على‭ ‬التلاميذ‭ ‬فى‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية،‭ ‬إرتداء‭ ‬الرموز‭ ‬الدينية‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الحجاب‭ ‬الاسلامى‭ ‬والصليب‭ ‬المسيحى‭ ‬والقلنسوة‭ ‬اليهودية،‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬ملاحظة‭ ‬أن‭ ‬دعوة‭ ‬شيراك،‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬المدارس‭ ‬الرسمية،‭ ‬التى‭ ‬تمولها‭ ‬الحكرمة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ولا‭ ‬تشمل‭ ‬المدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬الدينية‭ ‬ولا‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة،‭ ‬ولا‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أماكن‭ ‬ممارسة‭ ‬العبادات‭ ‬الدينية‭.‬
وعلى‭ ‬الفور‭ ‬بدأت‭ ‬جماعة‭ ‬الشيوخ‭ ‬حملتها،‭ ‬للتنديد‭ ‬بالتشريع‭ ‬الفرنسى‭ ‬المنتظر،‭ ‬واضعة‭ ‬إياه‭- ‬فى‭ ‬اصطناع‭ ‬ديماجوجى‭ ‬مفتعل‭ – ‬فى‭ ‬خانة‭ ‬الحملة‭ ‬العالمية‭ ‬المناهضة‭ ‬للاسلام‭! ‬وهو‭ ‬توصيف‭ ‬يفتقد‭ ‬للمنطق،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬افتقاده‭ ‬للحد‭ ‬الادنى‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭.‬
ففرنسا‭ ‬تحديدا،‭ ‬كانت‭ ‬ولاتزال‭ ‬الأقرب‭ ‬والأكثر‭ ‬تعاطفا‭ – ‬نسبيا‭ ‬وفى‭ ‬أغلب‭ ‬الأحوال‭ – ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامى‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬تعاطف‭ ‬غير‭ ‬مبنى‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬رومانسية‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬وإنما‭ ‬يرتكز‭ ‬بصفة‭ ‬رئيسية‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬المصالح‭ ‬المتشابكة،‭ ‬ثم‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬ليبرالية‭ ‬أكثر‭ ‬تسامحا‭ ‬تجاه‭ ‬الاخر،‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬ثقافات‭ ‬ليبرالية‭ ‬أخرى،‭ ‬تتغلغل‭ ‬فى‭ ‬روافدها،‭ ‬تيارات‭ ‬أصولية‭ ‬دينية‭ ‬كالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭.‬
وفرنسا‭ ‬تحديدا‭ ‬أيضا،‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬وتنظر‭ ‬هى‭ ‬لنفسها‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مهد‭ ‬قيم‭ ‬الحضارة‭ ‬العلمانية‭ ‬الحديثة،‭ ‬بما‭ ‬تتضمنه‭ ‬من‭ ‬فصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭ ‬وحظر‭ ‬ممارسة‭ ‬التمييز‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬أسس‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬عرقية‭ ‬أو‭ ‬جنسية،‭ ‬فحقوق‭ ‬المواطنة‭ ‬واحدة‭ ‬للجميع،‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬ديانة‭ ‬المواطن‭ ‬أو‭ ‬عرقيته‭.‬
ومن‭ ‬ثم‭ ‬فأن‭ ‬إنتزاع‭ ‬دعوة‭ ‬شيراك‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تمثل‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭ – ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوء‭ ‬النية‭ – ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬إلقاء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوقود‭ ‬على‭ ‬نيران‭ ‬معركة‭ ‬العداء‭ ‬للاسلام،‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬نبرئ‭ ‬جماعة‭ ‬الشيوخ‭ ‬منها،‭ ‬والذين‭ ‬يعطون‭ ‬للغرب‭ – ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لعامة‭ ‬المسلمين‭ – ‬صورة‭ ‬مخيفة‭ ‬عن‭ ‬الأسلام، وهم يقومون ليل نهار‭ ‬بمصادرة‭ ‬الكتب،‭ ‬وتكفير‭ ‬المثقفين‭ ‬والكتاب،‭ ‬ورفع‭ ‬دعاوى‭ ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬المفكرين‭ ‬وزوجاتهم،‭ ‬ومباركة‭ ‬الأرهاب‭ ‬الفكرى‭ ‬والجسدى‭.‬
ونحن‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬ندافع‭ ‬عن‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر،‭ ‬الذى‭ ‬يضطر‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ – ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬موقعه‭ ‬الرسمى‭ – ‬للتغريد‭ ‬خارج‭ ‬السرب،‭ ‬مثل‭ ‬موقفه‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬دعوة‭ ‬شيراك،‭ ‬وبعض‭ ‬المواقف‭ ‬الأخرى،‭ ‬كفتواه‭ ‬المتعلقة‭ ‬بإباحة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬البنوك‭ ‬التجارية‭ – ‬أو‭ ‬الربوية‭ ‬بلغة‭ ‬أهل‭ ‬التحريم‭ ،- ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يمنعه‭ ‬فى‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬من‭ ‬مسايرة‭ ‬زملائه‭ ‬فى‭ ‬مصادرة‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الإبداعية‭.‬
ولعل‭ ‬أخطر‭ ‬ؤغرب‭ ‬ما‭ ‬قرأته‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬الحملة‭ ‬الأخيرة‭ ‬المزدوجة‭ ‬على‭ ‬طنطاوى‭ ‬وشيراك‭ ‬فى‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬هو‭ ‬تصريح‭ ‬نقلته‭ ‬صحيفة‭ ‬الحياة‭ ‬اللندنية‭ ‬فى‭ ‬عددها‭ ‬الخميس‭ ‬الماضى‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬العظيم‭ ‬المطعنى‭ ‬الأستاذ‭ ‬بجامعة‭ ‬الأزهر،‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وصف‭ ‬موقف‭ ‬طنطاوى‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يمت‭ ‬للاسلام‭ ‬بصلة‮»،‬‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬يبيحون‭ ‬لفرنسا‭ ‬إلغاء‭ ‬الحجاب‭ ‬الواجب‭ ‬الاتباع‭ ‬بالكتاب‭ ‬والسنة‭ ‬والأجماع،‭ ‬إنما‭ ‬يسهم‭ ‬معهم،‭ ‬فى‭ ‬انتصار‭ ‬الكفر‭ ‬على‭ ‬الاسلام،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬عن‭ ‬جهل‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬علم‭.‬
أما‭ ‬خطورته‭ ‬فمنبعها‭ ‬أنه‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه،‭ ‬لتكفير‭ ‬شخص‭ ‬الأزهر‭ ‬شخصيا،‭ ‬بمنطق‭ ‬التضاد،‭ ‬كون‭ ‬موقفه‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬للاسلام،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬أقر‭ ‬تقدير‭ ‬يضعه‭ ‬فى‭ ‬خانة‭ ‬أهل‭ ‬النفاق‭!
أما‭ ‬وجه‭ ‬الغرابة‭ ‬فكون‭ ‬القول‭ ‬السابق،‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬تصور‭ ‬فى‭ ‬ذهن‭ ‬صاحبه‭ – ‬يكاد‭ ‬يقارب‭ ‬حد‭ ‬الهلاوس‭- ‬بأن‭ ‬بإمكان‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬أو‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الشيوخ،‭ ‬أن‭ ‬يبيح‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يبيح‭ ‬إلغاء‭ ‬الحجاب‭ ‬لفرنسا‭ ‬الدولة‭ ‬العلمانية،‭ ‬التى‭ ‬تسكنها‭ ‬أغلبية‭ ‬غير‭ ‬مسلمة،‭ ‬ولا‭ ‬تمثل‭ ‬تعاليم‭ ‬الاسلام‭ ‬لمشرعيها‭ ‬أى‭ ‬مرجعية‭ ‬دستورية‭ ‬أو‭ ‬قانونية،‭ ‬وهو‭ ‬تصور‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬منطقيا‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬وحيدة،‭ ‬يسرح‭ ‬فيها‭ ‬الخيال‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬مدى،‭ ‬ليضع‭ ‬عمامة‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الخليفة‭ ‬سيف‭ ‬الآسلام‭ ‬شيراك،‭ ‬الذى‭ ‬ينتظر‭ ‬مباركة‭ ‬قرارته‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬مؤسسته‭ ‬الدينية‭ ‬الرسمية‭ ‬مسيو‭ ‬الشيخ‭ ‬طنطاوى‭! ‬
وفى‭ ‬النهاية‭ ‬فقد‭ ‬يوافق‭ ‬المجلس‭ ‬التشريعى‭ ‬الفرنسى‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يوافق‭ ‬على‭ ‬سن‭ ‬القانون‭ ‬الذى‭ ‬دعا‭ ‬اليه‭ ‬شيراك‭ ‬بعد‭ ‬مناقشات‭ ‬مستفيضة،‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬انتهاكه‭ ‬للحريات‭ ‬الشخصية‭ ‬للمواطنين‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومدى‭ ‬توافقه‭ ‬مع‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬وحفاظه‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬الدولة‭ ‬العلمانية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فيبدو‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬كتب‭ ‬علينا‭ ‬لأمد‭ ‬غير‭ ‬منظور،‭ ‬أن‭ ‬نقبع‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬تكفير‭ ‬جماعات‭ ‬التكفير‭ ‬لنا‭ ‬ولبعضهم البعض‭ .‬