الحضارات الأقدم فى الشرق الأوسط.. أقوى وأبقى

الحضارات الأقدم فى الشرق الأوسط.. أقوى وأبقى
شريف عطية

شريف عطية

7:30 ص, الأحد, 27 يونيو 21

تظل منطقة الشرق الأوسط، قلب الدنيا، محور تنافس الدول العظمى، كما هى مجال لصراعات القوميات الرئيسية داخل الإقليم، إذ تسعى كل منها لإحراز التفوق- محليًّا- عن الأخرى، ما يؤهلها لتبوُّء مكانة عالمية، والعكس صحيح، ما بين الدعوة للسلام “حلم الحكماء” حيث تتجاور المصفحة إلى جانب الجرار طلبًا للتنمية أو أن تكون الحرب “مصير البشرية” بمثابة صراع غيلان لاقتسام حملانه، وبحيث يصبح تاريخ الشرق الأوسط عندئذ هو العمق الإستراتيجى لدراسة مجمل المستقبل السياسى الدولي، وحاضره، ذلك وفيما تعتبر كل من تركيا (العثمانية) وإسرائيل (العبرانية) دولتين طفيليتين مرتحلتين بواقع التوقيتات والعوامل التاريخية، فإن لدى كل من مصر وإيران، الأسبق حضاريًّا منذ ما قبل البلاد، مقومات جيوبوليتيكية، لو أحسنت توظيفها، لأمكنهما- معًا أو منفردتين- إحراز قصب السبق نحو مركز إقليمى أكثر تميزًا عن كل من أنقرة وتل أبيب، ومن ثم للارتقاء بالدولتين العريقتين إلى الصعيد الدولي، الأمر الذى تصبغ مفرداته تصورات وطبيعة الصراع داخل الشرق الأوسط، ومِن حوله.

إلى ذلك، ومنذ أن تبدلت المراكز الجيواقتصادية والإستراتيجية للقوى الإقليمية والدولية اعتبارًا من سياسات القرن 16، ولأسبابه، فقد هيمنت الدولة العثمانية بنفوذها على مقاليد المنطقة، وامتدت به- لقرون- إلى خارجها، قبل هزيمتها من جانب مصر 1839 فى معركة نصيبيين، ولتصبح منذئذ “رجل أوروبا المريض” حيث استطاعت القارة العجوز هزيمتها فى الحرب العظمى، واقتسام مناطق نفوذها (العربية) بموجب اتفاقية سايكس- بيكو 1916 التى استحدثت حدود جديدة للوحدات السياسية العربية، بما يمنع تواصلها لاحقًا من خلال زرع إسرائيل 1948 كقاعدة غربية ثابتة فى قلب المنطقة، وذلك بالتزامن مع انطواء كل من تركيا وإيران داخل مجال الإستراتيجية الغربية الفترة ما بين الحربين العالميتين، وما بعدهما، وإذ حاولت مصر “العربية” منذ نهاية الأربعينيات، مرورًا بعقدى الخمسينيات والستينيات.. التحرر من قيود الإمبريالية الغربية، إلا أن تعقيدات الحرب والسلام مع إسرائيل أعادتها إلى الفلك الغربى منتصف السبعينيات، قبل سنوات من اندلاع الثورة فى إيران 1979، لتحل- ربما- محل مصر “الثورية” فى تبنِّى قضية العرب المركزية بشأن الصراع مع إسرائيل، ومن هى فى معيتهم لنحو أربعة عقود تالية حتى الآن، إذ اندلعت خلالها حروب الخليج الثلاث 1980 -1991 -2003التى استهدفت ضمنًا تطبيق النظرية الأميركية فى “الاحتواء المزدوج”- للتطرف القاصر من وجهة نظر واشنطن- لكل من العراق “القومية”.. وإيران “الإسلامية”، ما دعا الولايات المتحدة من بعد 2002 إلى رعاية حزب العدالة الحاكم فى تركيا ذى الجذور الإسلامية (المعتدلة)، كما إلى الموافقة لإسرائيل فى 2004 على دولة فلسطينية “غير موصولة”؛ أى ليست متصلة فى قطعة واحدة، ذلك قبل اندلاع فوضويات ما سمى بالربيع العربى فى 2011، وتوابعه الممتدة لاحقًا، حيث تسابقت القوى الإقليمية الرئيسية فى توظيفها لصالحها بشكل أو آخر، سواء بالتحالف بين تركيا ومنظمات التأسلم السياسي، أو سواء بالسعي- إرهابًا- لاتخاذ “سيناء” وطنًا بديلًا للفلسطينيين، أو سواء فى مواصلة إيران الامتداد بنفوذها غربًا من العراق إلى دول عربية شرق البحر المتوسط (..)بذريعة دعم المقاومة فى مواجهة إسرائيل، ومنها إلى حيث المشاركة فى صنع القرار فى أربع عواصم عربية حتى الآن، ذلك فيما استأنفت مصر “العربية”، بنجاح منذ العام 2013جهودها الذاتية ولضمّ صفوف العمل العربى المشترك فى مواجهة مخططات إقليمية ودولية، أدت نتائجه فى مطلع2021 إلى إعلان تركيا رغبتها فى تحسين العلاقات مع مصر ودول عربية، فيما أقرّت الإدارة الأميركية (بايدن)- بعد سابق امتناع- محورية دور مصر فى دعم الاستقرار بالمنطقة، وفى إطار عزم الكونجرس طرح مشروع لتعزيز علاقات التطبيع “تسهيلًا لحل الدولتين”، بناء على النهج المصرى للتسوية النهائية، ذلك فى الوقت الذى يُنقل عن دوائر اجتماع حلف “الناتو” يونيو الحالي.. أن وضع تركيا بالحلف أصبح بمثابة عقبة لا فائدة منه، وأن هناك بدائل لوجيستية لقواعده فى تركيا أكثر قربًا من المناطق ذات الأهمية للحلف، كما أن هناك ملفات رئيسية فى (شرق البحر المتوسط ليبيا- حقوق الإنسان- سياسة أنقرة الإقليمية) تحول دون التقارب الأوروبي- التركى، أما عن إيران فإن محادثات فيينا الخاصة بإحياء الاتفاق النووى الإيراني.. تقترب من إصدار قرار سياسى يتعلق برفع العقوبات عن طهران، وذلك بالتوازى مع تصريحات قادة غربيين (ماكرون) بقرب امتلاك إيران قنبلة ذرية، ومع ذلك فإنها لا تمنعهم من الهرولة فى اتجاهها، ربما لقطع الطريق عن تحالف مزمع بينها والصين لعشرين عامًا مقبلة، ذلك فيما تستأنف الإدارة الأميركية الديمقراطية الجديدة إحياء جهود سابقتها 2009 -2017سواء باستئناف العمل بالاتفاق النووى الإيراني، أو فى اتجاه تطويع سياسة إسرائيل الاستيطانية، كما للدفع بها نحو حل الدولتين، كما يتجه “بايدن” فى الغالب من ناحية أخرى نحو سياسة “أوباما” لمطالبته العرب فى 2016”اقتسام النفوذ مع إيران”، ذلك فيما يصرح الرئيس الإيرانى المنتخب “رئيسى” برغبة بلاده فى علاقات طيبة مع جميع دول الجوار، ولا سيما السعودية، فيما تعرب واشنطن من جانب آخر عن القلق الرافض لاستمرار التفاوض مع طهران “إلى ما لا نهاية”.

إلى ذلك، تمضى الأحداث المتبادلة فى الشرق الأوسط على الصعيدين الإقليمى والدولى، حيث مصر “العربية” فى مركز الدائرة، بينما الآخرون إما على أطرافها (إيران- تركيا) أو الآتون إليها من وراء البحر (إسرائيل).. أعجز عن هضم ما قضموه إقليميًّا خلال العقود أو القرون الماضية، إذ هم باستثناء إيران، سوف ينحسرون عن منطقة الشرق الأوسط، كما جاءوا إليها مجرد قوى طفيلية مرتحلة، بحيث لا يبقى حينئذ غير الحضارات الأقدم والأقوى.