عشرون عاماً مرت على صيف 1999 عندما رحل عن عالمنا الملكان: الحسن الثانى، ملك المغرب لأكثر من ثلاثين سنة عند وفاته، والملك حسين، ملك الأردن لأربعين عاما.
بعد هذه المدة، يبدو الملكان شخصيتين من التاريخ، وعهدهما خلفية من الماضى لصورة الحاضر.
لكن النظر فى هذا الماضى القريب دال على الحاضر، ولعله مُستطلِع للمستقبل.
فى المغرب، الحسن الثانى مَثل ثلاث قيم.
الأولى: ثبت فكرة المغرب كدولة واحدة. وإذا كان والده، محمد الخامس، الملك العربى الوحيد الذى لعِب دوراً محوريا فى انسحاب الإستعمار من بلده، ومن ثم أسس شرعية خاصة لملكه (بالإضافة للبيعة الدينية التى كانت لقرون أساس الشرعية الملكية فى البلد)، فإن الحسن الثانى، بنى على تلك الشرعية فكرة دولة فى غاية المركزية.
القيمة الثانية كانت: مكاناً متميزاً للمغرب، فى قلب العالم العربى سياسياً، وإن كان بعيداً جغرافياً – وأحياناً اختيارياً. هذا المكان المتميز مَكن الحسن الثانى من تركيز فكرة العروبة فى المغرب، على الرغم من التكوين الاثنى المتعدد للبلد، وبالرغم من البُعد اللُغوى عن قلب العروبة فى المشرق.
الثالثة، كانت فكرة الحكم الفوقى الفارض سلطته بكل السبل، والمُصِر، إلى أقصى درجةً، على وحدانية القوة متمركزة فى مؤسسة الملكية – وهى فى المغرب ذات طابع خاص، يكاد يكون منبعثاً من القرون الوسطى.
هذه القيم دعمت حكم الملك الحإلى محمد السادس، لكنها أيضاً فرضت عليه عبئين رئيسيين. الأول: أنه رأى أن عليه تطوير فكرة الحكم فى بلده والخروج بها من عوالم القرون الوسطى إلى العصر الحاضر، لكنه، فى الوقت نفسه، أدرك أنه يريد الاحتفاظ بأهم مقاليد الحكم فى القصر. ولعل ذلك نابع من تجارب القلق واحتمالات الفوضى التى عاشها والده، وأيضاً من الأسلوب الخاص الذى يُربى عليه ملوك المغرب والذى يُعمق فيهم الإحساس بالثقل التاريخى لعائلتهم ومُلكِهم. وقد كان، ولعله ما زال، صعباً التوفيق بين هذين العاملين.
العبء الثانى كان، ولا يزال، هو: ما مدى الدور الذى يريد المغرب لعبه فى السياسة العربية. لا شك أن فِكْر محمد السادس الاستراتيجى يرى المغرب جسرا – اقتصاديا بالدرجة الأولى – بين أوروبا وأفريقيا (الفرانكفونية). لكن، هل هناك فى السياسة العربية ما يدعم هذا التموقع المغربي؟ وهل هناك الآن، فى واقع ووقائع السياسة العربية، ما يُغرى المغرب ببعث، ولو قليل، من دور الحسن الثانى فى المحيط العربي؟
الصورة فى الممملكة الهاشمية الأخرى فى المشرق – الأردن – قد تبدو مختلفة، ولكن فى الحقيقة هناك نقاط تشابه كثيرة.
الملك حسين، مثله مثل الحسن الثانى، ثبت فكرة الوطن الواحد فى بلده، خاصة أن الأردن، كان فى أوقات مختلفة، مهدداً برؤى البعض له كوطن بديل للفلسطينيين. الملك حسين، أيضاً، ركز كل الأوراق السياسية فى بلده بيده. وإذا كانت مؤسسة الملكية فى الأردن لا تتمتع بالعبق التاريخى والثراء فى التقاليد، المحيط بأبناء عمومتها فى المغرب، فبالرغم من ذلك، فإنها خلال عهد الحسين، كانت شمس السياسة فى البلد التى يدور فى مداراتها كل القوى والتيارات. ومع هذين العاملين، كان هناك، أيضاً فى الأردن، الدور الخاص للحسين فى السياسة العربية. وكما فى المغرب، كان لهذا الدور الإقليمى أبعاده التى تدعم المكانة وتُعمق الهيبة فى الداخل.
وكما كان الحال مع محمد السادس فى المغرب، فإن الملك عبد الله الثانى فى الأردن، كان عليه، عند الصعود إلى العرش، التوفيق بين مركزية القوة فى القصر ومقتضيات العصر من انفتاح سياسى. كما أنه، أيضاً مثله مثل محمد السادس، كان عليه التفكير فى العوائد السياسية على الدور الاستراتيجى الذى كان يلعبه الأردن زمن والده. والواضح، أنه مثل محمد السادس، رأى، ولا يزال، دوراً مختلفاً لبلده.
التشابه الآخر بين المملكتين، أنه بعد عشرين سنة على وفاة الوالدين، ما زال فِكْر الملكين الابنين يدور فى إطار تطل عليه ظلال الحكم الطويل للآباء. وقد يبدوان فترة عقدين من الزمان طويلة بما فيه الكفاية للجيل الحإلى أن يُحول فكره إلى واقع. لكن فى الممالك، وخاصة العربية، فإن عهود الماضى تبقى حية، حتى بعدما يوارى الثرى أجساد أصحابها.
- كاتب مصرى مقيم فى لندن