شهدت سوق الأدوات التمويلية بمصر نقلة جديدة عقب تنفيذ أول إصدارات آلية – أقل من عام- لأول مرة بالسوق المحلية مؤخرًا، بالإضافة إلى اقتراب ظهور أداة «الصكوك» لأول مرة فى الربع الأول من عام 2020.
يُذكر أن السوق المحلية شهدت تنفيذ أول إصدار لسندات قصيرة الأجل لصالح شركة «بريميوم كارد إنترناشيونال» لمخاطر الائتمان، عبر برنامج إصدار بقيمة إجمالية تصل إلى ـمليار جنيه، بالإضافة إلى تنفيذ إصدار لصالح شركة «راية» القابضة بقيمة 700 مليون جنيه.
فيما كان العامل المشترك بين الإصدارين هو ارتباطهما بالتمويل الاستهلاكى – تقسيط السلع والخدمات – إذ تعمل كل من «برميوم كارد» فى مجال التقسيط، بالإضافة إلى شركة “أمان” للتقسيط التابعة لراية القابضة.
«المال» وجهت تساؤلاتها إلى خبراء سوق المال حول مستقبل الأدوات التمويلية الجديدة «السندات قصيرة الأجل» و«الصكوك»، وهل سيؤدى انتشار نشاط التمويل الاستهلاكى وارتفاع سعر الفائدة إلى توجه ولجوء الشركات نحو أدوات تمويلية ذات أعباء مالية أقل من نظيرتها فى التمويل البنكى، حيث أكدوا أن سوق التمويل تحتاج إلى تنوع الأدوات التمويلية المتاحة أمام الشركات والمشروعات الاستثمارية، خاصة فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة – رغم توجه البنك المركزى إلى خفض سعر الفائدة مؤخرًا- مشيرين إلى أن تنويع الأدوات التمويلية سيساهم فى زيادة الأنشطة الاستثمارية فى السوق وتسريع دورة رأس المال.
وأضافوا أن نشاط التمويل الاستهلاكى – البيع بالتقسيط- والذى انتشر مؤخرًا عقب ارتفاع معدلات التضخم الناتجة عن قرار تحرير سعر الصرف “تعويم الجنيه”، ساهم فى وجود مديونيات كبيرة بآجال زمنية قصيرة يمكن استغلالها فى إصدار سندات قصيرة الأجل –أقل من عام –، ومن ثم فإنه سيكون بمثابة الداعم الرئيسى لإصدار سندات قصيرة الأجل بكثرة خلال الفترة المقبلة.
وأكدوا أن مستقبل نشاط التمويل الاستهلاكى لايزال جاذبًا للكثير من الشركات فى ظل انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، بالإضافة إلى عروض التقسيط بدون فائدة لمدة تصل إلى 10 أشهر مثلما هو الحال فى “برميوم كارد” أو بعروض البنوك المشتركة مع شركات التقسيط بآجال زمنية تصل إلى 6 أشهر بدون فوائد.
وشدد بعض الخبراء على أن السوق بحاجة أيضًا إلى تنويع الأوعية الاستثمارية أمام المتعاملين فى السوق، مثل تأسيس صناديق مؤشرات متخصصة، بالإضافة إلى إتاحة اكتتاب الأفراد فى السندات قصيرة الأجل وسندات التوريق بشكل عام.
وأوضحوا أن وضع الصكوك سيكون مرهونا بنوع الصكوك ذاتها، مشيرين إلى أن الصكوك ستلاقى طلبًا من قطاع كبير فى السوق المحلية، مثلما هو الحال فى السوق السعودية، شريطة الترويج الجيد لها.
يُذكر أن الدكتور محمد عمران، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، قد صرح مؤخرًا بأن الهيئة تدرس الموافقة على أول إصدار من الصكوك بقيمة تتخطى 750 مليون جنيه، متوقعًا تنفيذها فى الربع الأول من عام 2020.
أيمن صادق: سمعة وقوة الشركة المصدرة السبب الرئيسى للنجاح
وقال أيمن صادق، العضو المنتدب بشركة “مباشر إنترناشيونال” لتداول الأوراق المالية، إن السوق المحلية اختلفت بشكل كبير عقب تعويم الجنيه، وهو ما ساهم بشكل مباشر فى زيادة نشاط التمويل الاستهلاكى، فى ظل ارتفاع الأسعار مما تسبب فى توجه المجتمع نحو التقسيط.
وأضاف أن زيادة عمليات التقسيط ساهم فى تكوين مديونيات كبيرة لدى الشركات التى قامت باستغلالها فى إصدار سندات قصيرة الأجل لتمويل احتياجاتها المختلفة، وتوفير السيولة، مشيرًا إلى أن الأعباء المالية للسندات قصيرة الأجل تكون أقل مقارنة بالتمويل البنكى.
وأوضح أن انخفاض سعر الفائدة سيتسبب فى تنشيط سوق التقسيط بشكل أكبر، مما يساهم فى زيادة فرص إصدار سندات قصيرة الأجل بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، لافتًا إلى وجود علاقة طردية بين سعر الفائدة والتقسيط.
ولفت إلى أن قوة الشركة المصدرة للسند وسمعتها تعد عنصرا مهما جدًا فى نجاح الإصدار، إذ يتطلب لنجاح ومشاركة المؤسسات فى تلك النوعية من السندات وجود تصنيف ائتمانى مرتفع، مؤكدًا أن السندات قصيرة الأجل أقل تكلفة من القروض البنكية.
وأشار إلى أن الصكوك مطلوبة فى السوق المحلية، موضحًا أن الإقبال عليها سيكون مرتبطا بإعلان التفاصيل الخاصة بنوع الصكوك المستهدف إصدارها، والضوابط الخاصة بكيفية تداولها وموقف شركات السمسرة والأفراد.
وتوقع انتشار أدوات الدين الثابت سواء السندات أو الصكوك المصدرة من الشركات فى ظل انخفاض متوقع لسعر الفائدة ومن ثم تراجع العوائد على السندات الحكومية وأذون الخزانة.
طارق أباظة: سعر الفائدة لا يزال مرتفعًا والسوق تحتاج إلى أداوت تمويل متنوعة
وقال طارق أباظة، العضو المنتدب لشركة النعيم لتداول الأوراق المالية، إن السوق المحلية فى مسيس الحاجة إلى أدوات تمويلية مختلفة تسهم فى تحقيق التنوع المنشود بالسوق، فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة على القروض البنكية.
وأضاف أن ارتفاع سعر الفائدة تسبب فى توجه الشركات نحو أدوات تمويلية جديدة مثل السندات قصيرة الأجل، موضحًا أن وجود مديونيات كبيرة لدى الشركات سمح لها بإصدار سندات توريق قصيرة الأجل تحملها أعباء مالية أقل، مشيرًا إلى أن نشاط التمويل الاستهلاكى وانتشاره سيكون داعما رئيسيا لاستمرار إصدار سندات قصيرة الأجل.
وأوضح أن السوق تحتاج إلى خفض جديد لسعر الفائدة والعودة لمستويات ما قبل ثورة يناير 2011، مشيرًا إلى أن سوق الأسهم تمر بمعاناة خلال الفترة الراهنة، وتحتاج إلى شركات جديدة وأدوات وآليات تسهم فى جذب السيولة لها.
أيمن أبو هند: يجب العمل على دخول الأفراد بإصدارات التوريق المختلفة
وقال أيمن أبوهند، الشريك المؤسس بشركة “أدفيسبل ويلث إنجينز” للاستثمارات المالية، إن سعر الفائدة المرتفع وارتفاع تكلفة الطرح بالبورصة، تسببا فى لجوء الشركات إلى أدوات تمويلية أخرى مثل التوريق والسندات قصيرة الأجل.
وأضاف أن تكلفة إصدار سندات توريق قصيرة الأجل أقل بكثير من نظيرتها الخاصة بالقروض البنكية، مشيرًا إلى أن الشركات تستطيع تحقيق ربح من خلال آلية التوريق بخلاف البدائل الأخرى، فى ظل وجود طلب مرتفع بسوق التوريق يقابله حاليًا عرض آخذ فى الارتفاع.
وأكد أن مشاركة الأفراد واستفادتهم من إصدارات التوريق المتعاقبة وعدم قصرها على البنوك، أمر لابد منه لتوسيع حجم سوق التوريق وإيجاد قنوات تجذب السيولة الوارد خروجها من القطاع المصرفى حال خفض سعر الفائدة مجددًا.
وأوضح أن ارتفاع معدلات التضخم فى عام 2017 أدى إلى انخفاض القوة الشرائية وساهم فى تنشيط قطاع التمويل الاستهلاكى – البيع بالتقسيط- مما أدى فى نهاية المطاف إلى وجود فرص لإصدار سندات توريق قصيرة الأجل مقابل مديونيات التقسيط ذات الأجل الزمنى الأقل من عام.
وشدد على ضرورة تنويع الأوعية الاستثمارية بالتزامن مع تنويع الأدوات التمويلية، مقترحًا إنشاء صناديق مؤشرات متخصصة فى الاستثمار بسندات التوريق، وفتح الاكتتاب العام فى المشروعات العامة والخاصة.
وفيما يتعلق بالصكوك، أكد أن الإقبال على الصكوك سيتوقف على نوع الصك الذى سيتم طرحه بالسوق، سواء صك على أصول الشركة كلها، أو صك مقابل نسبة بالأرباح أو صك على خط إنتاج محدد.
وأوضح أن الهدف من طرح الصكوك كأداة تمويلية يجب أن يكون واضحًا للمسئولين، مشيرًا إلى أن السماح للأفراد بالتعامل على الصكوك المطروحة أمر فى غاية الأهمية، مقترحًا إنشاء صناديق متخصصة للاستثمار فى الصكوك.
وقال حسام حسين، رئيس القطاع المالى بشركة راية القابضة للاستثمارات المالية، إن اتجاه شركته نحو إصدار سندات قصيرة الأجل لأول مرة جاء فى إطار الاستفادة من المحفظة المالية القائمة للمديونيات الخاصة بالشركات التابعة سواء “أمان” للتقسيط أو راية للإلكترونيات.
وأضاف أن السندات قصيرة الأجل ذات الشرائح المختلفة 3 و6 و9 أشهر أقل تكلفة من الاقتراض البنكى، موضحًا أن سندات التوريق قصيرة الأجل ستوفر سيولة مادية للشركة ستستغلها فى تمويل توسعات أنشطة التمويل الاستهلاكى والتمويل متناهى الصغر.
وأكد أن إصدار السندات جاء بسبب رغبة الشركة فى الحصول على تمويل يتوافق مع خطة التوسعات طويلة الأجل، مشير إلى أن القروض البنكية لا تتناسب مع توجهات الشركة فى الفترة الراهنة لارتفاع تكلفتها.