تألق لافت للنظر يشهده قطاع التمويل الاستهلاكى فى الفترة الحالية وتحديدًا منذ بداية العام الجاري، عقب تحقيقه لطفرة واضحة سواء فى جانب تأسيس وإنضمام كيانات جديدة للقطاع او قيام الشركات العاملة بتوفيق أوضاعها والتقدم للحصول على الرخص اللازمة من الهيئة العامة للرقابة المالية.
وتشهد الفترة الراهنة، رغبات متزايدة من قبل شركات الاستثمارات المالية، نحو تأسيس كيانات تابعة فى مجال التمويل الاستهلاكى –البيع بالتقسيط-، وأبرزها شركة «برايم القابضة» التى أعلنت مؤخرًا عن تأسيس شركة «برايم فينتك» للخدمات المالية غير المصرفية والتى ستؤول تحت مظلتها شركة للتمويل الإستهلاكى وآخرى للتخصيم وثاللثة للتأجير التمويلى.
كما أنهت شركة «بلتون المالية القابضة» وإطلاق ذراعها «بيل كاش» للتمويل الاستهلاكي، والتى من المنتظر ان تستهدف التعامل مع الأفراد، اذ حصلت «بلتون» على رخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية مؤخرًا.
كما تسير شركة «ابتكار القابضة» فى اجراءات تأسيس ثانى شركات التمويل الاستهلاكى التابعة لها برأسمال 10 ملايين جنيه، بعدما قامت بتأسيس شركة فى سبتمبر 2019 تختص بتقسيط السيارات.
فيما تعتزم شركة «رواج لتقسيط السيارات» توسيع نشاطها ليضم مجموعة من السلع الآخرى دون الاقتصار على نشاط السيارات.
خبراء: مخاوف المستقبل ورغبة الاحتفاظ بالسيولة المالية أبرز العوامل الداعمة
حاورت «المال» مسؤولى شركات عاملة بالمجال وخبراء بسوق المال لمعرفة الدافع وراء طفرة نشاط التمويل الاستهلاكي بالإضافة الى رسم صورة عن مستقبل النشاط فى ظل المتغيرات العالمية الناتجة عن انتشار جائحة وباء كورونا.
أشار المسؤولون إلى وجود عاملين كانا بمثابة دوافع أساسية وراء تلك التحركات النشطة بالمجال، أولها تأثيرات جائحة الفيروس الجديد، بينما يتمثل العامل الثانى فى وجود قانون منظم، خاضع لرقابة الهيئة العامة للرقابة المالية.
يذكر ان رئيس الجمهورية، أصدر فى مارس الماضي، قانون رقم 18 لسنة 2020 لتنظيم نشاط التمويل الاستهلاكي، وعقبت الهيئة العامة للرقابة المالية، بأن القانون سيضاعف القوة الشرائية للمواطنين ويتيح السداد على آجال تناسب مع دخولهم.
وقال د.محمد عمران رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية إن قانون التمويل الاستهلاكى استحدث إسناد تأسيس شركات مزاولة نشاط التمويل الاستهلاكى والترخيص بمزاولة النشاط للرقابة المالية، و ويتيح القانون للمستهلكين تمويل شراء تلك السلع بالتقسيط على آجال متفق عليها بما يمكن المواطنين من محدودى ومتوسطى الدخل بتوفير احتياجاتهم من هذه السلع وسداد قيمتها على أقساط لعدة سنوات.
وعرفت المادة الأولى من قانون تنظيم نشاط التمويل الاستهلاكى مقدمى التمويل الاستهلاكى بأنهم منتجو السلع أو موزعوها الذين يزاولون نشاط التمويل الاستهلاكى، وطالب القانون من مقدمى التمويل الاستهلاكى الذين يكون نشاطهم الرئيسى توزيع السلع محل التمويل أو بيعها بالحصول على ترخيص من الهيئة والقيد بسجل خاص لديها متى تجاوز التمويل المقدم منهم سنويا الحد الذى يقرره مجلس إدارة الهيئة بشرط ألا يقل عن خمسة وعشرين مليون جنيه.
وأوضح الخبراء أن مخاوف المستهلكين من الأوضاع المستقبلية فى ظل وجود جائحة جديدة، ورغبتهم فى الاحتفاظ بسيولتهم المالية قدر الإمكان، هذا إلى جانب تأثر دخول شريحة كبيرة من المستهلكين المحللين جراء «كورونا» دفع بالمواطنين للتوجه لتمويل احتياجاتهم بالتقسيط.
وتوقع الخبراء أن يستمر النشاط فى تقدمهُ خلال الفترات المقبلة وإحداث طفرات أكبر، سواء باستفادة الشركات القائمة أو تأسيس كيانات جديدة.
شريف سامى: توقعات بمزيد من الطفرات فى النشاط المنظم الفترة المقبلة
بداية قال شريف سامى الخبير المالي، والرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة المالية، إن نشاط خدمات التقسيط متواجد منذ قديم الأزل بالسوق المحلية وخاصة فى مناطق الدلتا والصعيد، فى صورة صغار التجار والموزعين.
وأوضح، أنهُ منذ صدور القانون الذى أقرتهُ الهيئة العامة للرقابة المالية خلال مارس الماضي، ظهر الإقبال بشكل واضح على النشاط، وخاصة مع تقدُم الكيانات القائمة للحصول على رخص مزاولة النشاط.
وأشار سامي، إلى أن القانون أفاد النشاط بـ3 عوامل أولها كونه سيعمل على حماية جميع الأطراف والمتعاملين، وثانيًا سهل اجراءات حصول الشركات على قروض من المؤسسات المالية لتمويل رأس المال العامل، وثالثًا المميزات الضريبية.
وأوضح، أن الخدمات المالية غير المصرفية مثل نشاط التأمين والتمويل العقارى معفاة من ضريبة القيمة المضافة، وهو ما سيجعل تكلفة التمويل التى يتحملها المستهلك الحاصل على خدمة التقسيط أقل.
وأكد الخبير المالى والرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة، أن نشاط التقسيط، ليس بأمر جديد ولكن إلزام الشركات بالحصول على الرخص سلط الضوء عليه، هذا بالإضافة إلى أن النشاط جاء بمثابة إرضاء لتطلعات المستهلكين.
وأوضح أن النشاط لم يقتصر فقط على تمويل سلع أو احتياجات رئيسية وإنما، اتسعت دائرتهُ وشملت رحلات السفر ومصاريف المدارس والجامعات، وأيضًا العمليات الجراحية سواء التجميلية أو غير ذلك واشتراكات النوادى وغيرهُ.
يُذكر أن شركتى «فاليو» و «سهولة» من أبرز الشركات التى تعتزم تقديم خدمات التقسيط للمصروفات الدراسية سواء للجامعات أو مراحل ما قبل التعليم الجامعى وفقًا لما نشرتهُ «المال» سابقًا.
وتابع سامى: وبالتالى وجد فيه المستهلك تغطية شاملة لكافة احتياجه فزاد إقباله وزاد أيضًا التوجه لتأسيس كيانات جديدة.
وتوقع سامى أن يشهد النشاط المنظم أى الشركات الحاصلة على رخص مزاولة النشاط من الهيئة العامة للرقابة المالية طفرة خلال الفترات المقبلة.
حازم مغازى: السوق المحلية قادرة على استيعاب المزيد من خدمات التقسيط
فى حين برر حازم مغازى الرئيس التنفيذى بشركة «أمان للتقسيط» التابعة لشركة «أمان للخدمات المالية غير المصرفية» إحدى شركات «راية القابضة»، حالة النشاط التى يشهدها مجال التمويل الاستهلاكى بمخاوف المستهلكين من المستقبل جراء الجائحة الحالية.
وفسر ذلك برغبة المستهلكين فى الاحتفاظ بسيولتهم المالية قدر الإمكان، وبالتالى تمويل احتياجاتهم عير التقسيط، موضحًا أن الفترات الأولى للفيروس الجديد شهدت إقبالاً كبيراً من المستهلكين على خدمات التقسيط.
وعلى جانب آخر لفت مغازي، إلى أن القانون الذى أقرتهُ الهيئة دعم وضع النشاط أيضًا، لافتًا إلى أن النشاط لديه فرصة للنمو وخاصة فى حجم المستهلكين مع زيادة الكثافة السكانية، موضحًا أن حجم التمويل الاستهلاكى لا يتعدى الـ500 مليون جنيه شهريًا بالفترة الحالية.
شريف العتر: العائد على القطاع يُضاهى فى قيمتهُ عوائد بنوك الاستثمار المتكاملة
وقال شريف العتر، المحلل المالى بقطاع الخدمات المالية غير المصرفية بشركة «برايم القابضة»، إن نشاط التمويل الاستهلاكى يشهد حاليًا طفرة حقيقة فى حجم الكيانات الجديدة المزعم تأسيسها.
وأشار إلى أن بنوك الاستثمار العاملة بالسوق المحلية، اتخذت تلك التحركات كنهج أساسى لها، وذلك عبر تأسيس منصات للخدمات المالية غير المصرفية بقيادة التمويل الاستهلاكي.
ولفت العتر، إلى أن الفترات الماضية أثبتت أن العائد على نشاط التمويل الاستهلاكى الذى تُحققهُ الشركات العاملة بالمجال يُضاهى فى نسبتهُ العائد على مجمل أعمال بنوك الاستثمار.
وأوضح أن كافة التحركات المستقبلية سواء من خلال المبادرات الحكومية أو التوجهات بدعم خطط الشمول المالى من قبل الدولة أيضًا والرغبة فى التحول للرقمنة، تأتى فى صالح شركات التمويل الاستهلاكى وخاصة فى ظل اعتمادها على خدمات البيع أون لاين والدفع من خلال شركات المدفوعات.
وأشار المحلل المالى لدى «برايم»، إلى أن نشاط التمويل الاستهلاكى هو بمثابة كيان لتقديم خدمة غير تقليدية للتمويل، موضحًا أن الظروف الحالية والمتعلقة بالجائحة أفادت شركاتهُ بشكل كبير.
وأوضح أن كافة الشركات العاملة تمكنت من زيادة مبيعاتها خلال الـ6 شهور الأولى من العام، إما بضغط من ضعف السيولة المالية المتاحة أو الرغبة بالاحتفاظ بها فى ظل مخاوف من الظروف المستقبلية جراء الفيروس الجديد.
وعلى سبيل المثال قال المحلل المالى لدى «برايم»، إن شركة «فاليو» باعتبارها واحدة من أكثر الشركات نشاطاً بالمجال حققت ربحية خلال النصف الأول من العام بقيمة 6 ملايين جنيه مقارنة بصافى خسائر خلال العام الماضى بلغ 40 مليون جنيه.
يُذكر أن «المال» كانت نشرت مؤخرًا فى تصريحات للمدير التنفيذى لـ»فاليو» أن تأثيرات الفيروس الجديد جاءت صفرية على الشركة خلال النصف الأول من العام الجاري، فى ظل اعتماد الشركة على مبيعات الأون لاين بشكل كبير.
وفيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية قال العتر، إن التحركات الحالية تُنذر برحلة صاعدة مُنتظرة لشريحة كبيرة من الشركات التى سيتم تأسيسها مستقبلاً.
منى بدير: الجائحة زادت من تباطؤ معدلات الإنفاق الحقيقية
وفيما يتعلق بوضع القوى الشرائية بالسوق المحلية عمومًا قالت منى بدير، محلل الاقتصاد الكُلى بشركة «برايم القابضة» أيضًا، إن معدلات الإنفاق الحقيقى بمصر والتى تُقاس من الناتج المحلى الإجمالي، متأثرة منذ فترة حتى قبل بدء ظهور أزمة «كورونا».
ولفتت إلى أنهُ فى ظل الجائحة زادت معدلات التباطؤ وذلك بسبب تأثر الأجور للعاملين، موضحةً أن %30 من إجمالى المشتغلين بالدولة المصرية وفقًا لآخر مسوح العمل، جاءت بالقطاعات الأكثر تضررًا كالإنشاءات والسياحة والطيران.
وتوقعت بدير أن يواصل معدل الانفاق الحقيقى هدوئهُ خلال الفترات المقبلة، على أن يبدأ فى التعافى بنهاية الربع الثالث من العام المالى الحالى 20-21، ولكن بنسب نمو أقل من %1 وذلك بضغط من اضطرابات سوق العمل، والتوقعات بعدم زيادة الأجور بالفترة المقبلة من قبل الشركات لعامليها بسبب تضرر أوضاعها الداخلية جراء أزمة الفيروس أيضًا.
تجدر الإشارة إلى أنهُ منذ ظهور أزمة الفيروس الجديد وحتى الفترات الحالية تأثر نشاط الشركات العاملة بالسوق المحلية سلبًا بصورة كبيرة، وخاصة بقطاعات السياحة والطيران والإنشاءات وايضًا بعض الشركات العقارية وغيرها، هذا إلى جانب تضرر أوضاع الشركات المعتمدة على التصدير بسبب حالات الإغلاق التام التى شهدتها الدول الخارجية وخاصة فى الفترات منذ مارس الماضى وحتى نهاية شهر يونيو، فيما بدأت تلك الضغوط فى التلاشى قليلاً منذ بداية يوليو الماضي، عقب بدء الحكومات فى الفتح التدريجى لأنشطتها الاقتصادية.