تتمسك الطبقات المتوسطة فى القارة الأفريقية بالتعليم الخاص أملا فى مستقبل جيد للأبناء، حتى فى ظل الضغوط الاقتصادية التى فاقمها التضخم بالسنوات الأخيرة، وهو ما يفتح الباب أمام فرص استثمارية بمليارات الدولارات فى هذا القطاع بالقارة.
مؤسسة IDP Foundation غير الربحية التى تتمركز فى غانا وتعمل على تمويل أنشطة التعليم فى المدارس الخاصة ذات الرسوم المنخفضة، قدرت أن ربع أطفال القارة تلقوا تعليمهم الأولى فى مؤسسات خاصة فى عام 2021، وهو ما يرجح حاجة القارة لاستثمارات فى هذا القطاع بنحو 18 مليار دولار، بالنظر إلى إحصاءات اخرى تتوقع تضاعف عدد سكان أفريقيا بحلول عام 2050، وما قد يرافق ذلك من طلب متزايد على التعليم الجيد.
والاستثمار فى التعليم الخاص بأفريقيا قد يتخذ أشكالاً عديدة، مثل أنشطة بناء المدارس، والتشغيل والإدارة، والتكنولوجيا التعليمية، مع فرص نمو أكثر بروزا فى دول مثل غانا وكينيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا ومصر.
وتزدهر فرص التعليم الخاص فى البلدان الأفريقية بالنظر إلى التحديات المشتركة التى تواجهها أنظمة التعليم العام مثل نقص المعلمين، ومشاكل البنية الأساسية، وضعف الميزانية المالية، وغياب الأنشطة غير المرتبطة بالمناهج.
ومع ذلك قد لا يكون الربح المأمول سهلا من استثمارات التعليم الخاص فى القارة، فباستثناء مدارس وجامعات التعليم الخاص المرتبطة بالمدارس الأم الدولية والتى تستهدف أبناء الطبقات الثرية، تواجه مؤسسات التعليم الخاص الأخرى عقبات مرتبطة بتراجع دخول الطبقات الوسطى فى ظل التضخم، فضلا عن قيود حكومية أكبر فيما يخص المناهج وآلية زيادة المصروفات على النحو الذى يواكب التضخم ويحفظ للمدرسة قدرتها على تقديم تعليم مناسب فى بنية تحتية جيدة ووفق تقنيات حديثة وعلى أساس ربحى جذاب للمستثمرين.
مراحل ما قبل الجامعة.. الأكثر جاذبية فى المستوى «منخفض التكلفة»
على مستوى التعليم الخاص “منخفض التكلفة”، والذى يشكل مجالا لا يستهان به فى ظل تمتعه بطلب أعلى من العرض، يبدو مستوى “رياض الأطفال” وما يليه من مراحل تعليمية قبل الجامعة هى الأكثر فرصا وجاذبية، وفقا لتقرير نشره موقع Africa.com المعنى بالشأن الأفريقى.
واستند الموقع إلى إحصاءات نشرتها مؤسسة IDP Foundation غير الربحية التى تتمركز فى غانا وتعمل على تمويل أنشطة التعليم فى المدارس الخاصة ذات الرسوم المنخفضة، وقالت فيها إن أكبر فرصة استثمارية متاحة فى التعليم منخفض التكلفة هى مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف الثانى عشر، إذ إن هناك حاجة إلى استثمارات تتجاوز 8 مليارات دولار فى هذا القطاع فى جميع أنحاء القارة.
وحسب تقرير “أعمال التعليم فى أفريقيا”، الصادر عن المؤسسة، فإن %25 تقريبا من الأطفال فى البلدان الأفريقية تلقوا تعليمهم الأولى فى مؤسسات تعليمية خاصة، وهو ما يرجح الحاجة إلى استثمارات مستقبلية تتراوح بين 16 إلى 18 مليار دولار.
وأوضح التقرير، أن الربح يظل هو الدافع وراء كل استثمار، وبدون تحقيق الربح على المدى الطويل، لن يهتم المستثمرون بقطاع التعليم الخاص وسوف يتجهون إلى قطاعات أخرى، وعندما يُنظر إلى قطاع التعليم باعتباره مجالا استثماريا، فإنه جذاب لعدة اعتبارات، فهو استثمار يتمتع بإمكانات لتحقيق إيرادات طويلة الأجل، كما أن الطلب على التعليم الخاص أعلى من العرض، علاوة على أن التعليم الخاص ينمو بشكل مطرد فى البلدان الأفريقية.
وذكر التقرير أن الجامعات الخاصة وجدت لعلاج مشكلات الجامعات الحكومية، إذ يحصل الطلاب فى الكليات الخاصة على المزيد من الخيارات فيما يتعلق بموقعها والتخصص الذى يدرسونه.
وعلى سبيل المثال، أشار التقرير إلى أن المؤسسات التعليمية الخاصة فى جنوب أفريقيا تخضع لنفس مستوى الاعتماد والرقابة من جانب الحكومة، إلا أن عدد الطلاب الأقل فى الفصول والكليات يتيح لهم التفاعل بسهولة، كما أن هناك المزيد من أعضاء هيئة التدريس، مما يعنى أنه يمكن للطلاب الحصول بسهولة على الإجابات كلما واجهوا صعوبة فى مادة التعلم.
مصر ونيجيريا تجذبان المدارس الدولية
تتطلع مؤسسات التعليم الأجنبية إلى فرص لتسويق نشاطهم فى أفريقيا خاصة بدول مثل نيجيريا ومصر، بعد الحملة التى شنتها الصين ضد التعليم الأجنبى، وفقا لتقرير نشرته مجلة “فورين بوليسى”.
وأوضح التقرير أن الجامعات البريطانية تعتمد على الطلاب الأجانب الذين يدفعون مقابل حصولهم على التعليم فى المملكة المتحدة، وكثير منهم من هؤلاء الطلاب هم من الصينيين، ولكن منذ أن اتخذت الصين إجراءات صارمة ضد التعليم الأجنبى، تتطلع المؤسسات البريطانية إلى توسيع قاعدتها من الطلاب الأجانب.
وذكر التقرير أن الطلاب النيجيريين يشكلون الآن ثالث أكبر تجمع طلابى أجنبى فى جامعات المملكة المتحدة، إذ قفزت أعدادهم من حوالى 11 ألف طالب فى العام الدراسى 2017 – 2018 إلى أكثر من 44 ألفا خلال العام الدراسى 2021 – 2022.
وبحسب التقرير، فإن المدارس الدولية فى القارة السمراء والتى كانت تُسوَّق ذات يوم لأطفال الدبلوماسيين وغيرهم، تستهدف حاليا السكان المحليين الأثرياء، خاصة فى نيجيريا ومصر، أكبر اقتصادين فى القارة.
وفى مصر، تحاول الحكومة إصلاح نظام التقييم للتركيز على المهارات العملية والحد من أهمية الامتحانات النهائية، وقد أدخلت الحكومة إصلاحات، بما فى ذلك نظام اختبار جديد أكثر رقمنة مع توقع تزويد الطلاب بالأجهزة اللوحية اللازمة فى محاولة لزيادة تعرضهم للتكنولوجيا.
ووفقا للتقرير، يتوسع التعليم البريطانى الخاص بسرعة فى أفريقيا، إذ استهدفت مدارس “كينجز كوليدج” و”أوبينجهام” افتتاح فروع لها فى القاهرة، كما استهدفت مدارس “تشارتر هاوس” أسواقا مثل لاجوس، فى نيجيريا، بعد الترحيب الطويل بالطلاب النيجيريين فى مدارسها بالمملكة المتحدة.
وأشار التقرير إلى أن هذه المدارس الدولية تديرها مؤسسات إقليمية تدفع رسوما للمدرسة البريطانية الأم.
وفى مطلع 2023، نظمت وزارة التجارة الخارجية البريطانية رحلة لمسؤولين من أكثر من 20 مدرسة بريطانية خاصة إلى لاجوس لتنمية الشراكات مع المدارس المحلية والتعرف على ما يبحث عنه الآباء.
وبحسب التقرير، تنفق النخبة فى منطقة غرب أفريقيا أكثر من 37 مليون دولار سنويًا على قطاع التعليم فى المملكة المتحدة.
وذكر التقرير أن أولياء الأمور ينجذبون إلى مقدمى الخدمات التعليمية الأجانب لأنهم يتبعون معايير تدريس أعلى ولديهم إمكانات تمويلية أفضل للتغلب على مشاكل البنية التحتية فى المدارس المحلية.
وقال سوديب لاد، الشريك فى مؤسسة L.E.K. Consulting بسنغافورة والتى تقدم المشورة للشركات بشأن الاستثمار فى قطاع التعليم الدولى: “غالبًا ما تواجه المدارس العامة مشكلات تتعلق بالجودة”.
وأضاف لاد أن هناك تصورا بأن المدارس الخاصة التى تطبق المناهج البريطانية تساعد على الالتحاق بالجامعات الأجنبية.
وأشار التقرير إلى أن المدارس الدولية تتقاضى رسوما باهظة ، ففى نيجيريا، تبدأ رسوم الالتحاق بالمدارس الدولية من 10 آلاف دولار سنويا وقد تصل إلى 32 ألف دولار، فى الوقت الذى يبلغ فيه متوسط الراتب السنوى فى نيجيريا 8 آلاف دولار فقط.
وخلص التقرير إلى أن الجاذبية المتزايدة للتعليم الأجنبى فى مصر ونيجيريا وأماكن أخرى فى القارة تعكس فى نهاية المطاف قضايا حيوية، مثل النمو الاقتصادى الضعيف والتفضيل المزعوم للشهادات الأجنبية من قبل أرباب العمل الأفارقة.
وبحسب التقرير، فإنه فى غياب فرص العمل المحلية وأنظمة التعليم الحكومية الفاعلة، سيستمر الطلاب وأسرهم فى رؤية التعليم الأجنبى على أنه أداة طموحة لبدء حياة جديدة فى الخارج.
تكنولوجيا التدريس.. سوق بقيمة 5.2 مليار دولار فى 2028
يوجه المستثمرون ورجال الأعمال أنظارهم حاليا نحو سوق التعليم الخاص فى أفريقيا إذ يسعون ليس فقط إلى العثور على فرص استثمارية ولكن أيضًا إلى المشاركة فى قطاع يمكنه تنمية القارة، بحسب تقرير لموقع africa.com.
وبحسب التقرير، فإنه مع الأخذ فى الاعتبار أن عدد سكان قارة أفريقيا يبلغ 1.46 مليار شخص، وأن عدد الاشخاص المسجلين فى مؤسسات التعليم العام حوالى 158 مليون شخص، فهناك عائد ديموجرافى طبيعى يشير إلى قاعدة عملاء كبيرة، وهو أمر جاذب لرجال الأعمال والمستثمرين على السواء.
وأوضح التقرير أن التعليم تطور إلى ما هو أبعد من البنية التحتية الخاصة بالمدارس ، فقد أضحى التعليم نظامًا بيئيا متكاملا سيكون موطنًا لمليارات الدولارات من الاستثمارات خلال السنوات القادمة.
وسلط التقرير الضوء على نظام التعليم العام فى بوتسوانا، إذ يبلغ عدد الطلاب المسجلين فى مرحلة ما قبل التعليم الابتدائى 24000 طالب سنويًا، ويقفز هذا العدد إلى 314000 طالب فى مرحلة التعليم الابتدائى، و175000 طالب فى مرحلة التعليم الثانوى، قبل أن ينخفض بشكل حاد إلى 60000 طالب فى مرحلة التعليم العالى. وعلى ذلك، وفقا للتقرير، فهناك فرص لتوسيع قدرات نظام التعليم من المستوى الأساسى حتى التعليم العالى.
وأشار التقرير إلى أن عمليات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد- 19 قد أدت إلى تسريع معدل تبنى تكنولوجيا التعليم، مع ظهور نماذج التعلم عبر الإنترنت، وقد تمكنت مؤسسات تعليمية عالمية تشمل جامعات وكليات من إضفاء الطابع الديمقراطى على الوصول إلى محتواها، وأصبحت منظمات مثل كورسيرا شركات بمليارات الدولارات، لذا يعمل نظام التعليم عبر الإنترنت على خفض الحواجز أمام الوصول إلى التعليم عالى الجودة، وفقا للتقرير.
وتشير الأبحاث الصادرة عن IMARC إلى أن سوق تكنولوجيا التعليم فى أفريقيا ستنمو من 2.8 مليار دولار إلى 5.2 مليار دولار بحلول عام 2028.
وذكر التقرير أن القطاع المالى يلعب دورًا مهما فى المسار المالى لأعمال التعليم، وخلص إلى أن الابتكار فى قطاع التعليم الخاص سيكون حاسماً فى تنمية المهارات والنشاط الاقتصادى فى القارة الأفريقية.
فى جنوب أفريقيا.. ازدهار رغم ارتفاع أعباء المعيشة
يشهد قطاع التعليم الخاص ازدهارًا كبيرًا فى جنوب أفريقيا، إذ يحصل الرؤساء التنفيذيون لأكبر مؤسسات تعليمية مدرجة فى السوق المالية فى جنوب أفريقيا على دخول سنوية تصل إلى 22.36 مليون راند (1.2 مليون دولار)، بحسب تقرير نشره موقع “ بيزنس تيك” الجنوب أفريقى.
وذكر التقرير أن الرؤساء التنفيذيين للشركات التعليمية فى جنوب أفريقيا يواجهون تحديات كبيرة، خاصة فى ظل الوضع الاقتصادى الحالى.
فرغم أن المدارس الخاصة فى جنوب أفريقيا تقدم تعليما عالى الجودة، إلا أن هذه المؤسسات تواجه ضغوطًا هائلة مع مكابدة الاقتصاد للصعوبات ومعاناة الأسر من ارتفاع التكاليف، وفقا للتقرير.
وأوضح التقرير أن هذه الصعوبات الاقتصادية تجعل من الصعب على أولياء الأمور تحمل مصروفات المدارس الخاصة.
أشارت شركة كورو القابضة، وهى إحدى أكبر ثلاث مؤسسات تعليمية فى جنوب أفريقيا، إلى أن الأسر الشابة تضررت بشدة من الارتفاع الهائل فى تكاليف المعيشة فى البلاد، مما أدى إلى انخفاض تسجيل التلاميذ فى المدارس الابتدائية.
ورغم ارتفاع أعباء المعيشة، إلا أن الطلب على التعليم الخاص فى جنوب أفريقيا يرتفع بسبب عدم الرضا عن نظام التعليم العام، الذى يعانى من تكدس الفصول، ونقص التمويل، وانخفاض الجودة، وفقا للتقرير.
وأفاد التقرير أن أولياء الأمور يسعون بشكل متزايد إلى فرص تعليمية أفضل لأبنائهم، مع التركيز على كثافة الفصول الأصغر، والعناية الشخصية، والمرافق المتطورة التى توفرها المدارس الخاصة.
وأوضح التقرير أن المدارس الخاصة غالبًا ما تقدم أنشطة لا ترتبط بالمناهج، وبنية تحتية أفضل، وأداء أكاديميا قويا، مما يجذب الأسر ذات الدخل المتوسط والعالى.
ومع تزايد المخاوف المتعلقة بالسلامة فى المدارس العامة، تجذب المؤسسات الخاصة أيضًا أولياء الأمور الباحثين عن بيئات آمنة ورعاية جيدة لتعليم أبنائهم، مما يزيد الطلب على القطاع، وفقا للتقرير.
ومع ذلك، بحسب التقرير، فإن هذا الطلب، يشكل تحديًا كبيرا للرؤساء التنفيذيين فى قطاع التعليم الخاص، وهو الموازنة بين الاستدامة المالية والحفاظ على معايير عالية للتعليم.
ومع ارتفاع التكاليف التشغيلية مثل رواتب المعلمين وتكاليف صيانة البنية التحتية وتكاليف البنية التكنولوجية ، يجب على المدارس الخاصة إيجاد طرق مبتكرة لجعل المصروفات السنوية التى تتقاضاها فى متناول أيدى أولياء الأمور، وفقا للتقرير.
وأشار التقرير إلى أن الصعوبات الاقتصادية فى جنوب إفريقيا أدت إلى زيادة المنافسة فى قطاع التعليم الخاص ، إذ أضحت بدائل مثل منصات التعلم عبر الإنترنت والمدارس الخاصة ذات الميزانية المحدودة، جاذبة بشكل متزايد لأولياء الأمور الذين يسعون إلى الحصول على تعليم جيد بتكاليف أقل.
وفى هذا السياق، وفقا للتقرير، يجب على الرؤساء التنفيذيين ضمان بقاء مؤسساتهم التعليمية قادرة على المنافسة، ليس فقط من حيث التكلفة، ولكن أيضًا من حيث التميز الأكاديمى.
وبحسب التقرير، يجب على الرؤساء التنفيذيين التأكد من التزام مؤسساتهم بالسياسات الحكومية مع التكيف أيضًا مع اتجاهات التعليم سريعة التطور، مثل التحول الرقمى وطرق التدريس الجديدة.
وقامت منصة “بيزنس تيك” بفحص رواتب الرؤساء التنفيذيين لأكبر ثلاث شركات تعليمية مدرجة فى بورصة جوهانسبرج (JSE) ، وهى ADvTECH Limited وCurro Holdings Limited وSTADIO Holdings Limited لتحديد دخلهم فى العام الماضى.
وحصل الرئيس التنفيذى السابق لشركة ADvTECH روى دوجلاس، على 22.36 مليون راند (1.2 مليون دولار)، وهو الرئيس التنفيذى الأعلى أجراً فى هذه القائمة.
ويشمل هذا الرقم الراتب الأساسى والحوافز قصيرة الأجل والمكافآت النقدية والمزايا الأخرى.
ويمثل دخل دوجلاس ثلاثة أضعاف الراتب المدفوع لكوبس لوبسر من شركة Curro، الذى حصل على أصغر دخل وهو 8.37 مليون راند (470 ألف دولار).