يعتبر التجميع المحلى فرس رهان شركات السيارات للمنافسة فى السوق المحلية خلال السنوات الخمس المقبلة؛ عبر الاستفادة من الحوافز وأوجه الدعم التى ستقدمها الدولة لهذا القطاع؛ كما أكد مسئولون بشركات السيارات وكذلك بجهات حكومية ذات صلة بملف إستراتيجية تطوير الصناعة.
يأتى ذلك فى وقت تم فيه وضع ضوابط مشددة على السماح بالإفراج الجمركى عن السيارات القادمة من الخارج، والتى من بينها ضرورة وجود وسادتين هوائيتين وتوافر مراكز الخدمة المعتمدة لتقديم خدمات ما بعد البيع والصيانة للعملاء، فضلًا عن توافر قطع غيار تكفى 15% من السيارات الموجودة بالسوق المحلية، وأعقب ذلك تشديد الإجراءات المتعلقة بفتح الاعتمادات المستندية اللازمة لاستيراد السيارات الكاملة.
ويؤكد هؤلاء أن الإستراتيجية قد لا تؤتى ثمارها فى الأمد المنظور بالضرورة؛ ولكنها ستكون وسيلة نهوض للصناعة المحلية ولإنتاج مكونات السيارات خلال الأمد المتوسط،
وذلك حال اعتمادها وبدء التنفيذ بشكل سريع، بالتزامن مع اعتماد الوكلاء المحليين لخطط تطوير لمنتجاتهم، بحيث يتجهون إلى تصنيع موديلات حديثة، غير مكتفين بطرازات توقف إنتاجها فى الأسواق الخارجية.
وأعلن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، خلال الشهر الماضى إطلاق إستراتيجية تنمية صناعة السيارات، خلال زيارته للمنطقة الصناعية بشرق بورسعيد، التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس؛
موضحًا أن الهدف الاستراتيجى للدولة المصرية هو تعميق صناعة السيارات، وكذلك الصناعات المغذية لها، لتشجيع الاعتماد على الإنتاج المحلى بقدر الإمكان، مع الاستمرار فى الالتزام بكل اتفاقيات التجارة الحرة التى وقعت عليها مصر.
وجاء إطلاق الإستراتيجية بعد عقد مجموعة من اللقاءات مع عدد من كبار المصنعين للسيارات الدوليين والمحليين، بغرض تعميق الصناعة المحلية والحدّ من فاتورة الاستيراد التى بلغت، خلال العام الماضى، أكثر من 4 مليارات دولار، مع توقعات بأن تتضاعف هذه الفاتورة خلال 10 سنوات، بفضل النمو الاقتصادى الذى يحدث.
فى هذا الصدد يوضح علاء السبع، رئيس شركة السبع أوتوموتيف، وعضو مجلس إدارة الشعبة العامة للسيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن الإعلان عن إطلاق الإستراتيجية الخاصة بتطوير صناعة السيارات ومكوناتها تزامن مع الإعلان عن عدد من المشروعات الضخمة فى القطاع،
وأعقبها إعلان بعض الشركات دراسة فرص الاستثمار والتوسع بغرض استغلال الفرص القائمة والاستفادة من الحوافز التى ستقدمها استراتيجية النهوض بالصناعة فى صورة خصومات ضريبية أو جمركية.
لكنه يشير إلى أن هذه الخطط والدراسات تتعلق بمشروعات طويلة أو متوسطة الأجل؛ وبما لا يقل عن عامين من الآن فى حال اعتماد الاستراتيجية بشكل نهائى، وبدء تنفيذ إجراءاتها المتعلقة بتسهيلات وحوافز للمصنعين المحليين،
مشيرًا إلى أن تدشين مثل هذه المشروعات يتطلب إجراءات كثيرة، وبحث سبل تمويل الاستثمارات الجديدة، فضلًا عن التعاقد مع مصنعى المكونات المحليين أو مع الشركات العالمية لتوفير احتياجات التصنيع فى مصر.
يُذكر أنه تم، خلال الشهر الماضى، توقيع مذكرة تفاهم رباعية بشأن توطين صناعة السيارات والصناعات المغذية فى المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد، بقدرة استيعابية لتصنيع 75 ألف مركبة سنويًّا كمرحلة أولى وإقامة مجمع تصنيع السيارات المشترك EPAZ،
وذلك بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وصندوق مصر السيادى وشركة شرق بورسعيد للتنمية والشركة المصرية العالمية للسيارات.
وأشار السبع إلى دعم الدولة المصرية بكل السبل لنشاط التجميع المحلى، الأمر الذى انعكس فى إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى وقت سابق، استثناء واردات مكونات الإنتاج والمواد الخام اللازمة للتصنيع من تطبيق الإجراءات المتعلقة بالاعتمادات المستندية والاكتفاء بمستندات التحصيل لتسهيل عمليات الاستيراد، وضمان استمرارية التشغيل بخطوط الإنتاج، خاصة فى ظل توفير هذه المصانع لآلاف فرص العمل للمصريين.
ولفت إلى ضرورة تسريع الإجراءات الحكومية المتعلقة بمنح التراخيص والتسهيلات للشركات الراغبة فى الاستثمار، خاصة فى المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد، التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس،
موضحًا أن أهمية عملية تسهيل الإجراءات تزداد بالنظر إلى الأزمات والتحديات التى تواجهها صناعة السيارات فى الوقت الحالى على مستوى العالم، فى ظل نقص المكونات وصعوبات الشحن الدولى وارتفاع الأسعار، فضلًا عن تباطؤ الطلب فى ظل تغير أولويات الكثير من العملاء وعدم انتظار سلاسل التوريد.
ولفت إلى أن أهم ما يميز العديد من المشروعات التى تم الإعلان عنها أنها لا تستهدف السوق المحلية فقط بمنتجاتها، لكن التصدير أحد محاورها أيضًا،
وهو ما سيسهم فى توفير عملة صعبة ستخفف الضغوط عن موازنة الدولة المصرية، وستسهم فى زيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى،
كما ستساعد فى تعزيز التنافسية للسيارة المحلية، من خلال خفض الأسعار بالاعتماد على الإنتاج بالحجم الكبير والحوافز التى ستقدمها الدولة.
وأعلن، فى وقت سابق، التوقيع على مذكرة تفاهم بين «الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة» وشركة «سوميتومو إيجيبت»، لإقامة أكبر مصنع لشركة سومیتومو اليابانية على مستوى العالم لتصنيع الضفائر الكهربائية للسيارات والمركبات، بنظام المناطق الحرة، على مساحة 150 ألف متر مربع بمدينة العاشر من رمضان.
وتعمل الشركة بالفعل فى مصر فى مجال تصنيع ضفائر السيارات، وتصدر كل منتجاتها إلى معظم الشركات العالمية المصنعة للسيارات بأوروبا والشرق الأوسط، من خلال ثمانية مواقع إنتاجية موزعة بين كل من محافظة بورسعيد ومدينتى العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر،
منوهًا بأن شركة سومیتومو توفر ما يقرب من 10 آلاف فرصة عمل، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد بعد الانتهاء من كل التوسعات الجديدة للشركة بمصر،
ومقرر أن يتم تصدير كامل إنتاج المصنع الجديد للخارج، مما يسهم فى رفع حجم الصادرات المصرية وزيادة موارد الدولة من النقد الأجنبى.
وأشار السبع إلى أن هذا التوجه نحو تعزيز التجميع المحلى ودعمه لا ينفى الحاجة إلى السيارات المستوردة، بل إنها ستظل تنافس بقوة أيضًا داخل السوق، وهو ما سينعكس فى تواجد الكثير من البدائل أمام العملاء، ومن ثم ضبط الأسعار.
وأوضح منتصر زيتون، عضو مجلس إدارة الشعبة العامة للسيارات، رئيس شركة الزيتون أوتو مول، أن الحوافز التى تقدمها استراتيجية النهوض بصناعة السيارات ستسهم فى توفير بدائل متنوعة بالسوق المحلية، حال اعتماد شركات السيارات خطط التطوير وطرح المنتجات الحديثة بالسوق المحلية، وعدم الاكتفاء بتجميع طرازات قديمة أو توقف إنتاجها بالأسواق العالمية.
وأشار إلى أن التصنيع المحلى فى الغالب يعتمد على الطرازات القديمة، باستثناءات محدودة، كتلك التى تقدمها الهيئة العربية للتصنيع حين تصنع طرازًا من جيب أو تويوتا؛
فى حين تظل العديد من الشركات الأخرى الناشطة فى مجال تجميع السيارات تعتمد بشكل كامل على تجميع طرازات توقف إنتاجها فى الخارج من قبل الشركة الأم، رغم الاستفادة من الخصومات الجمركية على مكونات الإنتاج والاستثناءات التى تقرها الدولة على واردات هذا القطاع.
ولفت إلى أن الوكيل المحلى يعتمد فى تدبير مكونات الإنتاج على التزام الشركة الأم بتوفير قطع الغيار لمنتجاتها العالمية لمدة 10 سنوات،
وحين تتوقف عن إنتاج هذه القطع يلجأ الوكيل إلى وقف الإنتاج المحلى لهذه الموديلات القديمة، وهو ما يؤدى للاعتماد على سيارات غير قادرة على المنافسة فى الخارج وبأسعار مرتفعة فى الداخل لعدم وجود بدائل.
وأكد أهمية أن يكون الوكلاء المحليون على مستوى الحدث بحيث يتبنون خطط إنتاج طرازات حديثة وبكميات كبيرة، سواء للسوق المحلية أو للتصدير،
وهو ما سيسهم فى خفض السعر وتنشيط حركة البيع والشراء والنهوض بصناعة السيارات المحلية بشكل عام، مشيرًا إلى أن حجم مبيعات مصر من السيارات لا يتناسب مع عدد السكان، خاصة إذا تمت مقارنة النسبة بالوضع فى دول مثل السعودية أو غيرها.
وقال مصدر مسئول بوزارة التجارة والصناعة إن الدولة تتبنى سياسة دعم تصنيع السيارات ومكوناتها عبر منح الحوافز للمصنعين فى صورة خصومات جمركية أو ضريبية،
وذلك بناء على منجزاتهم فى عدة محاور؛ أبرزها الإنتاج الكمى للسيارات ونسبة المكون المحلى وإنتاج السيارات النظيفة صديقة البيئة، إضافة إلى التصدير.
وأوضح أنه يجرى العمل على وضع الاستراتيجية فى إطار قانونى تمهيدًا لعرضها على مجلس النواب لمناقشتها واعتمادها؛
لافتًا إلى أنه تمت مناقشة كل مقترحات وبنود الإستراتيجية مع الشركات المصنّعة، وبمشاركة العديد من الجهات الحكومية المهتمة بملف التصنيع المحلى،
مشيرًا إلى أن هناك شبه اتفاق على هذه البنود، ومع ذلك تم الاتفاق بين جميع الجهات على عدم نشر بنود الإستراتيجية في الوقت الراهن لحين الانتهاء من صيغتها النهائية.
ولفت إلى أن الإستراتيجية بحوافزها ستكون نقطة انطلاق لصناعة السيارات المحلية ومكوناتها وستدعم المركز التنافسى للشركات المصرية؛ سواء فى الداخل أو فى الخارج عند التصدير.