فيما تتجه دول الجبهتين العربيتين الجنوبية والشرقية مع إسرائيل، وباستثناء سوريا ولبنان فى الشمال الشرقى، لأسبابهما، نحو المزيد من التلاحم البينى عبر قمم “المشرق الجديد”، ومع السلطة الفلسطينية.. إلى قمة جوار العراق للعودة به لدوره الإقليمى والعروبي، ذلك فى مجال استعراضهم- ضمنًا- الرؤى الخاصة بعملية السلام مع إسرائيل على أساس “حل الدولتين”، فى حين يبدو قادة إسرائيل على الجانب الآخر منقسمين بشأنها ما بين “ضم الأراضى المحتلة” أو “حل وسط إقليمي”، كما للتطرف القاصر بشأن السعى إلى تحقيق السلام من مركز القوة المطلقة، ما يحقق للمشروع الصهيونى استكمال بناء “إسرائيل الكبرى”، ذلك على النحو الذى قادها إليه “بن جوريون”.. منذ الثلاثينيات نحو “مجتمع حرب”.. يخوض به “حزب العمل”- المؤسس للدولة- حروبًا متتالية مع العرب، لتطويعهم، قبل أن تبادر مصر بكسر نظرية ذراع إسرائيل الطويلة فى العام 1973، إيذانًا بفضّ الاشتباك العسكرى بينهما.. وصولًا إلى اتفاق سلام 1979، لم يحُل دون استمرار عدوانيات إسرائيل فى تدمير المفاعل النووى العراقى 1981، وفى الحرب على لبنان 1982، ناهيك عن اغتيالها قادة فلسطينيين، إلى أن أقرّ المؤتمر الدولى للسلام فى مدريد 1991 مبدأ التفاوض “ثنائى المسار”، ما أدى إلى اتفاقيتى “أوسلو”، و”وادى عربة”، بين إسرائيل وكل من الفلسطينيين والأردن منتصف التسعينيات، على أن تستكمل لاحقًا فى المناطق A.D.C، إلا أن حال عنها منذ انتهاء المرحلة الدبلوماسية التى قادها حزب العمل، باغتيال رئيسه 1995، وليتولى اليمين المتشدد بعده تجميد عملية السلام لربع قرن تال.. دارت خلاله الحروب الإسرائيلية على لبنان وقطاع غزة، وإلى أن أفرزت الانتخابات الإسرائيلية فى العام 2021 ائتلافًا حكوميًّا هشًّا- كبديل لحزب الليكود- من اليمين والوسط واليسار إلى جانب أعضاء عرب وإسلاميين، لأول مرة فى التاريخ السياسى لإسرائيل منذ زرعها فى الأرض العربية 1948.
إلى ذلك، يسعى الائتلاف الإسرائيلى الجديد إلى الاستقواء داخليًّا على معارضيه، بكل من مصر والإدارة الديمقراطية الأميركية، ذلك على النحو الذى يستبين من خلال الزيارة المزمعة لرئيس الحكومة “بينيت” إلى القاهرة، من بعد لقائه الرئيس الأميركى فى واشنطن أغسطس الماضى، وبالتوازى مع قمة مصرية- أردنية -فلسطينية.. تمهد لإحياء المفاوضات حول عملية السلام، سوف يليها اجتماع لاحق فى عمان، فى أعقاب ما سوف تسفر عنه زيارة “بينيت” للقاهرة، وفى سياق موازٍ لما جرى فى لقاء الرئيس الفلسطينى مع وزير الأمن الإسرائيلى “جانتس” الذى قد يشكل بداية انعطاف فى العلاقات الفلسطينية مع الإسرائيليين، ذلك فيما يبدو من لقاء “بينيت” و”بايدن”، مناقشتهما، “مقاصة” إن جاز التعبير لما بين التبِعات الإقليمية للمفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووى.. وبين إمكان الإسهام لما يتعلق بالتسويق الأميركى مع إسرائيل بشأن التوصل إلى “حل الدولتين”، موضع الإلحاح من جانب “بايدن”، ما قد يلزم البيت الأبيض إبداء تدخل أكبر للضغط على إسرائيل فى هذا الشأن، وفى إطار ملفات إقليمية هامة (..) تحمل لإسرائيل تحديًا مزدوجًا، سواء لضعف معادلة الردع على ساحة الحدود الإسرائيلية مع كل من سوريا ولبنان، أو لخضوعها من جانب آخر لتأثير ميليشيات إيران ووكالاتها المحلية فى الشمال الشرقى لإسرائيل، وكأنها أشبه بحرب سامية- فارسية، تتصدع إزاءها قوة الردع الإسرائيلية ما لم ترفع مستوى تنسيقها مع الولايات المتحدة (الممسكة بطرفى خيوط المقاصة الإيرانية- الإسرائيلية)، بحيث قد لا تعطى لإسرائيل إجابات شافية عن رغبتها فى ضم الأراضى الفلسطينية المحتلة إليها، خاصة وإسرائيل منقسمة من الداخل بشأنها بين “الضم” و”الحل الوسط الإقليمي”، أى ما بين ديمقراطيتها العلمانية أو عنصريتها الواحدية، ما يتعين على الفلسطينيين ضرورة سد كل ثغرات الانقسام فيما بينهم- بحيث لا تنفذ من خلالها محاولات تعميق إسرائيل لتقسيمهم، على غرارها من خلافات يهودية متجذرة أشبه “بالجنون المطبق”، تاريخيًّا.
خلاصة القول، فيما قد تبدو المواقف العربية أقرب إلى المزيد من الصلابة، بالمخالفة عن سابق ما كان بينهم من تداعيات، غيرة دبلوماسية غير مفهومة أو مبررة بالمطلق، فإنه لا مفر لإسرائيل مع تصدع قدرتها على الردع إلا الهروب للأمام نحو السلام، كأهون الشرين، ما بين خطر البقاء فى شظف مجتمع حرب أو القبول بشرور تخشاها على مجتمعها الموزاييكى جراء الالتحام السلمى مع محيط أوسع من مركزها، يمكنه ابتلاعها، إلا من محاولتها الوقيعة الأيديولوجية التى اصطنعتها إسرائيل مطاع الثمانينيات لتصفية قضية فلسطينية لن تموت، ولحساب قوى من خارجها ترى من مصلحتها إبقاء الصراع على جموده المشتعل، ومن دون إعمال الأساليب الإجرائية لـ”التجريب” كضرورة تسوية مباشرة بين العرب وإسرائيل.