تحتل الأنشطة التأمينية مكانة مهمة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة، حيث إنها من بين العوامل الرئيسة للنظام الاقتصادي وجزء مهم في حياة الأفراد والمؤسسات، بينما يحد قطاع التأمين الصحي، على الصعيد النفسي، يحد التأمين الصحي من الخوف الناتج عن فقدان الوظيفة بسبب المرض أو الإعاقة، أما على الصعيد الاقتصادي، فإن فقدان الوظيفة يقود الفرد إلى الحرمان والفقر.
وكذلك فإن أنظمة التأمين الاجتماعي تلعب دورا مهما وفعالا في بناء المجتمع واستقراره والعمل على دعمه اقتصاديا، حيث أصبحت ضرورة لا غنى عنها في حياة الفرد والمجتمع، ولا يوجد لها بديل، إضافة إلى أنها ظاهرة صحية وعلاج اجتماعي فعال أثبت فعاليته في بناء مجتمع سليم معافى، لا سيما أن المجتمع المصري يعاني، في شق كبير منه، الفقر ورضوخ أعداد كبيرة منه تحت مؤشر العوز العالمي.
والجراف التالي يوضح تطور متوسط الأسر المصرية منذ 2004 وحتى 2020، وفقا لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء:
“المال” ترصد في تلك الدراسة أثر التأمينات الاجتماعية على تحقيق الرفاهة والاجتماعية والأمن والاطمئنان لأصحابها، عبر الاطلاع على دراسات أجراها باحثون في ذلك الشأن.
التأثير الإيجابي الذي يتركه التأمين الاجتماعي في حياة الفرد
كشفت دراسة عبد الرحمن شداد بعنوان “التأمينات الاجتماعية كنظام اجتماعي في التنظيمات من خلال نظية الأنساق الاجتماعية” التي حصلت “المال” على نسخة منها، أن نظم التأمين الاجتماعي بمثابة علاج نفسي للمخاوف والأمراض التي تُؤثر على العمال وتُصيبهم، ويتحقق ذلك من خلال تعويضات أو حقوق التقاعد التي يوفرها التأمين الاجتماعي، سواء لهم أو لأسرهم من بعدهم، إضافة إلى تغطية علاجهم حال الإصابة بعجز عمل.
وأشارت الدراسة المنشورة بـ”مجلة سوسيولوجيا – الجزائر” إلى أن أسرة العامل قد يقع على عاتقها أعباء مادية يحتاجون إليها، خاصة إذا كانت تلك الأسرة فقيرة وغير قادرة على تحمل النفقات، ما يضعف الروابط الأسرية بين أفراد العائلة، بينما يلعب التأمين الاجتماعي، هنا، دورا في ترسيخ وتقوية الروابط الأسرية بين الآباء والأبناء، حتى لا يُدمر الإنسان ويحطم نفسه المعنوية أكثر من شعوره بأنه لم يعد مفيدا لأحد.
وبيّنت أن التأمين الاجتماعي، من خلال دوره كوسيط عادل بين العامل وأصحاب العمل، يعمل على ترسيخ وتثبيت العلاقات العمالية، من خلال تحصيل الاشتراكات المستحقة من العامل وصاحب العمل، بينما يتم دفعها للعمال عند استيفاء لشروط الاستحقاق، ما يمنع وقوع نزاعات بين العامل وصاحب العمل.
وأوضحت أن ذلك النوع من التأمينات يشجع العامل بسوق العمل على الإفصاح عن أماكن عمله وأصحاب العمل وطبيعة المهام التي يقوم بها، ما يساهم في تكوين صورة أوضح عن القطاع الخاص، كما يدفع أصحاب العمل على أن يكونوا أكثر ثقة وشفافية بشأن مستويات الأجور، خاصة في ضوء تزايد عدد العمال الذين يتعين على أصحاب العمل الكشف عنهم.
وأوضح الباحث أن التأمين الاجتماعي يلعب دور الضمان من خلال توفير تعويضات مناسبة أو تخصيص راتب تقاعدي، يضمن للعامل حياة كريمة لبقية سنين عمره، من خلال راتب تقاعدي يتقاضاه.
وللاطلاع على الدراسة كاملة من هنا:
تأمين الضمان الاجتماعي وبناء الدولة
بينما تناولت دراسة محمد جودت الشاعر في جزئها النظري عن التأمين الاجتماعي أن التأمين الاجتماعي في بناء الدولة، يكمن في كونه أداة فعالة في دعم الاقتصاد الوطني، بسبب ارتباطه بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال زيادة المدخرات الوطنية، حيث تمثل اشتراكات ذلك النوع من التغطيات مصدرا مهما للمدخرات الوطنية، التي يمكن استخدامها لتمويل مشاريع التنمية والاستثمارات في مختلف قطاعات الاقتصاد، مثل البنية التحتية والصناعة والزراعية، ما يساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي.
وبيّن الباحث بدراسته المقدمة للحصول على درجة الدكتوراة من جامعة المنصورة، أن التأمينات الاجتماعية تعد حماية للقوة الشرائية للعمال، إذ تساعد إصابات الضمان الاجتماعي، مثل رواتب التقاعد الشيخوخة ورواتب التقاعد عند العجز وإعانات البطالة، على حماية القوة الشرائية للعمال وأسرهم، خاصة خلال فترات الأزمات الاقتصادية، ما يساهم في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والحد من الفقر، وهو بدوره يحقق العدالة والمساواة الاجتماعية، وتعزيز العدالة والمساواة الاجتماعية، عبر توفير شبكة أمان للفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، مثل كبار السن والمعاقين والعاطلين عن العمل.
وفيما يلي نص القانون رقم 148 لسنة 2019 الخاص بقانون التأمينات الاجتماعية، بنسخته المنشورة بالجريدة الرسمية:
وكشفت الدراسة أن أنظمة التأمين الاجتماعي تسهم في تنمية رأس المال البشري من خلال توفير حوافز للعمال للاستثمار في تعليمهم وتدريبهم، ويمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة الإنتاجية والتنافسية في الاقتصاد، لا سيما أنه يمكن أن يكون منصة لتعزيز الحوار الاجتماعي والشراكة الثلاثية بين الحكومات وأصحاب العمل والعمال، وبناء توافق في الآراء حول السياسات الاجتماعية والاقتصادية والمساهمة في مجتمع أكثر شمولية وديمقراطية، لحماية المجتمع من الفساد والتفكك، من خلال توفير تأمينات الشيخوخة والعجز والوفاة الطبيعية وإصابات العمل.
وأفادت بأن التأمين الاجتماعي عامل أساسي للحفاظ على القوى العاملة الفنية، من خلال توفير العلاج للمصابين على نفقته الخاصة، ما يسمح لهم بالعودة إلى سوق العمل بسرعة لممارسة دورهم الوطني في تنمية المجتمع، ما يعمل على حماية رأس المال البشري، ويؤدي إلى آثار إيجابية على الإنتاج الوطني الناشئة عن زيادة قدرة الأفراد على العمل.
ولفتت إلى أن التأمين الاجتماعي يحفظ القطاع الخاص من التعرض للأزمات المالية نتيجة الالتزام بدفع تعويضات لموظفيه أو الوفاء بحقوقهم القانونية، بينما يحل التأمين الاجتماعي محل صاحب العمل في الوفاء بالالتزامات التي يلتزم بدفعها للعامل، وينتقل عبء مكافأة نهاية الخدمة وإصابات العمل وأمراض العمل والإجازات المرضية والعلاج في حالات الإصابة من صاحب العمل ويتحمله التأمين الاجتماعي، وبالتالي، لا مجال للنزاعات بين العمال بشأن الحصول على حقوقهم.
وذكر الباحث بدراسته أن التأمين الاجتماعي يحمي صاحب العمل من الإفلاس في حال إلزامه بدفع مكافأة نهاية الخدمة أو تعويض نهاية الخدمة لعدد كبير من العمال أو غيرهم، حيث يكون في هذه الحالة مشاركا عن عماله في أموال التأمين الاجتماعي، بينما يخفف التأمين الاجتماعي الأعباء المالية والالتزامات الملقاة على الدولة من أجل تقديم المساعدة لمن يحتاج إليها، ويرفع مستوى المعيشة للأفراد المحاطين به.
ويمكن الاطلاع على كامل الإطار النظري لدراسة الشاعر من هنا: