فرضت الأزمة المالية العالمية ضرورة اعادة النظر في العديد من المفاهيم والنظريات الاقتصادية، التي كانت تنادي بانتصار السوق وتراجع دور الدولة، وتنامي دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية، بل بدأت أهمية اعادة النظر في دور القطاع التعاوني في تقديم الخدمات بما يحقق عملية التكامل بين القطاع الخاص والقطاع العام، وبالنظر إلي الوضع التعاوني في مصر نجد أن القطاع التعاوني تأثر بتطبيق سياسة التحرر الاقتصادي ومن ثم أصبح في حاجة ملحة لاعادة هيكلته وتطوير تشريعاته وأساليب نشاطه وتبني بدائل تمويلية جديدة لهذا النشاط وتنمية قدراته البشرية بما يمكنه من التحرك بتنافسية مع القطاعات الأخري حتي يتمكن من تحقيق دوره في التنمية واستعادة دوره في المساهمة في تنفيذ الخطط الاقتصادية والاجتماعية بعد أن ظل هذا الدور معطلاً لفترة من الزمن في الوقت الذي ارتكز فيه العالم المتقدم في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية علي هذا القطاع.
وبصفه عامة يشير مفهوم التعاون، إلي الترابط بين مجموعة من الأفراد علي أساس من الحقوق والالتزامات المتساوية للتغلب علي ما قد يعتزضهم من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية أو السياسية أو القانونية ذات الارتباط الوثيق والمباشر بمستويات معيشتهم سواء كانوا منتجين أو مستهلكين.
في هذا السياق قالت منال متولي، رئيس مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية إن للقطاع التعاوني دور ملحوظ في العديد من الدول، ففي الهند علي سبيل المثال يقدم القطاع التعاوني الزراعي كل الخدمات و17% من القطاع المصرفي داخل الاتحاد الأوروبي عبارة عن بنوك تعاونية وفي ألمانيا جميع المزراعين أعضاء في الجميعات التعاونية وما يقرب من 75% من التجار أعضاء في التعاونيات.
وأوضحت متولي أن هناك ما يقرب من 13 ألف جمعية تعاونية تغطي 12 مليون أسرة في مصر، فالقطاع التعاوني يلعب دوراً محورياً اذ يوفر السلع للمستهلكين بأسعار مناسبة ويقوم بعملية توفير مستلزمات الانتاج والتسويق للمشروعات الصغيرة.
وأشارت متولي إلي أن أكبر المشاكل التي تواجه القطاع التعاوني في مصر يتمثل في غياب الموارد المالية المناسبة وعدم ملاءمة الوضع التشريعي الحاكم للقطاع التعاوني.
محمود عبدالفتاح: النظام التعاوني يشهد انتشاراً واسعاً علي المستوي العالمي
فيما أوضح محمود منصور عبدالفتاح، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر، الأمين العام للاتحاد التعاوني العربي، ان النظام التعاوني يشهد انتشاراً واسعاً علي المستوي العالمي، فعلي سبيل المثال يبلغ عدد أعضاء التعاونيات علي مستوي العالم نحو 800 مليون تعاوني، وتقدر الأمم المتحدة أن نحو نصف سكان الأرض يستفيدون بدرجة أو أخري من التعاونيات.
ففي قارة آسيا يوجد 43.3 مليون عضو في تعاونيات الاقراض، وفي الأرجنتين توجد 12670 جمعية تعاونية تضم في عضويتها أكثر من 9 ملايين نسمة أي نحو 25% من السكان وفي كندا أربعة من كل عشرة من الكنديين أعضاء في جمعية تعاونية واحدة علي الأقل، وفي مقاطعة كبيك فإن 70% من السكان أعضاء تعاونيات وفي ألمانيا يوجود 20 مليون عضو تعاوني وفي فنلندا 62% من الأسر البولندية أعضاء تعاونيات وفي إندونيسيا 27.5% من الأسر أي نحو 80 مليون فرد أعضاء في تعاونيات و239 مليون مواطن أعضاء في التعاونيات في الهند و6 ملايين مواطن ماليزي اي 25% من السكان أعضاء و25% من المواطنين في أمريكا.
وأوضح عبدالفتاح أن القطاع التعاوني يساهم في الاقتصاد الوطني بصورة كبيرة، ففي البرازيل التعاونيات مسئولة عن 40% من الناتج المحلي الزراعي و6% من اجمالي الصادرات الزراعية، وفي فنلندا التعاونيات مسئولة عن انتاج 74% من اللحوم و96% من انتاج الألبان، و50% من انتاج البيض و34% من انتاج الغابات و34.2% من حجم التعاملات في البنوك الفنلندية وفي فرنسا تقدم التعاونيات الاقراضية 60% من القروض و25% من سوق التجزئة الفرنسية وفي الكويت نحو 70% من السكان أعضاء في التعاونيات الاستهلاكية التي تسيطر علي نحو 70% من تجارة التجزئة.
التعاونيات قدمت نحو 100 مليون وظيفة في مختلف دول العالم
وأشار عبدالفتاح إلي مساهمة التعاونيات في التشغيل، موضحاً أن التعاونيات قدمت نحو 100 مليون وظيفة في مختلف دول العالم، وهو ما يزيد بنحو 20% علي اجمالي ما تقدمه الشركات متعددة الجنسية، وفي فرنسا تقدم 21 ألف جمعية تعاونية نحو 4 ملايين وظيفة، وفي ألمانيا تقدم 8 آلاف جمعية تعاونية نحو 440 ألف وظيفة وفي إيطاليا تقدم 70 ألف جمعية تعاونية نحو مليون وظيفة.
وأشار عبدالفتاح إلي أن التعاونيات تتمتع بمستوي مرتفع من المرونة والقدرة علي التكيف مع أوضاع السوق المتغيرة وتستطيع التعاونيات ايضا أن تبني مواردها الذاتية مثل رأس المال غير المنظور الذي يكون في حالات كثيرة مصدر تمويل أقل كلفة من غيره من المصادر مما يجعلها مستقلة ذاتياً بالفعل، كما أنها قادرة علي البقاء بمعزل عن الدعم الخارجي وعلي مواجهة المنافسة في الأسواق ذات الصلة وصغر حجم رؤوس الأموال المطلوبة للمشروعات التعاونية وتواضع مستوي الإدارة الواجب توافره لهذه المشروعات وقربها من الأسواق ومصادر المواد الخام.
وأوضح عبدالفتاح أن التعاونيات تلعب دوراً محورياً في عملية التنمية فهي تستطيع أن تصبح مؤسسات تمويل محلية مهمة تجمع بين الحاجة المحلية لحماية الأموال وحاجة المنشآت للحصول علي الائتمان، كما يمكن للتعاونيات أن تقوم بأدور فعالة في مجالات بعينها مثل مجالات التنمية الزراعية الريفية، وتحديث الزراعة علي وجه الخصوص لمناسبة الروح التعاونية لطبيعة الفلاحين في معظم الدول، وكذلك في حل مشكلة الإسكان وتوزيع السلع الاستهلاكية في المناطق النائية ويمكن للتعاونيات أن تكون الإدارة الفعالة للتغلب علي مشاكل شرائح اجتماعية كثيرة في المجتمع كالمعاقين والمرأة كوسيلة لدمجهما في الحياة الاجتماعية وتعظيم الاستفادة من جهودهما وتوسيع طاقة السوق الداخلية من خلال لما تحدثه من زيادة للدخول والسلع علي مساهمتها في تحقيق زيادة حقيقية للدخول وزيادة حقيقية في الانتاج.
مجموعة من التحديات تواجه قطاع التعاونيات في مصر
وأشار عبدالفتاح إلي أن هناك مجموعة من التحديات تواجه قطاع التعاونيات في مصر تتمثل في الموقف السلبي للدولة منها الذي يبدو واضحاً في مجموعة من التشريعات المناهضة للتنمية التعاونية مثل مشروع قانون الضرائب الجديد وقوانين الجمارك وإلغاء الاعفاءات، فضلاً عن ان الثقافة الرسمية والشعبية تعوق التطور التعاوني، حيث يمتلك الموظفون والجمهور تصوراً خاطئاً عن التعاون، ويخلط بينه وبين المؤسسة الحكومية غير الناجحة وضعف أنشطة التدريب والتثقيف التعاوني وشكليتها في معظم الأحيان، وغياب المصادر التمويلية المناسبة التي تواجه التعاونيات من خلال تزايد أعبائها المالية من نفقات جارية واستثمارية مع تقلص حجم مواردها وإلغاء معظم المزايا التي كانت تتمتع بها في السابق من ضعف الانتاجية وسيطرة البيروقراطية والفساد وتغليب المصالح الفردية علي الصالح العام مما أدي إلي تفشي ظاهرة عزوف الأعضاء عن المشاركة في الأنشطة التعاونية بشكل اختياري، وفقدانهم الثقة في منظماتهم والقدرة علي اصلاح أموالها.
ودعا عبدالفتاح إلي ضرورة اصدار تشريع تعاوني موحد، تعقبه اعادة بناء المنظمات التعاونية من القاعدة علي أسس ديمقراطية سليمة والسماح بتأسيس بنك التعاون علي أن يكون منظمة قيمة لمؤسسات تمويلية «إقراضية وادخارية» تعاونية، وليس مؤسسة فوقية تنشأ بشكل فوقي، فضلاً عن ضرورة البدء في جهود مكثفة تثقيفية وإعلامية لاعادة الفكرة التعاونية بوجهها الصحيح في أوساط الجمهور، وكذلك العاملون بالجهات الإدارية، وغيرهم بهدف تغيير الصورة السلبية وحماية الحركة التعاونية من اتجاهات متصاعدة تدعو إلي تحويل التعاونيات إلي شركات أو السماح للشركات بالمساهمة في رأسمال التعاونيات وهي كلها دعوات تتنافي مع مبادئ التعاون الأصلية وتهدف إلي اذابة الكيانات التعاونية وتحويلها إلي كيانات تجارية هادفة للربح.
إيمان أحمد: التعاونيات تلعب دوراً محورياً في التخفيف من حدة مشكلة الفقر
من جانبها أكدت إيمان أحمد، الخبير الاقتصادي، ان التعاونيات تلعب دوراً محورياً في التخفيف من حدة مشكلة الفقر من خلال توفير فرص عمل جديدة للشباب وتمويل المشروعات الصغيرة، مما يساعد علي رفع مستوي معيشة الأفراد في المجتمع.
وأشارت أحمد إلي واقع القطاع التعاوني في مصر موضحة أن التعاونيات في مصر تنقسم إلي تعاونيات استهلاكية وأخري انتاجية فيما تسمح الاستهلاكية لأعضائها بشراء السلع بتكلفة منخفضة ويتقاسم الأعضاء صافي الربح وتحقق التعاونيات في مصر حجم أعمال سنوي بأكثر من 3.3 مليار جنيه من خلال 4005 جميعات تعاونية، ويبلغ حجم العضوية ما يقرب من 4 ملايين عضو، فيما تساهم التعاونيات الانتاجية الحرفية بحجم أعمال أكثر من مليار جنيه سنويا من خلال 482 جمعية تعاونية انتاجية، بينما ساهمت التعاونيات السكانية خلال العشرين عاماً الأخيرة بأكثر من نصف مليون وحدة سكنية لاعضائها، حيث تركز معظم الوحدات السكنية التعاونية في المدن الجديدة، مما يشجع سياسات التوسع العمراني، هذا بالإضافة الي المصايف التعاونية في الساحل الشمالي وخلافه، ويبلغ عدد التعاونيات الإسكانية حوالي 2038 جمعية تعاونية إسكانية يصل حجم عضويتها إلي حوالي مليوني عضو.
أما عن تعاونيات الثروة المائية فتعتبر الغالبية العظمي من الصيادين المالكين أو غير المالكين لمراكب صيد أعضاء بتعاونيات الثروة المائية التي تساهم في انتاج أكثر من 90% من حجم الناتج السمكي ويبلغ عدد تعاونيات الثروة المائية حوالي 93 جمعية تعاونية للثروة المائية، ويبلغ حجم العضوية حوالي 89713 عضواً، وفيما يتعلق بالتعاونيات الزراعية فتبلغ المساحة الزراعية 5.7 مليون فدان جميع الحائزين هم أعضاء في الجمعيات التعاونية الزراعية.
وأوضحت أحمد أن التعاونيات تواجه مجموعة من المشكلات أهمها ضعف التمويل والمنافسة الشرسة من القطاع الخاص وضعف الإمكانيات المادية والبشرية والتنظيمية وتداخل الاختصاصات وتضاربها بين العديد من الجهات الحكومية وحرمان القطاع التعاوني من المنح والقروض الميسرة التي توفرها وزارة التعاون الدولي للقطاعين الخاص والاستثماري.
رضا هلال: دور التعاونيات أصبح ضرورة نظراً لكثرة الآثار السلبية المترتبة علي عمليات الخصخصة
فيما أوضح رضا هلال، الخبير الاقتصادي، ان دور التعاونيات أصبح ضرورة، نظراً لكثرة التداعيات والآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية المترتبة علي عمليات الخصخصة بدعوي الاصلاح الاقتصادي، ومن ثم تم استدعاء دور بعض المؤسسات للتخفيف من هذه الآثار ومنها التعاونيات العامة والتعاونيات الانتاجية علي وجه الخصوص فعدد منظمات التعاون الانتاجي التابعة للاتحاد التعاوني الانتاجي بمستوياتها المختلفة في عام 2008 وصل إلي 476 جمعية.
وأشار هلال إلي أن من أهم المشاكل التي تواجه قطاع التعاون الانتاجي انخفاض الحجم الحالي لقطاع التعاوني الانتاجي، مقارنة بالحجم الكلي للقطاع الحرفي والصناعات الصغيرة بما يستدعي تنشيط وتوسيع قاعدة العضوية وقصور المعرفة للتعاونيات الانتاجية كمنظمات غير حكومية تضم المصانع الصغيرة وأصحاب الورش الحرفية وصعوبة ادراك المزايا التنافسية للمنتجات والخدمات التعاونية في ظل اقتصاد السوق وقوة المنافسة المترتبة علي تحرير التجارة الخارجية وصعوبة التطبيع التكنولوجي السريع الذي يؤدي إلي خفض التكلفة وتحسين المنتج وتطويره، فضلاً عن ضعف التمكين الحكومي لوحدات التعاون الانتاجي من تسجيل نفسها كموردين ومقاولين وفق الشروط المحددة لهذا التسجيل، بالإضافة إلي عدم تجاوب التشريعات المعمول بها لملاحقة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الحاكمة لهذا القطاع.
ودعا هلال إلي ضرورة تطوير الهياكل التمويلية للتعاونيات والبحث عن مصادر جديدة للتمويل وتنمية مواردها الذاتية التي من أهمها انشاء بنك تعاوني يخدم الحركة التعاونية بمساهمة من الدولة في تمويله وزيادة رأسمال التعاونيات برفع قيمة السهم أو اصدار الأسهم الممتازة التي تمنح فائدة.
مدحت أيوب: هناك دوراً محورياً تلعبه التعاونيات السكانية
من جانبه قال مدحت أيوب، مدير عام الاتحاد العام للتعاونيات، إن هناك دوراً محورياً تلعبه التعاونيات السكانية إلا أنها تعاني مجموعة من المشاكل، حيث أدي إلي تراكم نمو الاحتياج السنوي للوحدات السكنية، نظراً لزيادة عدد السكان ونمو سكان الحضر وزيادة عدد الأسر، مما أدي إلي ارتفاع رصيد العجز في هذه الوحدات حيث قدرت الاحتياجات المستقبلية للفترة من 2007 إلي 2022 بـ7.5 مليون وحدة سكنية، وقد أسهم ارتفاع تكلفة اقامة المساكن بسبب ارتفاع أسعار أراضي البناء ومواد البناء وضعف مساهمة الدولة في حل هذه المشكلة، بسبب عدم قيامها بما يكفي من الوحدات السكنية اللازمة لمحدودي الدخل.
ومن ثم جاءت الحاجة لأهمية القطاع التعاوني السكاني الذي لا يتحرك بدافع تعظيم الربح كقطاع الخاص أو بأوامر فوقية من السلطات مثل الحكومة ولكن يتحرك بدافع اشباع الاحتياجات وينظر إلي السكن الدائم كخدمة يمكن توفيرها.
وأوضح أيوب أن التعاونيات السكانية في مصر تعاني من مجموعة من المشاكل التي من أهمها ندرة الأراضي الصالحة للبناء ومن ثم تضطر لشراء الأراضي من القطاع الخاص بأسعار مرتفعة جداً ومتزايدة، مما ينعكس علي زيادة تكلفة المسكن التعاوني.
فيما أوضح أسامة البهنساوي، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر، أن دور التعاونيات الزراعية في التسويق للمنتجات الزراعية مضيفاً أن التعاونيات الزراعية قامت بتسويق معظم الحاصلات الزراعية بمناطق الائتمان بجميع العمليات التسويقية لمحاصيل القطن والأرز والقصب والبصل وفول الصويا وعباد الشمس، حيث بلغت قيمة هذه المحاصيل حوالي 2.9 مليار جنيه لموسم 1993-1994 قبل انتهاج سياسة التحرر الاقتصادي علي التسويق التعاوني للحاصلات الزراعية.
وأكد البهنساوي أن التعاونيات الزراعية تعاني من ندرة الموارد التمويلية وقلة الموارد البشرية المدربة وعدم ملاءمة الوضع التشريعي لعمل التعاونيات، ودعا البهنساوي إلي ضرورة تشجيع التأمين التعاوني متعدد الأغراض مثل صناديق التأمين علي الماشية والآلات الزراعية وبعض الحاصلات الزراعية والادخار والاستثمار التعاوني والعمل علي تشجيع العمليات التجارية والصفقات بين التعاونيات متضمنة المشاريع المشتركة والإقراض البيني مع ضرورة ادخال تعديلات تشريعية تناسب هذه القطاع في الوقت الحالي.