الاستثنائية الأميركية اللامحدودة

الاستثنائية الأميركية اللامحدودة
شريف عطية

شريف عطية

6:24 ص, الخميس, 16 يوليو 20

تبقى الاستثنائية الأميركية محور اهتمام العالم منذ نشأة الدولة قبل نحو ثلاثة قرون من الصفر تقريبا، إلى أن أصبحت بفضل جسارة مواطنيها الأوائل المتسمة بالقسوة الدموية، ولوفرة إمكانياتها الطبيعية، وتفرد الحريات فى دستورها، وليس انتهاء بالسبق الحضارى التكنوتروني المتحقق، أكثر القوى الخارجية تأثيراً فى أقاليم العالم المختلفة بما فيها منطقة الشرق الأوسط، رغم أنها فى الوقت ذاته ليست أكثرها شعبية، خاصة من بعد انفجارات نيوريوك وواشنطن سبتمبر 2001، إذ لم تعد معنية كما كانت منذ نحو قرن سابق.. لنفي إمبرياليتها، ولا لتجميل ما عرف بعدئذ عن وجهها «القبيح» طوال النصف الثانى من القرن العشرين، ولما كان الشئ الوحيد الثابت فى الحياة – كما يقال – هو التغيير، فمن المؤكد أن أحداث سبتمبر الأميركية قد غيرت العالم كما الولايات المتحدة بشكل ربما غير مسبوق فى التاريخ الحضارى الموثق، خاصة من جانب ردود أفعال عالم أميركى أحادى القطبية الدولية – بأقلّه منذ بدء اقتحامها دول الشرق الأوسط بعد الحرب العظمى، وفقا لاقتراح الرئيس «ويلسون» للدول الكبرى المشاركة فى مجلس الأربعة council of four (فرنسا – بريطانيا – إيطاليا – والولايات المتحدة)، لوضع شروط السلام فيما بينهم، ولبحث مستقبل الولايات العربية التى كانت تابعة للدولة العثمانية قبل هزيمتها العسكرية فى الحرب العالمية الأولي، ولتشير دول الغرب الأربعة إلى دعمها حق الشعوب فى تقرير مصيرها، إلا أن هذه الحكومات ذاتها كان لها فى الوقت نفسه من السياسات الإمبريالية .. ما جعلت من تقرير المصير للشعوب المقهورة – مستحيلا -إذا استمر تورطها فى مغامرات عسكرية وسياسية طوال القرن المنصرم فى المنطقة، ما بين النجاح والفشل، الأمر الذى أدى، خاصة بعد حروب الخليج، إلى ظهور الحركات الإسلامية التى سببت قدرا كبيراً من الخوف والرعب بين واضعى السياسة فى واشنطن، التي سارعت بعد أحداث 11/9 بغزو كل من أفغانستان والعراق.. إلى تقليم أظافر ليبيا( الصاروخية ) و«محاسبة سوريا»، وليس انتهاء بتحول الشراكة مع مصر إلى التعامل الشخن معها، إيذاناً باندلاع فوضويات الربيع العربى 2011 – بعد عقد كامل من انفجارات نيويورك (الفاجعة ) – بحيث بدت الولايات المتحدة وكأنها تسعى لإحداث شرخ للزمن الأكثر حضوراً فى الشرق الأوسط .. يسمح باستعادة محاولتها فى الخمسينيات لبناء حلف دفاعى شرق أوسطى موال للغرب، كما العمل مجدداً إلى تغيير أجيال القيادة فى أرجاء المنطقة، وإلى استخدام تركيا منذ 2002 لمحاولة تطويع الإسلام السياسي.. باعتبارها حليفاً مسلما ( معتدلا ) وشريكا للولايات المتحدة فى حلف «ناتو» ولتلعب من ثم دوراً عظيم الأهمية -لا تزال- فى الشرق الأوسط، مع وكلاء آخرين من العالم العربى أو من الجارات الإقليميات غير العربيات، خصما من رصيد العرب الذين أصبحوا لها أقرب إلى الخصوم عنهم كحلفاء، وإلى الحد الذى يطالب فيه «أوباما» فى 2016 .. العرب بـ«اقتسام النفوذ فى المنطقة مع إيران»، ذلك بعد عام من توقيع واشنطن للاتفاق النووى الإيرانى، الذى نسخه «ترامب» فى العام التالي، موجها البوصلة الأميركية لتلبية رغبات إسرائيل فى ضم القدس والجولان وأراض من الضفة الغربية، مقابل موافقتها على مبادرته للسلام المعروفة بصفقة القرن ( الملتبسة )، ذلك قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية نوفمبر 2020، المشوب نتائجها بالغموض بين الحزبين الكبيرين، بين التوجهات الشعبوية للجمهوريين والأجنحة التقدمية للديمقراطيين، التى اقتربت نزاعاتهما إلى حالة من التدنى الأخلاقى غير المسبوقة فى العرف السياسى الأميركي، ذلك فما تمضى الأحادية الأميركية فى طريقها للاحتفاظ بتفوقها الكاسح، من حيث التركيز المتجدد على روسيا والصين- المنافستين العسكريتين – استعدادا لعمليات الردع التالية فى القرن 21، المتوازية مع استخدام التكنولوجيا ( التكنوترونية ) لتتناسب ديناميكياتها مع الإطار الزمنى للحرب (2040-2050)، ولتتقارب فى نهاية المطاف – من خلال استخدامات «الذكاء الصناعي» إلى إنتاج ما يشبه الروبوتات الشبيهة بالإنسان للسيطرة على المحيطات أو الفضاء (الحاسبوى)، بسيان، (خمسين مليار جهاز على سطح الكوكب بحلول منتصف العقد )، منها ما يزيد عن 2600 قمراً صناعيا بعضها ذات طبيعة عسكرية، وليس آخرا – بحسب الدوريات المتخصصة – عن ازدياد الحاجة إلى فرق صغيرة لنخب من المحاربين بمستويات عالية للغاية من التدريب والذكاء واللياقة والمعدات المتطورة.

خلاصة القول، إن معاقرة استخدام القوة يغرى باستخدام المزيد من القوة، الأمر الذى ينطبق أكثر مما ينطبق على الولايات المتحدة التى استطاعت فى مدى ثلاثة قرون فحسب أن تتحول من دولة مهاجرين لتصبح الأكثر بأسا فى العالم، ليس لعدوانيتها حدود، إلا أن تبرز قوى مناظرة فى القوة والتقدم للاستثنائية الأميركية.