رغم مرور أكثر من 26 شهرًا على الثورة ونحو 9 أشهر من رئاسة الدكتور محمد مرسى للجمهورية، لكن الاستثمارات الكويتية لم تشهد أى تطور ملحوظ حتى الآن، فمازالت لا تتخطى 16 مليار دولار موزعة بين استثمارات حكومية وخاصة، فى مجموعة من القطاعات أبرزها قطاعا السياحة والعقارات.
«المال» حاورت الدكتور رشيد حمد الحمد، سفير دولة الكويت بالقاهرة، لبحث مستقبل العلاقات الاقتصادية المصرية الكويتية خلال الفترة المقبلة، ومدى استعداد بلاده لدعم مصر فى الخروج من الأزمة المالية الحالية على غرار المساعدات التى قدمتها قطر وليبيا مؤخرًا ومن قبلهما تركيا والسعودية.
وتحدث سفير الكويت عن أبرز القطاعات الاقتصادية التى تجتذب المستثمر الكويتى للعمل بالسوق المحلية، وكذلك التحديات التى تقف دون إجراء انطلاق الشركات فى ضخ استثمارات جديدة بالسوق المحلية.
وتطرق الحوار إلى التطورات الأخيرة الخاصة بتسويات عقود الشركات الكويتية، وفى مقدمتها الشركة المصرية الكويتية، فيما يتعلق بعقد استغلال 26 ألف فدان فى مدينة العياط، وكذلك أزمة شركة «كى جى إل» لتداول الحاويات وشركة البطابطين للاستثمار العقارى.
وشرح سفير الكويت رؤية بلاده تجاه الأزمة السياسية والاقتصادية فى مصر، والتى ترتكز وفقًا له، على فتح الباب لمشاركة جميع القوى السياسية وعدم احتكار فصيل معين للسلطة، كما علق الحمد عن التقارب المصرى – الإيرانى، مشيرًا إلى أنه لا يزعج «الكويت » مطلقًا، خاصة فى ظل تأكيد مصر على أن هذا التقارب لن يمس مصالح الدول الخليجية.
وقال سفير الكويت بالقاهرة، إن بلاده من أوائل الدول التى ساندت الثورة المصرية منذ بدايتها وتمثلت فى زيارة وزير المالية الكويتى لرئيس الوزراء وقتها الدكتور عصام شرف لمناقشة الدعم الذى ستقدمه دولة الكويت لمصر خلال الفترة المقبلة.
أضاف الحمد أن وزير المالية الكويتى سبق أن عقد عدة لقاءات مع وزير المالية الأسبق الدكتور ممتاز السعيد لبدء آليات دعم مصر فى شكل ضخ استثمارات جديدة، لافتًا إلى أن الحكومة المصرية أرسلت بالفعل مسودة بالمشروعات المتاحة وجارٍ دراستها وتحديد أولويات البدء فيها.
تباطؤ تقديم الدعم المالى لمصر بسبب حالة الحراك السياسى التى مرت بها الكويت
وأوضح الحمد أن تباطؤ السلطات الكويتية فى تقديم الدعم المالى لمصر خلال الفترة الماضية، كان ناتجًا عن حالة الحراك السياسى التى مرت بها الكويت المتمثلة فى حل مجلس الأمة أكثر من مرة، بالإضافة إلى استقالة الحكومة الكويتية.
وأكد سفير الكويت أن دولته تدرس حاليًا عدداً من البدائل لدعم مصر اقتصاديًا، الأول يتمثل فى ضخ مشروعات مباشرة، والثانى شراء سندات خزانة دولارية أو إيداع وديعة على غرار ما قامت به كل من قطر وليبيا، مؤخرًا، أو ما قامت به المملكة العربية السعودية أثناء تولى المجلس العسكرى إدارة المرحلة الانتقالية.
وتجدر الإشارة إلى أن فترة ما بعد الثورة ترددت أنباء عن وجود مفاوضات بين مصر والكويت للحصول على دعم بقيمة 3 مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصرى خلال المرحلة الانتقالية، إلا أن تلك الوعود لم تدخل حيز التنفيذ.
وقال سفير الكويت إن فترة ما بعد الثورة شهدت تحركًا ملموسًا من الصندوق الكويتى للتنمية لتمويل المشروعات الاستثمارية فى مصر، مشيرًا إلى أن الصندوق قدم دعمًا خلال العامين الماضيين بنحو 400 مليون دولار فى صورة 4 قروض موزعة بواقع 100 مليون دولار لكل قرض، وأن الصندوق مستعد لتقديم المزيد من المساعدات بمجرد التقدم بطلب للحصول على تمويل.
غالبية المشروعات المقدمة من «الصندوق الكويتى» لقطاعات النقل والكهرباء والزراعة
وأشار إلى غالبية المشروعات المقدمة من «الصندوق الكويتى» لقطاعات السكك الحديدية والكهرباء والزراعة، لافتًا إلى أن الصندوق أتاح نحو 100 مليون دولار بهدف إعادة هيكلة السكك الحديدية.
وكانت وزارة التخطيط والتعاون الدولى قد اتفقت مع الصندوق الكويتى للتنمية على توفير 260 ألف دينار كويتى لتمويل كهربة إشارات السكك الحديدية من «طنطا – المنصورة – دمياط».
وعن المشكلات التى تواجه الشركات الكويتية فى مصر قال الحمد إنه رغم مرور فترة طويلة على أزمات الشركات الكويتية فى مصر، لكن التطبيق على أرض الواقع لم يشهد تطورًا كبيرًا، فمازال الخلاف مستمراً بين الشركة المصرية الكويتية والحكومة فيما يتعلق بتقييم أسعار أراضى 26 ألف فدان التى حصلت عليها الشركة فى منطقة العياط بالجيزة، مشيرًا إلى أن الحكومة المصرية مازالت تصر على أن تحصل على 40 مليار جنيه فروق تحويل الأراضى من النشاط الزراعى إلى العمرانى.
وأضاف سفير الكويت أن «المصرية الكويتية» التى تساهم فيها شركة «مينا» القابضة ترفض ذلك وأنها لم تقرر بعد اللجوء إلى التحكيم الدولى لفض النزاع حرصًا منها على استثماراتها بالسوق المحلية، لافتًا إلى أن الحكومة المصرية تقدمت بطلب رسمى للدخول فى شراكة فى المشروع الجديد إلا أن شكل المفاوضات لم يتم حسمه بعد.
وتأتى تصريحات السفير الكويتى تأكيدًا على ما انفردت به «المال» نهاية العام الماضى على لسان اللواء عمر الشوادفى، رئيس المركز الوطنى لاستخدامات أراضى الدولة، بأن الحكومة تدرس الدخول فى شراكة تعادل قيمة مستحقات تغيير نشاط الأراضى من زراعى إلى عمرانى.
وأعلنت وزارة الزراعة مؤخرًا عن سحب نحو 14 ألف فدان من إجمالى المساحات التى تعدت الشركة عليها تمهيدًا لعرضها مرة أخرى على الشركات فى مزاد علنى.
وأوضح سفير الكويت أنه لا يعلم شيئًا عن هذه الأراضى، لكنه أكد أنه لا تندرج ضمن الـ 26 ألف فدان التى خصصت للشركة من قبل.
أزمة الشركة المصرية الكويتية لها جذور سياسية خلال النظام السابق
وقال الاحمد إن التوصل لاتفاق بين طرفى النزاع سيساهم فى ضخ استثمارات عملاقة بمليارات الدولارات بما يساهم فى دفع عجلة نمو الاقتصاد المصرى، مشيرًا إلى أن أزمة الشركة لها جذور سياسية خلال النظام السابق، وأن الشركة كانت تدور فى حلقة مغلقة بين جميع الوزارات إلى أن قام الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة لفض المنازعات، مشددًا على ضرورة التوصل لحل مرض بين الطرفين، خاصة أن المزيد من التأخير يعنى تفاقم الخسائر لكلا الطرفين.
وأضاف: إن المشكلات نفسها تواجهها كل من شركة «كى جى إل» المساهم الرئيسى فى شركة «ديبكو» للحاويات داخل ميناء دمياط، مما أدى إلى توقف مشروع الشركة لإقامة وإدارة محطة جديدة لتداول الحاويات، كما أن شركة البابطين للاستثمار العقارى مهددة بسحب جزء من أراضيها التى حصلت عليها فى مدينة 6 أكتوبر، وأن أزمة كلتا الشركتين على مائدة مناقشات لجنة فض المنازعات أيضًا.
ونفى سفير الكويت أن يكون هناك ربط بين حل مشكلات الشركات الكويتية فى مصر ودعم السلطات الكويتية لمصر، مشيرًا إلى أن بلاده لا تلجأ لهذا الأسلوب، خاصة أن العلاقات بين البلدين قوية وتوجد مصالح مشتركة بين الدولتين الشقيقتين.
وشدد سفير الكويت على ضرورة أن تأخذ السلطات المصرية فى اعتبارها تأخر البرنامج الزمنى لتنفيذ المشروعات، نظرًا لظروف انهيار الأوضاع الأمنية بعد الثورة، موضحًا أن هناك العديد من المشكلات التى تواجه الشركات الكويتية فى السوق المصرية، إلا أن أزمات «المصرية – الكويتية» و «كى جى إل» و «البابطين» الأبرز نظرًا لضخامة المشروعات الجارى تنفيذها.
وعن حجم الاستثمارات الكويتية الحكومية فى مصر، أشار الحمد إلى أنها تتركز فى عدد من المنشآت الفندقية، منها فندقاً سفير بالزمالك والدقى، بخلاف الشركات التابعة للهيئة العامة للاستثمار الكويتى التى تدير عددًا من المشروعات العقارية.
الاستثمارات الكويتية تقدر بـ16 مليار دولار قبيل الثورة
وأكد سفير الكويت أن الاستثمارات الكويتية العاملة بالسوق المحلية تقدر بحوالى 16 مليار دولار، وفقًا للمركز المالى الأخير لها قبيل الثورة، مشيرًا إلى أن تلك الاستثمارات لم تشهد أى تغيرات جذرية حتى الآن سوى إقامة مطعمين سياحيين فقط باستثمارات محدودة للغاية.
وقال إن تدفق الاستثمارات الكويتية للسوق المحلية يتوقف على استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية، فلا يمكن لمستثمر أن يغامر بإقامة مشروعات فى هذه المرحلة الضبابية، لافتًا إلى أن رأس المال لا ينظر للأماكن المضطربة مثل مصر، متمنيًا أن تستقر مصر سريعًا وتعود بلد الأمن والأمان.
وأشار سفير الكويت إلى أن أعداد الوفود السياحية الكويتية تراجعت بنسبة تزيد على 72% بعد الثورة، نظرًا لتوتر الأوضاع الأمنية فى أماكن عديدة داخل الجمهورية، خاصة القاهرة، التى تتصدر أولويات الكويتيين، موضحًا أن معظم من يزور مصر فى الوقت الحالى يذهب إلى مناطق الغردقة وشرم الشيخ، بهدف السياحة الشاطئية.
وحول التبادل التجارى بين البلدين، قال سفير الكويت إنه بلغ نحو 2 مليار دولار العام الماضى، مشيرًا إلى أن الصادرات المصرية للكويت تتركز فى المواد الغذائية، بينما تعد الأدوات الكهربائية والمنتجات البترولية أبرز الواردات المصرية من السوق الكويتية.
وعن أبرز الموضوعات التى ستتم مناقشتها خلال ملتقى المعرض «المصرى الكويتى» الذى ستبدأ فاعلياته قريبًا، قال الحمد إن الملتقى تم تأجيله أكثر من مرة، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية فى مصر، الأمر الذى دفع القائمين على تنظيمه إلى نقله لمرسى علم، بدلاً من القاهرة، لافتًا إلى أن الملتقى سيشهد العديد من اللقاءات بين رجال الأعمال المصريين والكويتيين، وورشة عمل عن الوضع الاقتصادى المصرى يديرها الدكتور على لطفى، رئيس الوزراء الأسبق.
وقال سفير الكويت إن القطاع السياحى يعد من أبرز القطاعات التى تتصدر أجندة أعمال الشركات الكويتية، باعتباره من القطاعات الواعدة فى مصر، مؤكدًا أن عدداً واسعاً من المستثمرين يمتلكون مشروعات سياحية على جانبى النيل.
القطاع العقارى يعد من القطاعات الواعدة فى السوق المصرية
وأضاف سفير الكويت أن القطاع العقارى يعد أيضًا من القطاعات الواعدة فى السوق المصرية لتطور أسعارها المستمر، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب من الخارج على العقارات فى مصر، مشيرًا إلى أن المستثمرين الكويتيين يفضلون ضخ استثماراتهم فى هذا النوع من الأنشطة، نتيجة الطلب المتزايد من المجتمع الكويتى على شراء العقارات فى مصر، خاصة فى المناطق العمرانية الجديدة، نظرًا لحبهم الشديد على الوجود داخل مصر، ومحاولة امتلاكهم لمسكناً خاصاً بهم فى القاهرة.
ونفى الحمد أن يكون هناك اتجاه واضح حتى الآن للاستحواذ على المنشآت الفندقية التى تعثرت بعد الثورة، ويمتلكها مصريون أو أجانب، لافتًا إلى أن حالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى أدت إلى تأجيل أى قرار استثمارى أو إدخال أى توسعات فى الوقت الحالى.
وأكد الحمد أن هناك ترقباً من جانب المستثمرين الكويتيين للأوضاع فى مصر، وأنهم لا يملكون غير الانتظار لرؤية ما ستؤول إليه الأمور لعلها تستقر فى القريب العاجل لاستئناف أعمالهم.
ودعا سفير الكويت بالقاهرة جميع الأطراف السياسية إلى الاتفاق والالتفات إلى ما تواجهه البلاد من مصاعب للمرور بها من الأزمات، رافضًا التعليق على الأوضاع السياسية الداخلية، قائلاً: لا أود أن أدخل فى مزيد من التفاصيل حول الأوضاع السياسية الداخلية فى مصر، وأنه شأن يخص المصريين وحدهم، مضيفًا أننا لا نملك إلا الدعاء للخروج من الأزمة التى يمر بها قلب الأمة العربية.
كما رفض سفير الكويت التعليق على محاكمة القرن للرئيس المخلوع والتى تم بمقتضاها إخلاء سبيله، إلا أنه ما زال محبوسًا على ذمة قضايا أخرى، مشيرًا إلى أنه يجب ألا يعلق على شيء قد يغضب الشعب المصرى، لافتًا إلى أن فريق الدفاع عن الرئيس المخلوع يضم مجموعة من المحامين الكويتيين.
العمالة المصرية فى الكويت لا تواجه أى مشكلات
وأكد الحمد أن العمالة المصرية فى الكويت لا تواجه أى مشكلات، وفى زيادة مستمرة وكان آخرها التعاقد مع عدد من المدرسين المصريين للعمل لدى المدارس الحكومية هناك، مشددًا على عدم وجود أى تغيير فى الضوابط التى تعمل بها بلاده لجلب العمالة، خاصة المصرية منها، وأنه تم مؤخرًا التعاقد مع عدد من الأئمة والخطباء للعمل فى الكويت والقانونيين، إلى جانب العمالة الفنية والمهنية الأخرى، والتى تعد مصر سوقاً مهمة لجلب العمالة الماهرة إلى الكويت.
وقال سفير الكويت إن التقارب المصرى الإيرانى لم يؤثر على العلاقات المصرية مع الكويت، أو دول الخليج العربى بشكل عام، خاصة مع إعلان مصر أن العلاقات الثنائية مع إيران لن تكون على حساب أشقائها العرب، مشيرًا إلى أنه على المستوى الدبلوماسى هناك علاقات بين دول الخليج وإيران بحكم الجوار، وليس لأحد الحق فى التدخل فى العلاقات الدبلوماسية التى تقيمها مصر مع أى من البلدان.
وأكد أن الجميع يحترم مصر ودورها السياسى إقليميًا ودوليًا، ونأمل عودتها القيادية إلى المنطقة، بالإضافة إلى تأكيد المسئولين المصريين أن العلاقات مع أى دولة لن تكون على حساب الدول العربية الشقيقة.