تهتم اللغة الإعلامية على وجه التحديد بالوظيفة الإبلاغية التي تجري وراء الحدث وتنتهي به، ونتيجة لهذا، ستصطدم بالفراغات المعجمية والهيكلية التي توجد داخلها فتلتجئ إلى ملئها.
ويعد الإعلام محاولة تبليغ الحدث إلى القارئ أو السامع في وقت أقصر، فاللغة في الحقيقة تعكس واقع المجموعة أو البلد الذي تنطق عنه، حتى مع التأثر باللغات الأجنبية العالمية التي تسوق أخبارها حتى أصبحت واقعا لغويا (الثلب و غلام، 2019).
ويمتاز الإعلام الحالي بانفتاح اللغة وإقبال الغريب على الحدث، حتى أصبحت لغة الإعلام العربي تستقي أدوات تعبيرها من اللهجة المنطوقة المتداولة، خاصة إذا كان الموضوع مثلا اجتماعيا أو أخلاقيا أي يتعلق العلاقات بين الناس (المجلس الأعلى للغة العربية، 2020).
والتقرير الإعلامي بأنواعه فن يقع ما بين الخبر والتحقيق الصحفي، ويقدم التقرير الصحفي مجموعة من المعارف والمعلومات حول الوقائع في سيرها وحركتها الديناميكية، فهو إذن يتميز بالحركة والحيوية (محمد، 2021).
والتقرير لا يستوعب الجوانب الجوهرية أو الرئيسية في الحدث فقط، كما هو الشأن في الخبر، وإنما يمكن أن يستوعب وصف الزمان والمكان والأشخاص والظروف التي ترتبط بالحدث (حمادي، 2018).
ولا يقتصر التقرير الإعلامي على الوصف المنطقي والموضوعي للأحداث، وإنما يسمح في نفس الوقت بإبراز الآراء الشخصية والتجارب الذاتية للمحرر الذي يكتب التقرير، فكلما كان المحرر شاهد عيان على الحدث كلما زادت فرصة النجاح أمام التقرير الإعلامي (أبو زيد، 2012).
مفهوم التقرير الإعلامي:
يعد التقرير التلفزيوني أحد المكونات الرئيسة للنشرات الإخبارية من جهة وللعديد من البرامج التلفزيونية، فهو يشكل مادة معلوماتية غنية تسهم في تحريك البرنامج التلفزيوني أو النشرة الإخبارية ويعمل على إغنائها بتفاصيل الأحداث وإجراء المعالجات (حداد، 1989).
والتقرير الإخباري هو أحد الأدوار الأساسية للصحافة التلفزيونية والإذاعية، وهو نوع مهم من الأنواع الإعلامية، وكلمة تقرير يقابلها (Report)أي إعادة نقل، والصحافة الفرنسية يطلق عليهاReportage) ) أي التقرير المصور، لكن هذه الكلمة انتشرت انتشارا سريعا في وسائل الإعلام العربية إذ أطلقتها على مواد كثيرة سواء في الصحف أو المجلات أو الراديو أو التلفزيون وإن كانت لا تمت بصلة إلى التقارير المصورة (يعقوب، 2021).
ويشمل التقرير المادة الفيلمية والصور الثابتة والرسوم البيانية وكل ما من شأنه المساهمة في إنتاج نشرة إخبارية أو برنامج تلفزيوني أيا كان نوعه من التقرير الإخباري (شطاح، 2014).
ويتطلب التقرير كفاءة مهنية عالية في الإعداد نظرا لتعدد العناصر التي يتضمنها والجهد الذي يتطلبه، فإذا كان الخبر التلفزيوني العادي يتطلب دقيقة أو أكثر لإنجازه فإن التقرير قد يحتاج إلى يوم كامل أو أكثر لإتمام معطياته، فهو عبارة عن فيلم سينمائي مصغر (عزيز، 2023).
ويختلف التقرير عن الخبر بخضوعه للرؤية الذاتية، فالخبر يتحدث عن نفسه لكن الإعلامي من خلال التقرير يروي أحداث ويضيف إليها من ذاتيته فالخبر يعطي النتيجة لكن التقرير يعطي النتيجة مع تفاصيل تبني المعطيات ويتناول التقرير التلفزيوني موسوعات مهمة أو غريبة أو غير متوقعة بأسلوب يتسم بالعمق والإثارة التي أدت لهذه النتيجة، استنادا إلى معلومات وحقائق وأراء مع المزج الفني بالنص والمادة المرئية والتسجيلات الصوتية بأشكالها المختلفة (أبو زيد، 2012).
أما بالنسبة للتقرير غير المرتبط بحدث، فهو يعالج قضايا متعددة ليست بالضرورة سياسية، فقد تكون اجتماعية إخبارية لها آثار معينة في المجتمع كما يمكن للتقرير أن يسلط الضوء على ظواهر مختلفة ومشكلات ونجاحات تساهم في تشكيل أفكارنا عن الشعوب والمجتمعات وأحيانا أخرى قد يستند التقرير على خيال المراسل ومهارته وقد يكون نابع من القضايا الموجودة في المجتمع (المجلس الأعلى للغة العربية، 2020).
مدخل لكتابة التقرير الإعلامي:
تختلف طرق كتابة التقرير الصحفي عن طرق كتابة الخبر الصحفي، فإذا كان الخبر الصحفي يكتب بطريقة الهرم المقلوب، أي أن توضع في المقدمة أهم الحقائق والأحداث أو المعلومات، ثم يوضع في جسم الخبر المعلومات أو الأحداث أو الحقائق الأقل أهمية، إلا أن التقرير الصحفي يكتب بطريقة معاكسة للخبر الصحفي، أي يكتب بطريقة الهرم المعتدل، أي تضم مقدمة التقرير الصحفي مدخلا أو مطلعا يمهد لموضوع التقرير بأن يتناول زاوية معينة من زوايا الموضوع يختارها الكاتب بعناية، وهذا المدخل أو التمهيد لا يضم خلاصة الموضوع أو أهم حقائقه، وإنما يضم فقط مطلع أو مدخل منطقي يتوسل به الكاتب إلى شرح موضوع التقرير، بحيث يضم جسم التقرير التفاصيل والشواهد والصور الحية للموضوع، ليصل الكاتب في النهاية إلى خاتمة التقرير الصحفي، وهي التي يكشف فيها عن نتائج أو خلاصة ما توصل إليه، أو يقدم لنا أهم نتيجة أو حقيقة وصل إليها في موضوع التقرير (الثلب و غلام، 2019) (يعقوب، 2021).
وهذا التسلسل المنطقي في بناء التقرير الصحفي يجعله يختلف عن بناء الخبر الصحفي في جانبين هامين (المجلس الأعلى للغة العربية، 2020) (النالوتي، 1984) (أبو زيد، 2012):
- التقرير يحتوي على ثلاثة أجزاء هي: مقدمة التقرير وجسم التقرير وخاتمة التقرير.
- بناء التقرير الصحفي من مقدمة وجسم وخاتمة، وقيام هذا البناء على تسلسل منطقي، يجعل من أجزاء التقرير وحدة عضوية مترابطة، ليس من السهل قطع أو حذف أي جزء منها دون أن يتأثر بذلك بناء التقرير نفسه، وغالبا ما يؤدي حذف أي جزء إلى صعوبة فهم هدف التقرير ونتيجته واهتزاز فكرته الأساسية وتسلسله المنطقي.
ورغم اختلاف أنواع التقرير الصحفي وتعدد مجالاته، فلا بد أن يحتوي على الأجزاء الثلاثة التالية (أبو زيد، 2012) (النالوتي، 1984) (حداد، 1989):
- مقدمة التقرير الصحفي: وهذه المقدمة لها عدة وظائف، أهمها: أن تمهد للموضوع، وأن تهيئ القارئ له. ومقدمة التقرير الصحفي قد تحتوي على العناصر التالية: واقعة ملموسة، وموقف معين، وصورة منطقية، وزاوية جديدة لموضوع غير جديد. وتتحدد قيمة المقدمة على ضوء الاعتبارات التالية: مقدرة المقدمة على جذب انتباه القارئ إلى الموضوع الذي يعالجه التقرير الصحفي، وقدرة المقدمة على دفع القارئ إلى متابعة قراءة بقية التقرير الصحفي وحتى نهايته.
- جسم التقرير الصحفي: جسم التقرير الصحفي هو الجزء الذي يضم المعلومات والبيانات الجوهرية في موضوع التقرير، كذلك يضم الأدلة والشواهد أو الحجج المنطقية التي تدعم الموضوع الذي يتناوله التقرير، ومن الضروري أن يحرص كاتب التقرير على أن يضمن جسم التقرير جانبين هامين هما: مسار الحدث أو الواقعة التي يتناولها التقرير، وتطور هذا المسار منذ بدايته حتى نهايته، والربط بين الوقائع التي يضمها التقرير، وأن يكشف عن العلاقات بينها حتى يكشف ما وراءها أو ما يكتنفها من غموض.
- خاتمة التقرير الصحفي: وهي آخر جزء في التقرير وأهم ما فيه، ولا بد أن تتضمن: تقييم المحرر لموضوع التقرير الصحفي، وعرض للنتائج التي وصل إليها المحرر خلال بحثه في موضوع التقرير، والتعميم لحقائق معينة أو آراء خاصة أو لبعض النتائج التي حصل عليها المحرر، وإن كان يفضل ألا يلجأ المحرر إلى التعميم إلا إذا كان مستندا إلى وثائق أو حقائق لا تقبل الجدل أو النقاش. ومن الضروري أن يراعي كاتب التقرير توفر صفتين هامتين في خاتمة التقرير الصحفي هما: الحرص بقدر الإمكان أن يثير في ذهن القارئ حوارا حول موضوع التقرير، وأن يدفعه إلى التفكير في الموضوع ومتابعته فيما بعد إن كان الموضوع يستحق المتابعة، وأن يترك خاتمة التقرير صدى عن موضوع التقرير لدى القارئ، وأن يدفعه إلى اتخاذ موقف أو تكوين رأي معين تجاه الموضوع أو المشكلة التي يثيرها التقرير الصحفي.
وهناك عدة محاذير يجب أن يتنبه لها كاتب التقرير الصحفي وهو يكتب خاتمة التقرير، أهمها (أبو زيد، 2012) (حمادي، 2018) (الثلب و غلام، 2019):
- أن يحذر الوقوع في براثن الخاتمة الخطابية التي لا معنى لها، والتي لا تضيف شيئا إلى موضوع التقرير، فإن من شأن هذه الخاتمة أن تضعف من تأثير التقرير وتفسد أي جهد يكون المحرر قد بذله في كتابة التقرير وجمع مواده.
- أن يحذر الوقوع في خطأ عدم الاتساق بين المعلومات التي يحتويها جسم التقرير وبين النتائج التي يصل إليها في الخاتمة، فإن من شأن ذلك أن يفقد التقرير وضوحه الفكري، ويقع به في براثن الغموض الذي يؤدي إلى عدم فهم القارئ لمعنى التقرير ومضمونه.
- بناء التقرير الصحفي “الهرم المعتدل”.
كتابة التقارير الصحفية المقروءة المرئية والمسموعة:
رغم أن التقارير تأخذ شكل قالب الهرم المعتدل، إلا أنها تختلف حسب نوع كل تقرير، ذلك أن هناك عدة أنواع من التقرير الصحفي تختلف باختلاف المجالات التي تطرقها والأشكال التي تأخذها، ولكن يبقى أن أهم هذه الأنواع ثلاثة: التقرير الإخباري، والتقرير الحي، وتقرير عرض الأشخاص (أبو زيد، 2012).
التقرير الإخباري:
هو التقرير الذي يهتم -في المقام الأول- بعرض وشرح وتفسير بعض زوايا أو جوانب من الأخبار أو الأحداث أو الوقائع اليومية الجارية، وهو لذلك يسمى في بعض الأحيان بـ”تقرير المعلومات” وأحيانا أخرى يسمى “التقرير الموضوعي” (النالوتي، 1984).
ويقوم هذا النوع من التقرير بأداء الوظائف التالية:
- تقديم بيانات ومعلومات جديدة عن خبر أو حدث لا يستطيع الخبر الصحفي أن يوفيه حقه في النشر.
- إبراز زوايا أو جوانب جديدة عن حدث معروف.
- تقديم الخلفية التاريخية أو الخلفية الوثائقية للخبر أو الحدث الذي يتناوله التقرير، فمن شأن هذه الخلفية أن توضح الجوانب الغامضة أو غير المفهومة في الحدث تقدم تقييم موضوعي لهذه البيانات، سواء كان ذلك عن طريق الأحكام والاستنتاجات والتعميمات التي تدلى بها الشخصيات التي يستشهد بها كاتب التقرير أو تلك التي يتوصل إليها بنفسه (أبو زيد، 2012).
والتقرير الإخباري لا بد أن يتصف بصفتين بارزتين:
- الالتزام بالأسلوب الموضوعي في عرض المعلومات والبيانات والآراء، ويقصد بالأسلوب الموضوعي هو عدم تحيز الكاتب أثناء سرده للمعلومات، أو أثناء تقييمه لها، أو تعميمه لنتائجها، لذلك يفضل أن يميز كاتب التقرير تمييزا واضحا أثناء كتابة التقرير بين ما هو أخبار أو معلومات أو بيانات بحتة، وبين ما هو رأي لكاتب التقرير نفسه أو لأي من الشخصيات التي يستشهد بها في التقرير.
- أنه بنفس القدر الذي يجب أن يهتم فيه كاتب التقرير بتقديم المعلومات والبيانات الجديدة، لا بد أن يهتم أيضا بتقديم الخلفية التاريخية لموضوع التقرير، خاصة تلك الخلفية ذات الطابع الوثائقي (المجلس الأعلى للغة العربية، 2020).
والتقرير الإخباري هو الذي يلبي اليوم الاحتياجات الإعلامية للقارئ المعاصر، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الحيوية في المجتمع الحديث، لذلك يندرج تحت هذا النوع العديد من التقارير، مثل: التقرير السياسي، والتقرير الاقتصادي، والتقارير التي تعرض للحروب والأزمات والكوارث والزلازل، وكذلك يندرج هذا النوع التقارير المعنية بشئون التعليم والصحة والعلوم (شطاح، 2014).
والجزء الأكبر من مجالات التقرير الإخباري تنصرف إلى تغطية “الأخبار الجادة، وهي الأخبار التي تحيط القراء علما بالأحوال والمواقف الهامة التي من شأنها التأثير في حياتهم ومستقبلهم إن آجلا أو عاجلا، مثل: أخبار الشئون العامة والشئون الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية والعلوم والتعليم ورجال المال والصحة وما يشابه ذلك من الشئون، أما الجانب القليل من التقارير الإخبارية فهو الذي ينصرف إلى تغطية الأخبار الخفيفة، وهي الأخبار التي تثير اهتمام القراء وتسليهم مثل أخبار الطرائف وأخبار الرياضة وأخبار المجتمع وحوادث التصادم والجرائم والنكبات والجنس، والتقرير الإخباري شأنه شأن بقية الأنواع من التقارير يكتب بقالب الهرم المعتدل (محمد، 2021).
التقرير الحي:
وهو التقرير الذي يركز على التصوير الحي للوقائع والأحداث، فهو يهتم برسم صورة الوقائع أو الأحداث أكثر مما يهتم بشرحها أو تحليلها أو تفسيرها، فالتقرير الحي يشترك مع التقرير الإخباري في أنهما يتناولان الوقائع والأحداث الجارية، ولكن في حين يركز التقرير الإخباري على سرد البيانات والمعلومات حول هذه الواقعة وتحليلها وتقييمها، نجد التقرير الحي يركز على وصف الحدث نفسه أو الواقعة ذاتها (أبو زيد، 2012).
فالتقرير الحي يقوم بأداء الوظائف التالية:
- وصف الحدث، والظروف المحيطة به، والمناخ الذي تم فيه، والناس الذين ارتبطوا به.
- عرض وتصوير وتسجيل التجارب الذاتية، سواء تجارب المحرر نفسه مع الحدث أو تجارب الأشخاص الذين يمسهم الحدث أو الذين لهم علاقة به، وهو كثيرا ما يدع الناس يتكلمون بأنفسهم، ويرسمون بتعبيراتهم الخاصة صورة الحدث كما وقع أو كما تصوره وهو يقع.
- التعبير عن الأفكار والمشاعر الشخصية لكاتب التقرير أو الأشخاص الذين يدور حولهم الحدث، ويعكس رؤيتهم الخاصة للحدث.
- أن يجعل القارئ يعيش في الحدث نفسه وكأنه شارك في رؤية الحدث (الثلب و غلام، 2019).
والتقرير الحي قد يستعين في كثير من الأحوال بالعديد من الأدوات والأشكال التي يستعين بها التحقيق الصحفي، بينما الفرق الجوهري بين التحقيق الصحفي والتقرير الحي هو أن التقرير يكتفي بالتركيز على زاوية واحدة فقط من زوايا الموضوع أو القضية أو الحدث، في حين يهتم التحقيق الصحفي بموضوع القضية ككل، أو بالعناصر الجوهرية في القضية، لا بعنصر واحد منها فقط كما يفعل التقرير الصحفي، ثم إن التقرير الحي يقوم على التركيز الشديد في حين ينفسح المجال أمام التحقيق الصحفي للإسهاب في عرض القضية أو المشكلة بجميع جوانبها واشتراك كل أطرافها (عزيز، 2023).
وينصرف الجزء الأكبر من التقارير الحية إلى تغطية الأخبار الخفيفة ولكن في نفس الوقت هناك جانب غير قليل من التقارير الحية تعطي الأخبار الثقيلة مثل التقارير التي تغطي الجلسات البرلمانية، والاجتماعات الحزبية، والمعارك الانتخابية، والمؤتمرات السياسية، والاحتفالات القومية، والعروض العسكرية، وغير ذلك من المجالات، والتقرير الحي يكتب أيضا بطريقة قالب الهرم المعتدل (شطاح، 2014).
تقرير عرض الشخصيات:
وهو التقرير الذي يهتم بعرض شخصية ما من الشخصيات المرتبطة بالأحداث، أو التي تلعب دورا بارزا في المجتمع المحلي أو المجتمع الدولي، وهناك فرق بينه وبين الحديث الصحفي، الذي قد يقوم على الحوار بين الصحفي وبين شخصية عامة في المجتمع المحلي أو العالمي، وهو حوار قد يستهدف الحصول على أخبار ومعلومات وحقائق جديدة أو شرح وجهات نظر معينة أو تصوير جوانب طريفة أو مسلية في حياة هذه الشخصية، والحديث الصحفي قد يُجرى مع شخص واحد أو عدة أشخاص كما هو الأمر في الاستفتاء الصحفي، وقد يجريه محرر واحد أو عدة محررين كما هو الشأن في المؤتمر الصحفي، والحديث الصحفي لا يستهدف الإجابة على السؤال “ماذا” ولكنه يستهدف بالدرجة الأولى الإجابة على سؤال “لماذا؟ “، والحديث الصحفي فن مستقل بذاته، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون “أداة” للحصول على خبر صحفي، أو أن يكون جزءا من تحقيق صحفي (أبو زيد، 2012).
أما التقرير الصحفي الذي يعرض الأشخاص، فهو لا يهتم بالدرجة الأولى بإجراء حوار مع الشخصية موضوع التقرير، كما هو الشأن في الحديث الصحفي، وإنما يهتم بالدرجة الأولى بالرسم المتقن لملامح تلك الشخصية، وقد يجري كاتب هذا اللون من التقارير حوارا مع الشخصية موضوع التقرير، ولكن الحوار يجيء في المرتبة الثانية أو الثالثة في الأهمية، وقد لا يستفيد المحرر من هذه المقابلة في الحصول على أخبار أو آراء أو تصريحات، وإنما قد يركز استفادته في أخذ فكرة عن ملامح هذه الشخصية وطريقة تفكيرها وأسلوب حياتها، وإن كان هذا لا يمنع المحرر من الاستفادة بأقوال أو تصريحات لهذه الشخصية إذا كان مضمونها يخدم موضوع التقرير (عزيز، 2023).
ويقوم تقرير عرض الأشخاص بأداء الوظائف التالية:
- الرسم المتقن للشخصيات المشتركة في الأحداث اليومية الجارية.
- تصوير عملية الصراع بين الإنسان والطبيعة أو الإنسان والمجتمع أو الإنسان والمرض أو الإنسان والإنسان من أجل الشهرة أو المجد أو المال (يعقوب، 2021).
وكاتب هذا اللون من التقارير الذي يعرض الأشخاص لا بد أن يحرص كي لا يقع في المحاذير التالية (عزيز، 2023):
- أن يحرص على الرسم المتقن للشخصية التي يعرضها والتعبير الصادق عن أفكارها وأسلوب حياتها، فلا يضع على لسان الشخصية آراء أو أقوالا لم تقلها.
- أن يحرص كاتب التقرير على أن يميز تمييزا واضحا بين آراء الشخصية وانطباعاتها عن الشخص موضوع التقرير وبين آراء هذا الشخص نفسه.
- أن يحذر كاتب التقرير من الوقوع في خطأ الإيحاء بأن أفكار الشخصية موضوع التقرير تتوافق مع الأفكار التي يطرحها المحرر نفسه عن هذه الشخصية، فإن هذا يجعل التقرير أقرب إلى الدعاية الشخصية عن الشخص موضوع التقرير، وهو الأمر الذي يفقد التقرير الصحفي موضوعيته، ويفقد القارئ ثقته في كاتب التقرير نفسه.
وتقرير عرض الأشخاص مثله مثل التقرير الإخباري والتقرير الحي يكتب بقالب الهرم المعتدل.
طرق كتابة التحقيق الإعلامي:
هناك ثلاثة قوالب فنية لكتابة التحقيق الصحفي تقوم جميعها على أساس البناء الفني للهرم المعتدل، أي أن كل قالب لا بد وأن يتكون من ثلاثة أجزاء: المقدمة والجسم والخاتمة، وهذه القوالب الثلاثة هي (المجلس الأعلى للغة العربية، 2020) (الزيات، 2021) (النالوتي، 1984) (أبو زيد، 2012) (عزيز، 2023):
قالب الهرم المعتدل المبني على العرض الموضوعي:
وفي هذا القالب يعرض المحرر وبشكل موضوعي القضية أو المشكلة التي يتناولها التحقيق من خلال مقدمة يحرص فيها على إثارة اهتمام القراء بالموضوع، وهذه المقدمة قد تأخذ عدة أشكال، منها قيام المحرر بالتركيز على الزاوية الأساسية لموضوع التحقيق في حين يعرض في جسم التحقيق بقية زوايا الموضوع، وتتولى الخاتمة تقديم خلاصة ما انتهى إليه المحرر من آراء أو تصورات أو حلول للقضية أو المشكلة التي يتناولها التحقيق الصحفي.
وقد تأخذ المقدمة شكل التلخيص السريع لجميع زوايا الموضوع في حين تعرض كل زاوية من هذه الزوايا بالتفصيل في جسم التحقيق، أما الخاتمة فهي تتولى أيضا تقديم خلاصة النتائج التي توصل إليها المحرر، أما أبرز الأشكال التي يأخذها هذا القالب في كتابة التحقيق الصحفي، فهو يقوم على طرح المحرر لمجموعة من الأسئلة أو التساؤلات التي تثير اهتمام القارئ بالموضوع، ثم يقوم بعد ذلك بالإجابة على كل سؤال أو تساؤل منها في جسم التحقيق، وذلك من خلال عرض المعلومات والوقائع والبيانات التي حصل عليها، وكذلك من خلال عرض المقابلات الصحفية التي أجراها مع الشخصيات التي ترتبط بالموضوع، ثم أيضا من خلال البيانات والمعلومات الخلفية التي جمعها عن الموضوع، سواء من أرشيف المعلومات بالصحيفة أو من المكتبة، إن ذلك كله يشكل في النهاية الشواهد والأدلة التي يجيب بها المحرر على جميع الأسئلة أو التساؤلات التي طرحها في المقدمة.
أما خاتمة التحقيق، فتقدم خلاصة مختصرة للنتيجة أو النتائج التي توصل إليها المحرر، وقد تأخذ هذه الخلاصة شكل التأييد أو المعارضة لرأي من الآراء التي طرحت داخل جسم التحقيق، وقد يتبنى المحرر اتجاها جديدا لم يذكر في جسم التحقيق، ورغم أن فن التحقيق الصحفي لا يمنع المحرر من إبداء رأيه في الموضوع الذي يتناوله، إلا أنه يلزمه بأن يكون هذا الرأي منسجما مع مجموعة الشواهد والأدلة التي قدمها في جسم التحقيق حتى يكون مقنعا للقارئ، أي باختصار لا بد أن يكون موضوعيا.
قالب الهرم المعتدل المبني على الوصف التفصيلي:
وفي هذا القالب يصف المحرر في مقدمة التحقيق صورة عامة سريعة للحدث، أو يصف جزءا بارزا منه، بينما يترك الوصف التفصيلي للحدث ليكتب في جسم التحقيق الصحفي، أما الخاتمة فهي إما تربط بين التفاصيل المتناثرة لصورة الحدث، بحيث تقدم لنا في النهاية الصورة المتكاملة له أو تقتصر على الانطباعات الأخيرة للمحرر عن هذا الحدث.
وهذا القالب يصلح لكتابة التحقيقات التي تدور حول الرحلات أو المسابقات الرياضية أو المناقشات البرلمانية أو الاحتفالات والمهرجانات أو الاجتماعات والندوات الانتخابية.
قالب الهرم المعتدل المبني على السرد القصصي:
وفي هذا القالب يلجأ المحرر إلى كتابة التحقيق الصحفي في شكل قصة يسردها كما تُسرد القصص الأدبية، وهذا القالب وإن تماثل في بنائه الفني مع القصص الأدبية، أي له بداية وعقدة ونهاية، إلا أنه يختلف عنها في كونه يقوم على الوقائع الحقيقية وليس على الوقائع الخيالية كما هو الشأن في القصص الأدبية.
ويستخدم هذا القالب في التحقيقات الصحفية التي تتناول الموضوعات الإنسانية كمصرع عروس ليلة زفافها، والحوادث مثل سقوط طائرة أو غرق باخرة أو وقوع زلزال، بالإضافة إلى التحقيقات الصحفية التي تدور حول بعض الجرائم.
وهناك عديد من الشروط التي يجب مراعاتها بشكل عام أثناء كتابة التقرير الصحفي وهي:
- مراعاة التناسب الكامل بين أجزاء التحقيق الصحفي، بحيث لا تزيد مثلا “المقدمة” عن “التفاصيل”.
- ألا تكون المادة غير كافية لإقناع القارئ بأهمية الموضوع الذي يطرحه التحقيق.
- الحرص على الاحتفاظ باهتمام القارئ حتى نهاية التحقيق عن طريق إثارة غريزة حب الاستطلاع عنده.
- أن يحرص المحرر على إثراء التحقيق الصحفي الذي يكتبه بحصيلة ثقافته وقراءاته وتجاربه وخبراته في الحياة وبالمعلومات التي حصل عليها حول الموضوع، وأن يحرص على أن تكون هذه المعلومات جديدة على القراء، فكلما كانت المعلومات التي يحتويها التحقيق جديدة كلما كان الموضوع نفسه جديدا.
- أن يحرص المحرر على أن يخلق لنفسه أسلوبا متميزا في كتابة التحقيق (يعقوب، 2021) (شطاح، 2014).
ويشترط في الأسلوب الإعلامي أن يلتزم بالقواعد التالية:
- أن يحرص على استخدام الألفاظ المألوفة.
- الابتعاد قدر الإمكان عن المصطلحات والألفاظ العلمية الصعبة أو النادرة أو التي لا تستخدم إلا في مجالات المتخصصين.
- الحذر من الانزلاق إلى العامية المبتذلة.
- الاختيار الدقيق للألفاظ والعبارات الموجزة.
- الاقتصاد في الكتابة مع البعد عن الحشو والإسهاب.
- الحرص على التزام الموضوعية في نقل الآراء والاتجاهات (عزيز، 2023) (المجلس الأعلى للغة العربية، 2020).
ولا بد من الاهتمام بالصور التي تصاحب التقرير، ولا بد لهذه الصور أن تضيف معلومات أو حقائق جديدة إلى الموضوع، ولا يجب أن تكون تكرارا للمعلومات التي جاءت به، وعلى هذا الأساس فلا بد من الاهتمام بكلام المصادر، وأن ينظر إليها باعتبارها جزءا مكملا، فكثيرا ما تلعب الصور ومقاطع الفيديو دورا كبيرا في إنجاح التقرير أو إفشاله (أبو زيد، 2012).
ملاحظات هامة حول فن التقرير الإعلامي:
تتمثل فيما يلي (المجلس الأعلى للغة العربية، 2020) (ساعد، 2018) (حداد، 1989) (أبو زيد، 2012):
- من الضروري إدراك أنه لا يوجد فصل تام بين أنواع التقرير الصحفي الثلاثة، فهناك تقارير كثيرة قد تجمع بين صفات التقرير الإخباري وفي نفس الوقت تحمل أيضا بعضا من صفات التقرير الحي، فالصحافة مهنة لا تعرف الحدود الصارمة القاطعة بين الفنون الصحفية.
- من الضروري أن يحرص كاتب التقرير الصحفي على اختيار الوقائع والبيانات التي يضمها التقرير بدقة وعناية، بحيث لا ينتقي منها سوى تلك المعلومات أو البيانات أو الوقائع التي تساعد على إقناع القارئ بموضوع التقرير، فكثيرا ما يجد المحرر كاتب التقرير بين يديه كم كبير من المعلومات، بحيث لا يغريه بكتابة أية معلومة أو واقعة تقع بين يديه؛ وإنما يكتفي بنشر تلك المعلومات والبيانات الأساسية والضرورية في الموضوع والكافية لإقناع القارئ بموضوع التقرير، والتي ترد على تساؤلاته حول الموضوع.
- إذا وجد المحرر أن المعلومات أو البيانات أو الوقائع التي بين يديه غير كافية لتغطية جوانب موضوع التقرير، عليه أن يكتفي بتقديم أهم هذه الوقائع أو البيانات في شكل خبر صحفي فقط، ولا داعي إلى تحويلها إلى تقرير صحفي، فكثيرا ما يشارك الصحفي في حضور ندوة أو اجتماع أو مهرجان ولا يجد فيها ما يستحق أن يكون مادة لتقرير صحفي، وفي هذه الحالة لا يحتاج تغطية مثل هذه الندوات أو المهرجانات لسوى خبر صحفي فقط، فإن أسوأ التقارير هي التي تعتمد على مادة غير كافية لإشباع حاجة القارئ إلى المعلومات حول موضوع التقرير.
- لا بد أن يكون لكل تقرير صحفي هدف واضح وخطة معينة، وعلى ضوء هذا الهدف وعلى أساس من هذه الخطة يجب أن يختار الصحفي المعلومات والبيانات التي تخدم هذا الهدف.
- يجب أن يحرص كاتب التقرير على الالتزام بالموضوعية، ويرتبط بذلك عدم تشويه الحقائق أو الإقلال من أهميتها أو تضخيم هذه الأهمية، فإن منح كاتب التقرير حق التعبير عن رأيه في أثناء كتابته للتقرير لا يعني إعطائه الحق في تشويه الحقائق، وإنما في أن يذكر الحقائق وبجانبها يمكنه أن يذكر وجهة نظره الخاصة.
التقارير الإعلامية الجديدة عبر الكتابة الإلكترونية:
الكتابة الإلكترونية نوع حديث من الكتابة، يتفاعل فيها الكاتب عبر الأجهزة والبرامج الإلكترونية مع المواد متعددة بشكل واع وبإستراتيجيات حديثة، يستخدم فيها قدراته الكتابية بسرعة ودقة واقتصاد لتحقيق أهدافه (ساعد، 2018).
والكتابة الإلكترونية مختلفة عن الكتابة للوسائط الأخرى، فهي موجهة لقارئ مختلف إلى حد ما في انتقاله إن لم يجد ما يغريه على البقاء، وما يسهل نزعته هذه، بل يكرسها للخيارات المفتوحة غير المحدودة في متناوله (ساعد، 2018).
ومن الميزات الفريدة للصحافة الإلكترونية قدرتها على جمع كل الوسائط في مكان واحد، فهناك النص والصورة والشريط الصوتي والمشاركات والتعليقات من القراء، كل ذلك متاح لاستخدامه، ليغنيها ويقدم للمستخدم صورة أوسع عن الموضوع والمعروض (الزيادي، 2021).
وهذه الكتابة ترسخ علاقة جديدة بين الكاتب والقارئ، بين المؤلف والناقد، وهذه المميزات الأساسية لهذه الكتابة، وهي أنها غالبا ما تدخل في مسلسل التعليق والتعليق المضاد بمجرد أن تعلقها الشبكة (عبد الحميد، 2020).
وهناك سيولة نقدية مخالفا لما كان معهودا في الكتابة الورقية، ذلك أن هذه الأخيرة، نظرا لما تعرفه من بطء النشر والانتشار، تحتاج إلى رؤية، كي تتلقى وتهضم حتى يتم انتقادها، أما الكتابة الإلكترونية فهي تكاد تظهر مع حواشيها دفعة واحدة، بل غالبا ما يغدو حجم التعليقات والحواشي أضخم بكثير من النص ذاته، وهي تعليقات تتمتع بقدر كبير من الحرية، خصوصا وأنها معفية من الرقابات المتنوعة التي يفرضها النشر الورقي عادة (شطاح، 2014).
ومع المنافسة الشديدة لوسائل الإعلام مثل الراديو والتليفزيون، كان على الصحافة أن تتبنى طرقا جديدة في الإنتاج والتوزيع حتى تحافظ على مكانتها كوسيلة للإعلام الأكثر جماهيرية لدى الأفراد والمجتمعات، ظهرت الصحافة الإلكترونية وتطورت كنتاج لشبكة الإنترنت العالمية التي وقفت رمزا واضحا لثورة المعلومات التي يشهدها العالم في الوقت الراهن، وقد جاءت ثورة المعلومات كثمرة للمزج بين ثورة تكنولوجيا المعلومات من جهة، وثورة تكنولوجيا الحاسبات من جهة أخرى (عبد الحميد، 2020).
ولم تعد وسائل الإعلام مجرد وسيلة لنقل المعلومات، وقد أسهمت وسائل الإعلام الغربية في تشكيلها، بينما لا يزال هذا النوع من الصحافة في بداياته بالمنطقة العربية، ويحتاج إلى مزيد من التوضيح لمفاهيمه وقواعده الأساسية، وتحمل بيئة العمل في الصحافة الإلكترونية الكثير من الاختلافات عن بيئة العمل في الصحافة المطبوعة، وهناك مجموعة مترابطة من الخصائص والسمات السائدة في بيئة عمل الصحافة الإلكترونية، من حيث الأساليب التي تصل بها الأخبار للقارئ وتغطية الأحداث بشكل لحظي وفوري لتحقيق الفعالية والتواصل لهذه الصحف الإلكترونية مع جمهورها، وحرية التعبير وحدود الرقابة في عصر الصحافة الإلكترونية (محمد، 2021).
أثر التكنولوجيا على العمل الإعلامي المقروء والمسموع والمرئي:
شهد عالم الإعلام في السنوات الأخيرة العديد من التغيرات والتحولات التي تمس صلبه، سواء في عملية جمع وتحرير الأخبار ونشرها أو إدارته أو في طبيعة الأطراف المشاركة في العملية الصحفية، وانعكست تلك التغيرات على علاقة الصحفي كمنتج للمعلومة الخبرية والجمهور كمستهلك ومتلقٍ، فلم يعد الصحفي في العملية منتج المعلومة والخبر والرأي فقط، ولم يعد الجمهور متلقٍ سلبي لها، بل أصبح مشاركا، ما استتبع معه ظهور تحولات كثيرة ذات صلة برسالة الصحافة وأدوارها وممارساتها (الزيادي، 2021).
وقد وجدت وسائل الإعلام المعاصرة نفسها أمام تحديات جديدة، سواء كان ذلك في غزارة مصادر المعلومة أو سرعة نقلها، فأصبح بالإمكان نقل المعلومة بسرعة كبيرة وعلى أوسع نطاق، محدثة بذلك ما يشبه الثورة، حيث لعبت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات دورا في وفرة المعلومات في جميع المجالات وعدم إمكانية احتكارها وإتاحتها لكل من يستطيع الوصول إليها، مع اندماج وسائل الإعلام من خلال التوسع في الاتصال وخصوصا عبر شبكات القنوات الفضائية والتلفزيونات الخطية والإنترنت، وربط الكمبيوتر وشاشة التلفزيون ليكون جهازا عزز تدفقا لا مثيل له في الاتصال وفي خلق تنافس في الصحف (عزيز، 2023).
فإن التطورات التكنولوجية التي طالت عالم الصحافة، أوجدت بديلا للورق، وكانت شبكة الإنترنت هي البيئة التي يفضل الناشرون أن تكون الفضاء الجديد للإعلام الجديد بأنواعه، بحيث أضافت شبكة الإنترنت للصحافة مميزات وسمات يحبذها القراء، باعتبار أن التكنولوجيات الحديثة أضحى لها تأثير على أعداد الجماهير المتلقية للرسالة ويستغلها الناشرون، وهذا التأثير زاد حجم الجمهور المتلقي (عبد الحميد، 2020).
ولا بد من تذكر أن السرعة في إنجاز العمل ناتج عن السرعة في الجمع، والسهولة في الاستدعاء والعرض، مما يتيح نتيجة أفضل، من خلال الدقة والتخزين، خاصة للعناوين والنسخ التي تأتي متأخرة، مع الأرشفة المناسبة للموضوع الصحفي، والجودة في المعلومات التي يمكن أن يعود إليها الصحفي كمصدر معلومة أو تراكم معرفي مستقبلا، كما كان الأثر التكنولوجي جليا على العمل الصحفي من خلال استفادة التحرير الصحفي من هذه التطورات في تحقيق السرعة، والدقة، والمرونة، وتقليل عدد العاملين في الصحف الإلكترونية، وفي التقليل من التكلفة (محمد، 2021).
وقد استفاد المحرر الصحفي من التكنولوجيا بإجراء التعديلات التحريرية التي يرغب فيها على شاشة الحاسب الآلي، باستخدام برامج معالجة الكلمات والنصوص، التي توفر إمكانية التصحيح اللغوي أو رصد الأخطاء اللغوية وتصحيحها، حيث الحصول على نسخة محررة نظيفة خالية من الشطب، بعد تحسن عمل المراجعين وتراجع احتمالات الخطأ الإملائي والنحوي، لأنه يمكن التأكد من صحتها إلكترونيا (رابح، 2022).
فالأثر التكنولوجي على العمل الصحفي لم يتوقف في المجال التقني والفني وحسب، من خلال بروز وظائف جديدة منها على سبيل المثال لا الحصر (ساعد، 2018) (عزيز، 2023):
- وظيفة إنتاج وجمع المادة الصحفية إلكترونيا.
- وظيفة معالجة المعلومات الصحفية رقميا.
- وظيفة تخزين المعلومات الصحفية واسترجاعها.
- وظيفة نقل ونشر وتوزيع المعلومات الصحفية.
- وظيفة عرض المواد الصحفية.
- وظيفة التحرير الإلكتروني، وتتمثل في تنوع البرامج المساعدة في عملية الكتابة، والمعالجة، والتحرير الإلكتروني، وبرامج فحص الأسلوب والإعراب والإملاء، إلى جانب وجود برامج لكتابة القصص الإخبارية بشكل آلي باستخدام طرق التغذية الإلكترونية.
فقد انتقلت العملية التحريرية من الطريقة التقليدية والكتابة على الورق إلى بشكل إلكتروني، ومن الممكن أن يقوم بذلك من خلال استخدام لوحة المفاتيح الملحقة بشاشة العرض المـرئي، وبالتالي فإن عملية التحرير تعنى القيام بواحد أو أكثر من الإجراءات المتعلقة بإضافة معلومات جديدة على المادة، وهو ما يؤكد شمولية تلك الوسيلة لجميع العمليات بالملف أو حذفها أو نقلها من مكان إلى آخر (الزيادي، 2021).
كما أن ظهور الإنترنت غيّر من دورة العمل الإعلامي التقليدية وانتهج أسلوب المباشرة والفورية، مع الآنية والانتقال من الوتيرة الدورية لتغطية الأخبار إلى الجريدة المسترسلة، فالتطورات التقنية والتكنولوجيا أحدثت بالفعل تحولا في طبيعة إدارة العمل الصحفي، حيث لم يعد الاتصال بين منتجي المضامين الاتصالية والمستخدمين ذا اتجاه خطي واحد، كما زاد معدل التواصل الشبكي التعددي بين المستخدمين وبين المشرفين على المواقع عبر أدوات متنوعة ومتعددة، كما قلت الضغوط التقليدية الخاصة بالوقت والمساحة عما قبل، وكذلك لم يعد الصحفي حارس بوابة فقط، بقدر ما هو مراقب و مدير للحوار الذي يساهم فيه المستخدمون (عبد الحميد، 2020).
تأثير التكنولوجيا على محرر التقارير الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية:
لم تتوقف تأثيرات التكنولوجيا عند بيئة العمل الصحفي وبنيه المؤسسة الإعلامية، بل شمل التحول حتى المصطلحات والمفاهيم المستخدمة، إذ بدأ البعض يتحدث عن الصحفي الإلكتروني أو الصحفي الإنترنتي، وهو في صحيفة مطبوعة، ويجب أن تتوفر فيه الصحفي الذي يحرر الأخبار على شبكة الإنترنت فقط، جملة من الشروط منها (الزيات، 2021) (عزيز، 2023) (الزيادي، 2021):
- أن يعرف الصحفي الإلكتروني كيف يبحث على الإنترنت، وكيف يتجول على مواقع الإنترنت المختلفة.
- أن يكون لديه بريد إلكتروني لإرسال واستقبال الرسائل، ويقتضي ذلك أن يكون مدركا حتى لا يحول جهله في منع وصول رسالة خبر هام في الوقت المناسب.
- أن تتوفر لديه الخبرة بطرق حماية وأمن الحاسب الآلي، مثل: البرامج المضادة للفيروسات، والبرامج المضادة للتجسس.
- متابعة ما يتم نشره وردود الفعل والرد على ما يقتضي الرد، أو نشر الردود وفق السياسة التحريرية المعمول بها.
وقد مكنت التطورات التكنولوجية محرري اليوم من العديد من البرامج التي تخدم عملهم عند التعامل مع مادة صحفية معينة، وخاصة برامج معالجات النصوص التي تستخدم في أنظمة التحرير الإلكتروني وبرامج النشر التي تستخدم في مجال تصميم صفحات الجرائد، وتعتمد البرامج التي تخدم أهداف المحرر في صياغة المادة الصحفية في أغلب الأحيان على مداخل لغوية لتصحيح الأخطاء والهفوات وهي في الغالب مزود ببرنامج خاص يحوي مجموعة من القواميس اللغوية وبعدة لغات (شطاح، 2014).
وغدت التقنيات الحديثة تسمح للصحفي الإلكتروني من تجاوز عدة مراحل كانت بالأمس رهينة قرار المصحح ورئيس القسم أو رئيس التحرير، ومع اتجاه العمل الصحفي بشكل سريع ومتزايد نحو الاعتماد على تكنولوجيا الاتصال أصبحت هذه العملية تتم آليا على إحدى شاشات الحاسب الآلي ضمن أنظمة النشر المكتبي داخل مقر الصحيفة فيما يعرف بالتحرير الإلكتروني (عزيز، 2023).
وتبرز أهمية الحاسب الآلي في الإعلام للعبه دورا مهما في تطوير الاستخدامات الصحفية للتكنولوجيا، لضبط المقابلات وإجرائها في بعض الحالات أضحي يتم عن طريق البريد الإلكتروني وغيرها من التقنيات، وقد أصبح الإبحار في شبكة الانترنت سلوك يومي للصحفي للبحث في محركات البحث وقواعد المعلومات للحصول على ما يتقاطع مع موضوعه اليومي خاصة وأن هناك مصادر للأخبار تتوجه إليها الصحف الإخبارية على شبكة الإنترنت للحصول على الأخبار، حيث تسعى المؤسسات الصحفية إلى الاستفادة من خدمات الإنترنت اقتصاديا وإعلاميا وأصبح هناك الكثير من المواقع والصفحات الإلكترونية العامة والمتخصصة تؤدي خدمات ومهمات إعلامية منوعة، ناهيك عن التغطيات الصحفية التي يستطيع فيها المحرر إرسال واستقبال المواد الصحفية من وإلى صحيفته، ومصادره من أي مكان وفي أي وقت وبدون تكلفة، مما يساعده على الاستفادة من البيانات المتبادلة وتوثيقها وتصنيفها وتطوير وسائل جمع المادة الصحفية، وطرق التقائه بمصادره، حيث يمكنه عقد مؤتمرات صحفية عن بعد، والاتصال بالمصادر عبر البريد الإلكتروني، وعقد نقاشات جماعية، والاطلاع على أشكال جديدة من العمل الصحفي، وعلى أفكار موضوعات صحفية مختلفة، والبحث عن زوايا جديدة في معالجة القصص والتقارير الصحفية (الزيادي، 2021) (عزيز، 2023) (الزيات، 2021).
وقد أصبحت شبكة الإنترنت النافذة التي يواجه من خلالها المحرر الصحفي الإلكتروني العالم على اتساعه، وتعد خدمة الإنترنت مجالا جديدا إعلاميا بكل المقاييس وساحة ثقافية ووسيطا لأحدث التطورات التكنولوجية في حقل الإعلام، وقد بدأت الكثير من الصحف بالاشتراك فيها، من أجل أن تشمل مطبوعاتها على الشبكة، أو الحصول على خدماتها، والاستفادة من نظم أرشفة البيانات فيها (الزيادي، 2021).
أثر التكنولوجيا على وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية:
أثرت التطورات الراهنة في تكنولوجيا الاتصال على الاتصال الجماهيري وبوجه خاص على وسائله وعليه كعملية، خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين في البنية التحتية لأنظمة مستمرة متصلة ذات أطراف متعددة (رابح، 2022).
وتتمثل الطبقة الأساسية للاتصالات في التليفونات وشبكة الكوابل التقليدية والكوابل الضوئية وشبكة الاتصالات اللاسلكية وأنظمة الاتصالات المعتمدة على الأقمار الصناعية، بينما تتمثل الطبقة الثانية في برامج الاتصالات الخاصة بعمل الأنظمة التكاملية القائمة على تكنولوجيا الحاسبات الآلية والأجهزة المتصلة بها، متمثلة في الأشرطة المغناطيسية والأقراص المرنة والصلبة والضوئية، الأمر الذي ساعد في التزايد المذهل في نقل المعلومات وتبادلها، بينما الطبقة الثالثة قائمة عندما يكتمل بناء الطبقتين الأولى والثانية حيث يصبح لدى الدولة البنية التحتية لتداول المعلومات الضوئية والرقمية والصور والتي تسمح بتداول المعلومات بأقصى سرعة ممكنة مع السماح بتبادل الخدمات المتكاملة لجميع الكيانات المعنية بالأمر بداية من مستوى الفرد والمنشأة الخاصة إلى الجهات الحكومية والدولة (ساعد، 2018) (شطاح، 2014) (الزيادي، 2021).
إن التكنولوجيا الاتصالية الجديدة لم تلغِ الصحف كوسيلة اتصال ونشر وإعلام، ولكن تطورت وتغير شكلها، فتغيرات بظهور مستحدثات جديدة في مجال صف حروف الجريدة وفي نظم الطباعة ونظم إرسال الصفحات عبر الأقمار الصناعية ما أثر على أساليب التحرير والإخراج والإنتاج بشكل عام (عزيز، 2023).
خاتمة:
كانت الصحافة بشكلها التقليدي المطبوع، من أكثر الوسائل بعد التليفزيون التي استفادت من التطور التكنولوجي الاتصالي، وتأثرت تأثرا يكاد يغير من شكلها التقليدي ويقدم فعلا من البدائل العملية لها، وظلت طوال قرن كامل من الزمن وحتى بداية الستينات لم يدخل عليها أي تغيير تقني مهم.
ومنذ عام 1900 أدي اختراع التليفون والراديو والتليفزيون إلى قلب أوضاع الاتصال ولكن دون أن تمس المخترعات جوهر الصحافة، ولكن عقد الثمانينات شهد تطورا متعاظما في صناعة الصحافة، تمثل في إدخال الحاسبات الإلكترونية في معظم جوانب العملية الصحفية إلى جانب الاستفادة بتكنولوجيا الاتصال عن بعد (السلكية واللاسلكية).
وقد اهتمت اللغة الإعلامية على وجه التحديد بالوظيفة الإبلاغية التي تجري وراء الحدث وتنتهي به، ونتيجة لهذا، ستصطدم بالفراغات المعجمية والهيكلية التي توجد داخلها فتلتجئ إلى ملئها، فاللغة في الحقيقة تعكس واقع المجموعة أو البلد الذي تنطق عنه، حتى مع التأثر باللغات الأجنبية العالمية التي تسوق أخبارها حتى أصبحت واقعا لغويا.
ويمتاز الإعلام الحالي بانفتاح اللغة وإقبال الغريب على الحدث، حتى أصبحت لغة الإعلام العربي تستقي أدوات تعبيرها من اللهجة المنطوقة المتداولة، خاصة إذا كان الموضوع مثلا اجتماعيا أو أخلاقيا أي يتعلق العلاقات بين الناس.
والتقرير الإعلامي بأنواعه فن يقع ما بين الخبر والتحقيق الصحفي، ويقدم التقرير الصحفي مجموعة من المعارف والمعلومات حول الوقائع في سيرها وحركتها الديناميكية، فهو إذن يتميز بالحركة والحيوية، والتقرير لا يستوعب الجوانب الجوهرية أو الرئيسة في الحدث فقط، كما هو الشأن في الخبر، وإنما يمكن أن يستوعب وصف الزمان والمكان والأشخاص والظروف التي ترتبط بالحدث.
ولا يقتصر التقرير الإعلامي على الوصف المنطقي والموضوعي للأحداث، وإنما يسمح في نفس الوقت بإبراز الآراء الشخصية والتجارب الذاتية للمحرر الذي يكتب التقرير، فكلما كان المحرر شاهد عيان على الحدث كلما زادت فرصة النجاح أمام التقرير الإعلامي.
المصادر:
الشيماء محمد أحمد حمادي. (2018). النمط الوصفي في تقارير عرض الشخصية في جريدة الأهرام المصرية “دراسة كيفية”. مجل البحوث الإعلامية، ع49.
المجلس الأعلى للغة العربية. (2020). اللغة العربية في الصحافة المكتوبة. المجلس الأعلى للغة العربية.
بودية رابح. (2022). الكتابة الرقمية بين اضطراب المفهوم وتعدد الوسائط الإعلامية “دراسة في نماذج مختارة في الوصف الغربي والعربي”. مجلة اللغة العرية، مج25، ع2، 299-323.
حمزة أمحمد الثلب، و خالد أبو القاسم غلام. (2019). آليات تحليل الخطاب الإعلامي للصحف الليبية: دراسة تحليلية لصحيفتي الصباح وليبيا الإخبارية. مجلة كلية الفنون والإعلام، ع8،.
رضا عبد التواب عبد اللطيف الزيات. (2021). تحديد مهارات الكتابة الصحفية الإلكترونية في ضوء نظرية معالجة المعلومات لدى تالاميذ الصف الثاني الإعدادي. دراسات تربوية واجتماعية، مج27، ع مارس.
ساعد ساعد. (2018). الأثر التكنولوجي في البيئة الاقتصادية للإعلام الجديد. المجلة الدولية للاتصال الدولي، مج5، ع2.
عدة محمد. (2021). آليات التأطير إلإعلامي في التقارير الإخبارية التلفزيونية “دراسة تحليلية لعينة من التقارير الإخبارية المتعلقة بحركة التغيرات الاجتماعية والسياسية بالمنطقة العربية – التلفزيون الجزائري نموذجا”. جسور المعرفة، مج7، ع3، 309-327.
عروسية النالوتي. (1984). بعض عناصر حول خصائص اللغة الإعلامية والأدبية. مجلة الآداب، ع3.
عمرو محمد محمود عبد الحميد. (2020). توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الإعلامي وعلاقتها بمصداقيته لدى الجمهور المصري. مجلة البحوث الإعلامية، ع55، ج5.
فاروق أبو زيد. (2012). فن الكتابة الصحفية. عالم الكتب.
كريم روماني غطاس عزيز. (2023). أساليب الكتابة في الصحف المصرية الورقية والإلكترونية في ضوء متغيرات البيئة الرقمية الجديدة “دراس تحليلية”. مجلة بحوث كلية الآداب بجامعة المنصورة.
لطفي الزيادي. (2021). اللغة العربية في وسائل الاتصال والإعلام والتحول الرقمي: قراءة تاريخية وملاحظات آنية. مجلة البحوث الإعلامية، ع56، ج2.
محمد شطاح. (2014). فنون الكتابة في وسائل الإعلام “دراسة تطبيقية على خصوصية الكتابة الإعلامية”. الباحث الإعلامي، ع24.
مليزي يعقوب. (2021). الكتابة الصحفية عند الكاتب عيش يحياوي: دراسة تحليلي لبعض مقالات الكاتب. مجلة العمدة في اللسانيات وتحليل الخطاب، مج5، ع2، 88-100.
نبيل يوسف حداد. (1989). أدوات الربط في الكتابة الصحفية باللغة العربية. المركز العربي الإقليمي للدرسات الإعلامية للسكان والتنمية والبيئة.