من بعد اعتلاء الولايات المتحدة المسرح الدولى عقب الحرب العالمية الثانية، وتأسيًا منها بالنهج السياسى الإمبريالى البريطانى فى الشرق الأوسط من حيث العمل على اصطفاف الشركاء الإقليميين إلى جانبها فى مواجهة التحديات الدولية والإقليمية التى يستحيل على لندن أو واشنطن من بعدها معالجتها بمفردها، فقد وضع المسئولون الأميركيون فى العام 1951 مفهوم «قيادة الشرق الأوسط» MEC بهدف ملء فجوات المصالح الإستراتيجية والسياسية (من وجهة نظرها) فى مصر والمنطقة، إلا أن حكومة النحاس باشا رفضتها آنئذ على الفور، قبل أن تُعاود واشنطن منذ ذلك التاريخ ولسبعة عقود تالية طرح العديد من الأفكار والمشاريع على هذا المنوال (..) لن يكون آخرها ما تُجريه من دراسات مع بداية العام 2021 بشأن تشكيل “منتدى شرق أوسطي” يواصل ويؤكد وجود نفوذ الولايات المتحدة فى المنطقة، ليس بعيدًا فى مفهومه عما سبق لها طرحه 2004.. وبموافقة أوروبية- فى مشروع الشرق الأوسط الجديد «والموسع»، ليمثل آنئذ تطويرًا على نطاق أكثر اتساعًا لما سبق أن تبنّته بريطانيا على مشروع لتضامن دول الهلال الخصيب الذى لم يَر النور ليحلّ محله فى 1945 جامعة الدول العربية التى سارعت منذ 1954 بالاستقلال بنفسها عن الخطط الأمنية الغربية من خلال “اتفاقية الدفاع المشترك”، بالتوازى مع تصدّى مصر لمقاومة سياسة الأحلاف الأنجلوأميركية (بغداد- السنتو..).. ومن بعد لمشروع «أيزنهاور» لملء الفراغ فى الشرق الأوسط يناير 1957، وإن أدى وقتئذ إلى افتراق مصر والسعودية من بعد أول زيارة لزعيم عربى (سعود) للبيت الأبيض، ولتمرَّ خلال العقود التالية مياه غزيرة آسنة تحت الجسور العربية، وفى ظل ما يُعرف بدبلوماسية التنمية الأميركية، التى تستهدف ما يطلق عليه «تأميم الجماهير» لصالحها، حيث اختلط التاريخ بالسياسة وتعقيدات الحرب بدعوات السلام امتزاجًا كاملًا، مما أدى إزاء مواجهة المشروع الأميركى للشرق الأوسط الجديد إلى تقسيم المنطقة إلى محورين، كتلة الاعتدال العربية (6+2+1 الولايات المتحدة)، ومحور الممانعة (..)، ما دعا أمين عام الجامعة العربية فى 2009 إلى طرح مقترحه حول ما سمّاه «روابط دول الجوار»، الأمر الذى اعتبرته الدوائر السياسية العربية فى معرِض رفضها للمقترح.. أشبه باختلاط الحابل بالنابل أو الماس بالزجاج، ولغير صالح المنظومة العربية التى قد تتعرض حينئذ إلى التآكل لو أنها ارتبطت بجيران أكثر منها تنظيمًا وذات مشاريع خاصة قومية توسعية. فى سياق هذا المناخ المضطرب، كان من الطبيعى أن تهبّ على الإقليم رياح ما يسمى «الربيع العربى» بعواصفها الخماسينية التى أشاعت الفوضى فى أرجاء المنطقة لعقد تال- لا تزال- حاولت مصر فى 2015 تجديد وإحياء اتفاقية الدفاع المشترك من خلال اقتراحها بناء قوة عربية مشتركة، إلا أنه تم تأجيل إعلانها فى الساعات الأخيرة إلى أجلٍ غير مسمّى، كما تسعى اليوم للدعوة إلى تعاون استخبارى عربى لمواجهة «الإرهاب» ضمن تحديات أخرى يتعرض لها العالم العربى، إذ تخلق فراغات سوف يستغلّها خصوم تاريخيون فى داخل الإقليم أو خارجه، بسيّان، بحيث لا يُجدى التصدى لمَلْئها من خلال الطروحات الغربية الانتقائية عبر سبعة عقود خَلَت، حيث لا يزال الخصوم فى محاولاتهم إجراء مفاوضات إضافية لمواصلة وتأكيد نفوذهم بمشاركة جميع دول المنطقة، لن تكون المنظومة العربية فى إطارها سوى الطرف الأضعف داخل شرق أوسط قلِق ومتوتر سوف يتيح للإفلاس الأميركى البحث فى دفاتره القديمة
End of current post