الإصلاح و«الهامبورجر»

الإصلاح و«الهامبورجر»
حازم شريف

حازم شريف

11:43 ص, الأحد, 25 يوليو 04

ما بين مطرقة غياب خطوات واضحة للإصلاح السياسي، وسندان فساد الطبقة الواسعة من البيروقراط، يبدو موقف حكومة التكنوقراط الجديدة أشبه بساندوتش الهامبورجر.
ومع انتشار تصورات بالغة التفاؤل في أوساط قطاع الأعمال، ترتكز على سهولة عملية الإصلاح الاقتصادى في ظل انضمام وزراء جدد إلى التشكيلة، يعون جيداً طبيعة الأهداف المطلوب إنجازها، يصبح موقف هؤلاء- من وجهة نظرنا- أكثر صعوبة بإضافة الضغوط الكامنة وراء حالة التفاؤل السابقة.
كلنا نعلم أن الإصلاح الاقتصادى بات لا يمكن تأجيله، الجميع يعى أهميته، ويدرك خطواته، ويستشعر مدى الحاجة إليه، والغريب أننا نفهم ذلك منذ زمن بعيد، تماماً كما كانت تدركه ولا تنكره الحكومات المتعاقبة، بل وتنادى وتلوح به بعض الوقت، دون أن تتحرك في اتجاهه سوى عدة سنتيمترات، سرعان ما تتراجع عنها مرة أخرى طول الوقت.
لماذا؟، لأن عملية الإصلاح المطلوبة، وإن كان ظاهرها اقتصادياً، يمكن تناوله بالعشرات من الدراسات والندوات والمناقشات، إلا أن تحقيقه على الوجه المطلوب، يتوقف بالأساس على عوامل سياسية، بمعنى يشمل كافة علاقات القوة والنفوذ والمصالح في المجتمع.
صحيح أن وصفة الإصلاح الاقتصادى تبدو جاهزة: تشجيع الاستثمار، إزالة المعوقات أمام تدفق رؤوس الأموال، الاستعانة بالكفاءات وبصفة خاصة من الشباب، تحديث البنية الأساسية بما فيها التكنولوجية، الاهتمام بالكوادر البشرية والتدريب والعملية التعليمية، اتباع سياسات مالية ونقدية ومالية غير متضاربة منسجمة مع الأهداف الاقتصادية.
إلا أن المشكلة كانت ومازالت تكمن في أن أى خطوة ولو محدودة على طريق الإصلاح، يقابلها على مستوى الواقع العملي، مصالح كثيفة متشابكة، ينبغى التعامل معها سياسياً، للعبور إلى ما يليها من خطوات.
ولنا أن نتخيل على سبيل المثال حجم المصالح الهائل، الذي يعترض عملية تيسير الإجراءات على المستثمرين الراغبين في إنشاء مشروعات جديدة.
آلاف بل ومئات الآلاف من الموظفين في عشرات الأجهزة الحكومية البيروقراطية، يعولون وراءهم بضعة ملايين من البشر، ويعتمدون فى معيشتهم-في ظل تواضع ما يتقاضونه من رواتب- على غلة تعقيد وتطويل هذه الإجراءات.
هل يمكن أن يتخلى هؤلاء عما اعتادوا عليه من دخل يلبون به احتياجاتهم الأساسية من أجل عيون المستثمرين؟
بالطبع لا، وليذهب المستثمرون والإصلاح إلى الجحيم.
نفس الأمر ينطبق على العديد من الأمور الأخرى، كمسألة الإصلاح الإداري، الذي لابد أن يسقط فيه ضحايا، تسهيل إجراءات التصدير، إصلاح المنظومة الضريبية والجمركية، الإصلاح المصرفي وغير المصرفي.
باختصار-وكما يردد دائماً جميع الأخوة الإصلاحيين- هناك ثمن للإصلاح، ولكن السؤال الذي لا يطرحه الكثيرون: هل يوجد من يقبل أن يدفعه؟
بدون إصلاح سياسي، وبدون مشاركة سياسية، وكوادر سياسية قادرة على إقناع الجماهير بمصداقيتها وقدرتها على الوفاء بما تتعهد به من وعود.. لن نعثر على مواطناً واحداً يملك قدراً ولو ضئيلاً من الاستعداد، لكي يضحى اليوم، من أجل مستقبل هو على يقين بحكم خبرته السابقة-سواء كان على صواب أم خطأ- أنه لن يصيبه من ازدهاره شيء، هذا إذا ما كان يظن في هذا المستقبل السعيد من الأساس.
وبدون ذلك أيضاً نخشى أن تكون ممارسة الضغوط التفاؤلية على الوزراء الإصلاحيون الجدد في ظل غياب عملية سياسية، تحمى ظهورهم في مواجهة مصالح البيروقراطية-وغير البيروقراطية- بمثابة دفعهم دفعاً إلى المفرمة أو الزج بهم في أتون معركة بلا سلاح.