من بعد هدوء نسبى لسنوات، روعت بغداد قبل ساعات بانفجار انتحاري مزدوج راح ضحيته مئات الأرواح، جاء متوازيًا مع أمرين، الأول فى إطار النجاح الذى تحققه حكومة «الكاظمي» منذ مايو 2020 حتى الآن حيال محاولاتها ترتيب الملفات الداخلية والخارجية.. تمهيدًا لإجراء انتخابات جديدة تشريعية تستند إلى صيغة مستحدثة تمنع التزوير، تأجلت من يونيو إلى أكتوبر المقبل، يخوضها 230 كيانًا سياسيًّا من الأحزاب التقليدية، وتلك الجديدة التى خرجت من رحِم انتفاضة أكتوبر 2019 ويدور بشأنها اختلافات حول الإشراف الخارجى على إجراءاتها الانتخابية، خاصة من جانب القوى المحسوبة على إيران «المالكي» التى أصدرت بيانًا بذلك من بعد اجتماعه بالسفير البريطانى فى العراق، ذلك فيما يتصل الأمر الثانى لما يبدو من محاولات مقاومة جهود إيجابية عن التحالف الناشئ «المشرق الجديد»، بين العراق والأردن ومصر.. لدعم العلاقات فيما بينهم على الجبهة العربية الشرقية، اقتصاديًّا وإستراتيجيًّا، بما فى ذلك تأجيل زيارة الرئيس المصرى إلى بغداد، لأسبابٍ أمنية، قبل لقائه الثنائى مع ملك الأردن فى عمان 18 يناير الحالى.
إلى ذلك، كلما اتجهت مواقف العراق للمزيد من الصلابة، طاش صواب الراغبين فى تطويع العراق واحتوائه خارج إطاره العربى، إما باستدراجه إلى مغامرات عسكرية طوال الثمانينيات، وفى مطلع التسعينيات، قبل غزو أراضيه وتفكيك جيشه فى العام 2003، وصولًا إلى الخلل البنيوي فى النظام القائم وطريقة الحكم لتسعة عشر عامًا تالية، قبل اتجاه حكومة «الكاظمي» خلال العام الأخير إلى إحداث تغيير سلمي حقيقي فى العملية السياسية على الصعيدين الخارجي والداخلي، سواء لتقليص سطوة التدخلات الأجنبية والإقليمية والدولية، أو للقضاء على الفوضى والفساد إلى ردع الميليشيات، ومحاولة إيقاف المحاصصات العرقية والطائفية، ومن ثم إلى إحياء مبادئ الحكم الرشيد، عبر إجراء دورة جديدة من الانتخابات النزيهة تسهم فى تقوية الشأن العراقى الذى أصبح، وفقًا للرئيس العراقى، «بحاجة ماسّة إلى عقد سياسى جديد يؤسس لدولة قادرة ومقتدرة وذات سيادة كاملة»، إلا أن المعضلة تكمن فى كيفية تحقيق ذلك بطرقٍ سلمية، خاصة مع انتشار السلاح بأيدي فصائل تسيء استخدامه من أجل مصالحها الخاصة وفى خدمة الواقفين وراءها، سواء من داخل الإقليم أو خارجه، على أن مواجهتها إذا كانت صادقة فسوف تلقى دعمًا شعبيًّا هائلًا (انتفاضة أكتوبر 2019 مثالًا)، إلا أنه ينبغي البحث هذه المرة أيضًا عن الأسباب فى عوامل خارجية لتوظيفها كورقة سياسية وعسكرية، من الضرورى تحييدها، لقطع الطريق عن التلويح بالإرهاب لمحاصرة ردود الفعل ضد المعاناة الشعبية التى باتت بجانب الجيش والأمن، بعد إعادة تنظيمهما، السلاح الأمضى لعودة العراق إلى محيطه العربى.