كلنا يعلم أن العلم والفن هما جناحى إدارة اَى شىء أو شخص أو موقف. فلا يكفى أن تكون (عالما) بالشخص أو موقفه أو بخفايا الشركة أو الصفقة ولكن يجب أن تدير ذلك (بفن) وكياسة الاستمرار والبقاء.
ومن الإدارة العادية التى قد تثمر أزمة، فتحتاج لإدارة الأزمة بذات الطريقة، إلى الإدارة (بالأزمات) التى تفتعل فيها مواقف وضغوط وأزمات تضع الطرف الآخر فيها دوما، لتحصل على ما تريد أو تمرر ما تريد وسط ضباب الأزمة .
ولكن مؤخرا لفت نظرى منهجا جديدا فى الإدارة هو ( الإدارة بالودان ) والتى من مصادرها صناعة الشائعات، غير أن الإدارة بالودان تهدف إلى إدارة الصورة الذهنية لأى شخص أو موقف أو مشكلة عن طريق إدارة جهاز استقباله الأول ( الأُذن ) والبقاء قرب هذه الأذن بتمكن عنصرى العلم والفن من إدارتهما.
للإنسان أذنان ، واحدة للفهم والأخرى للرد! وأغلب المشاكل والأزمات تنتج عندما تغلب أُذِن الرد على أُذِن الفهم! بمعنى أن أذن الفهم تصغى لمضمون الحديث أو الخبر أو المعلومة أو الموقف لتفهم الموضوع وتعقله ، أما أذُن الرد فهى تسمع الحديث أو الشائعة أو الخبر أو الموقف لترد عليه وتنتقده بدون تعقل أو تدبر! أُذن الفهم عادة رادار المستقبل بإيقاعات الماضى وحضور الحاضر. أما أُذِن الرد، فدوما قنابل الحاضر وشماعة الماضى وعدو المستقبل، لأن هدفها الأساسى هو الرد الفورى لركوب الموجة، عقدة نقص، خالف تُعرف، إثبات وجود، صيد مصلحة، ظهور فى اللقطة، وهكذا.
ومن هنا تطورت الإدارة العملية فى تفاعلها مع علم القيادة إلى استحداث (الإدارة بالودان)! لو ركزنا فى منطق حديثنا أو كتاباتنا أو تصرفاتنا أو قراراتنا ، سنلاحظ إمكانية توجيه وإدارة الآخر من خلال أى من الأذنين نُخاطب؟ لتفهمه وتوعيه وتكسبه؟ أم لحشوه أو تضلله أو تستفزه أو تورطه فى رد سريع مدروس، يخلق أزمة أنت محتاجها، فى أخذ صاحب الأذنين لمكان آخر تماماً؟!!
الادارة بالودان تبدأ من مستوى الأشخاص إلى العائلة إلى الشركة أو العمل إلى المجتمع إلى الشعب ذاته. وكثيرا ما أتساءل لأهمية وجود مدير للودان أو مناهج للودانجية؟
الفكرة فى تقديرى أعلى وأخطر من المفهوم البسيط للشائعة الموجهة فى اتجاه واحد فقط، ينتهى بموت الشائعة أو تصحيحها. الإدارة بالودان قد تستهدف جيلا بالكامل أو مرحلة برمتها، بل وقد يصل الأمر إلى تقسيم الإدارة إلى فريق يعمل على أُذِن الفهم، وفريق على أُذِن الرد، لخلق حالة من التوازن القابل للفوران المنظم، لتحقيق أهداف بعيدة المدى. وفِى النهاية تكون النتائج فى صالح رئيس الإدارة الواعى وفريق أُذِن الفهم.
وبالتالى مهم جدا التفتيش على (وداننا ) يوميا ! ونراقب فهمنا وردنا! ونتتبع مصدر الحديث أو الخبر لنعرف فى أى فريق وضعنا؟ وهل نحن من أعطاه الفرصة بتغييبنا؟ أم باستهتارنا وعنادنا ولو ضد مصلحتنا؟
مهم جدا نراقب ردود الموافقة والرفض ونوزنها بحسابات المستقبل ووعى الحاضر والاستفادة من الماضى بقدر معلوم.
الادارة بالودان ممكن أن تصبح منهجية إنقاذ .. لتفهم الأزمات قبل حدوثها، وتوقف الإدارة بالأزمات عند حدها ! فقط لو أصغينا بأُذن الفهم والوعى وليس أُذِن الرد وإثبات الوجود.
* محامى وكاتب مصرى