قال تقرير التجارة والتنمية لعام 2020 الصادر عن منظمة “الأونكتاد”، إن التوسع المالي الجريء والموجه بقيادة الاقتصادات المتقدمة هو الطريق الوحيد لانتعاش اقتصادي عالمي عادل ومرن بعد جائحة كورونا “الكوفيد-19”.
ووفق التقرير الذي وزعه مكتب الأمم المتحدة للإعلام بالقاهرة، ستزيد نسب الدين العام العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير في عام 2020، مشيرا إلى أنه لن تعود تلك النسب إلى مستويات ما قبل الكوفيد-19 بسرعة.
ويقول الأمين العام للأونكتاد موخيسا كيتويي “يتطلب الدعم المالي الملائم للموقف الحالي، أولاً وقبل كل شيء، انتعاش اقتصادي قوي ويجب على الحكومات أن تأخذ زمام المبادرة”.
وأضاف أنه لم يؤخذ هذا المبدأ بعين الأعتبار بعد الأزمة المالية العالمية في ٢٠٠٨ و ٢٠٠٩، عندما أدى الخلط الخاطئ بين ميزانيات الحكومة والأسرة إلى دفع العديد من الاقتصادات إلى اختيار التقشف.
ويوضح التقرير أن فكرة توسيع النمو الاقتصادي العالمي عن طريق التقشف كانت فاشلة، مما ترك وضعا ماليا هشا عشية صدمة “كوفيد-19”.
البلدان النامية بحاجة إلى دعم كبير
وقال التقرير إنه بالنظر إلى القيود المفروضة على الإنفاق في العديد من البلدان النامية، ستكون هناك حاجة إلى دعم دولي كبير لضمان توفر الحيز المالي المطلوب.
وأدت جائحة كورونا إلى قلب الميزانيات العمومية رأسا على عقب عندما كان الاقتصاد العالمي يسير بالفعل علي طريق مكدس بالديون، وفقًا لمعهد التمويل الدولي، وصلت أرصدة الديون العالمية في الربع الأول من عام 2020 إلى مستويات قياسية بلغت 258 تريليون دولار.
ونتيجة لأزمة كوفيد-19، قفزت نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي بما لا يقل عن 10٪ حيث وصلت إلى 331٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر القليلة الأولى من الجائحة.
وقال التقرير إنه في الاقتصادات المتقدمة، تمثلت المشكلة في الارتفاع السريع للديون متدنية الجودة للشركات غير المالية، حيث ارتفع إجمالي مديونية الشركات غير المالية إلى 75 تريليون دولار في نهاية عام 2019، أي ضعف مستواه في عام 2008.
وفقًا للتقرير، وصل المخزون العالمي من سندات الشركات غير المالية إلى مستويات قياسية بلغت 13.5 مليار دولار في نهاية عام 2019 – تم تصنيف 30٪ فقط منها A أو أعلى.
لذلك، وصلت حالات التخلف عن سداد الديون من قبل الشركات إلى مستويات جديدة في النصف الأول من عام 2020، لا سيما في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو مما يعكس تراجع الأرباح بسبب صدمة فيروس كورونا المستجد وإدمان الشركات طويل الأجل على التمويل بـالاقتراض.
ميزانيات الحكومات تحت الضغط
يقول التقرير إنه مع قيام الحكومات عالمياً بتمديد القروض والضمانات في فترة الإغلاق، فمن المرجح أن تؤدي هذه الموجة من التخلف عن السداد إلى ضغط إضافي على الميزانيات العامة.
في حين نمت أسواق سندات الشركات بشكل كبير منذ الأزمة المالية العالمية في بعض أكبر الأسواق الناشئة – إلى 3.2 تريليون دولار بحلول عام 2017 – يهيمن على ديناميات الدين بشكل عام انكشاف وتعرض الحكومات للتأثيرات غير المباشرة الناجمة عن عدم الاستقرار المالي العالمي .
ويحدث هذا في سياق تحرير الحساب الرأس مالي، في ميزان المدفوعات، على نطاق واسع واعتماد أقوى على الاقتراض الخارجي من الدائنين من القطاع الخاص، بدلاً من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف.
ووفق التقرير ؛ تتشكل مجموعة من المخاطر ناجمة عن الشعور المتقلب للمستثمرين، وتقلبات أسعار السلع الأساسية، وتقصير آجال الاستحقاق وزيادة مخاطر التمديد، وارتفاع أعباء خدمة الدين الخارجي (كنسبة مئوية من عائدات التصدير والإيرادات الحكومية)، فضلاً عن ضعف القدرة على التأمين الذاتي ضد الصدمات الخارجية من خلال تراكم الاحتياطيات.
لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن البلدان النامية واجهت قيودا في تعبئة الموارد المالية المحلية للاستجابة لجائحة كوفيد-19 أكثر مما واجهته الاقتصادات المتقدمة مما يعكس -بحسب التقرير- انقسامًا عالميًا خطيرًا بين من يملكون ومن لا يملكون.
وقالت “الأونكتاد” ، إن الديون في حد ذاتها ليست هي المشكلة، القضية الكبرى هي السياسات المعتمدة لإدارتها واستدامتها.
وأضاف التقرير : ركزت السياسات بشدة على توقعات المستثمرين قصيرة الأجل، وأدى تعزيز أسعار الأصول إلى ظهور فقاعات مضاربة في الأسواق المالية، بدلاً من التركيز علي التعافي الفعال للاستثمار المنتج والوظائف والطلب الكلي.
ويرى التقرير أنه في المستقبل المنظور، يمكن إدارة سياسات مالية توسعية في الاقتصادات المتقدمة – التي يمكنها الاقتراض بفائدة قريبة من الصفر أو أقل – وفي بعض الاقتصادات النامية الأكبر، دون آثار تضخمية وبطريقة التمويل الذاتي إذا كانت موجهة نحو الاستثمار الإنتاجي في تقنيات التخضير الجديدة، والاستفادة من التقدم التكنولوجي من أجل الإدماج الاجتماعي وتوفير الخدمات العامة الشاملة.
ويقول ريتشارد كوزول رايت، مدير قسم العولمة واستراتيجيات التنمية في الأونكتاد: “المطلوب الآن ليس الرجوع المزمن للتقشف المالي، بل صوت جماعي قوي لدعم التوسع المالي المستمر والمنسق الذي تقوده الدولة في جميع أنحاء العالم”.
وتابع : ستحتاج الاقتصادات النامية الأصغر، في جميع مستويات الدخل، إلى مساعدة مالية من المجتمع الدولي للحفاظ على الحيز المالي المحلي وتوسيعه، ويرجع ذلك إلى أن تلك الاقتصادات لا تزال تعتمد على مداخيل العملة الصعبة، ويتعين عليها التفاوض بشأن الآثار السلبية للتقلبات الاقتصادية العالمية على ميزان دفوعاتها وإدارة تقلبات أسعار الصرف والاحتياطيات الدولية وكذلك الوصول المستمر إلى الأسواق المالية الدولية حيثما كان ذلك مناسبا.
وقال التقرير أنه في الوقت الحالي، تعد مبادرة مجموعة العشرين ونادي باريس لتعليق مدفوعات خدمة الديون الثنائية لعدد مختار من البلدان النامية الضعيفة من مايو إلى ديسمبر 2020 هي الصفقة الرئيسية المطروحة على الطاولة.
لكن الأرقام لا تتناسب مع حجم المشكلة: لقد تبنى المبادرة ما يقرب من نصف البلدان المؤهلة حتى الآن، ويبدو انها ستشمل حوالي 14 مليار دولار لتخفيف سداد الديون مؤقتًا لعام 2020.
ويعتبر ذلك زهيداً مقارنة باحتياجات البلدان النامية التي تواجه جداول سداد كبيرة لديونها الخارجية العامة في 2020-2021، والتي تصل إلى ما بين 2 تريليون دولار و 2.3 تريليون دولار للبلدان النامية ذات الدخل المرتفع وما بين 600 مليار دولار إلى تريليون دولار للبلدان النامية المتوسطة والمنخفضة الدخل (وفقًا لحسابات الأونكتاد).
في غضون ذلك، شهد المساهمون الذين يمتلكون الجزء الأكبر من أسهم الشركات المستفيدة من صدمة كوفيد -19 نمواً، بدلاً من التراجع، في ثرواتهم الشخصية بأكثر من 500 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها في الأشهر الأولى من الوباء.
من الأزمة إلى ازدهار يشمل الجميع
وقال تقرير الأونكتاد إنه ستكون هناك حاجة إلى تدابير أكثر طموحًا ومتعددة الأطراف إذا اردنا تحويل الأزمة العالمية إلى انتعاش عالمي وهي :
• التوسع في استخدام حقوق السحب الخاصة (SDRs) لدعم استراتيجيات التنمية الوطنية في البلدان النامية من خلال نظام احتياطي محوكم دوليًا. على أقل تقدير، ينبغي دعم الحيز المالي للبلدان النامية بما يعادل تريليون دولار من حقوق السحب الخاصة لمواجهة قيود السيولة الحالية.
• الدعم المالي لتعزيز الاستجابة للطوارئ الصحية لـكوفيد-19 في البلدان النامية من خلال خطة مارشال للتعافي الصحي ممولة من زيادة التزامات المساعدة الإنمائية الرسمية (ODA)، والإصلاح الضريبي على المستوى الدولي وآليات التمويل المتعددة الأطراف لبناء المرونة و تعزيز الانتعاش.
• تأسيس وكالة دولية للتصنيف الائتماني لتقديم تصنيفات موضوعية تعتمد على خبراء الجدارة الائتمانية للحكومات والشركات، بما في ذلك البلدان النامية، ولتعزيز المنافع العامة العالمية. علاوة على ذلك، من شأن هذا أن يساعد على تعزيز المنافسة في الاسواق شديدة التركيز.
• تأسيس هيئة ديون عالمية لمنع تكرار أزمات السيولة من التحول إلى حالات تخلف متسلسل عن سداد ديون سيادية. مثل هذه السلطة من شأنها أن تبني مستودعًا للذاكرة المؤسسية حول إعادة هيكلة الديون السيادية، كما ستشرف على إنشاء سجل عالمي متاح للجمهور لبيانات القروض والديون المتعلقة بإعادة هيكلة الديون السيادية. وإضافة إلى ذلك، فإنها ستضع مخططًا لإطار دولي قانوني ومؤسسي شامل وشفاف للتحكم في عمليات التجميد التلقائي المؤقت لسداد الديون السيادية في أوقات الأزمات وإدارة عمليات تسوية الديون السيادية بطريقة عادلة وفعالة وشفافة.