حالة من الإثارة تُبديها تقييمات الشركات الناشئة فى السوق المحلية خلال الفترة الراهنة، فى ظل اعتماد مستثمرى الأخيرة على معدلات النمو المحتملة فقط، ليحتدم الصراع بذلك بين أنصار المدرسة الكلاسيكية التى تعتبر معدلات الربحية هى الأساس وبين نظيرتها المعاصرة التى تُفضل الرهان الأول.
وكانت الشركات الناشئة ومجتمعات ريادة الأعمال قد شهدت حالة من الرواج الكبير خلال العامين الماضيين، خاصة فيما يتعلق بالقطاع التكنولوجى، بدعم من التأثيرات التى شهدتها الأسواق حينها الخاصة بأزمة فيروس «كورونا»، والتى كانت بمثابة المحرك الأساسى، وبناء عليه تعالت تقييمات تلك الكيانات، لتدخل عقب ذلك مرحلة من التصحيح.
فيما بدأت وتيرة الجولات التمويلية التى تُجريها تلك الشريحة من الشركات فى التأثر منذ خلال الشهور الأخيرة من العام الجارى 2022، خاصة فى ظل حالة التوتر التى ألمت بالعالم أجمع جراء معدلات التضخم والفائدة المرتفعتين، وأيضًا ضعف السيولة بشكل عام.
وفى ظل اعتماد تقييمات تلك الشركات على معدلات النمو المتوقعة بدلاً من مستهدفات الربحية، قالت شريحة من الخبراء لـ«المال»، إن الفترات المقبلة من المفترض أن تعود الأمور لسياقها الطبيعى بالنظر للعامل الثاني.
وتجدر الإشارة إلى أن مصر كانت قد جذبت حجم استثمارات فى قطاع شركات التكنولوجيا الناشئة خلال يوليو الماضى بقيمة بلغت 14.8 مليون دولار، بزيادة %72 مقارنة مع الشهر ذاته من العام الماضى، وذلك بحسب تقرير نشرتهُ «المال» لمنصة ومضة لدعم رواد الأعمال فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبشكل عام فقد تمكنت الشركات المصرية الناشئة من جذب تمويلات بقيمة 269.1 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الجاري.
سامح الترجمان: صناديق الاستثمار تبنت سياسة التحفظ بضغط الظروف العالمية
بداية، قال الدكتور سامح الترجمان الرئيس التنفيذى لشركة «Evolve» للاستثمار القابضة، إنه من الصعب أن يكون هناك معيار واضح لتقييمات الشركات الناشئة.
وأضاف أن قرار التقييم يخص راغبى الاستثمار فى هذه الشريحة من الشركات، وفقًا للسياسة والاستراتيجية التى يتبناها لتلك الكيانات وفقًا لطبيعة عمل الشركة والقطاع الخاص بها، وذلك بغض النظر عن الطريقة المتبعة.
وأوضح الترجمان أن صناديق الاستثمار التى تركز نشاطها على الشركات الناشئة عادة ما يكون لديها المعرفة الكاملة بعدم قدرة تلك الكيانات على تحقيق ربحية خلال سنوات عملها الأولى.
وأشار إلى أن قدرة الكيانات على تحقيق ربحية تختلف من واحدة لأخرى، لافتا إلى أن إخفاق بعضها طبيعى ومقبول، خاصة فى ظل الظروف الحالية.
ونوه إلى أن الشركات الناشئة تواجه صعوبة فى جولات التمويل خلال الفترات الراهنة، موضحًا أن أزمات ضعف السيولة عالميًا وتحفظ مسئولى الصناديق المستثمرة بها، تعتبر السبب الرئيسى وراء ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن الشركات الناشئة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت قد حصدت خلال مايو الماضى استثمارات بقيمة 176 مليون دولار عبر 42 صفقة، بانخفاض بلغت نسبته %40 مقارنة مع أبريل من العام نفسه، واستحوذت مصر على 80 مليون دولار منها، وفقًا لتقرير نشرتهُ «المال» سابقًا عن منصة «ومضة».
محمد الدماطى: بدأت فى التراجع الفترات الأخيرة وينبغى تضمين مستهدفات الأرباح
وفى سياق متصل، قال محمد الدماطى رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب بشركة «الصناعات الغذائية العربية» (دومتي)، إن تقييمات الشركات الناشئة بجميع قطاعاتها بدأت فى التراجع خلال الفترات الماضية.
وأوضح أن تلك التقييمات تتم فى الأساس على معدلات النمو المرجحة دون النظر للربحية، لافتًا إلى أن الوضع الراهن يُحتم أن يتم التركيز على العامل الثانى بشكل جاد، والتقييم وفقًا لهذا الأساس.
وأضاف الدماطى أن الفترات الماضية لشريحة معينة من الشركات أثبتت أن التقييمات التى تمت لصالحها غير منطقية على الصعيد العالمى بشكل عام، وليس الخاصة بالسوق المصرية فقط.
ولفت إلى أن حالات التراجع التى شهدتها شريحة تلك الشركات بالأسواق الخارجية فى مختلف قطاعات بما فيها التكنولوجى أكدت تلك النظرة.
وأشار إلى أن معدلات السيولة على الصعيد العالمى تشهد حالة من الضعف مؤخرًا جراء العديد من التأثيرات، وبناء على ذلك ستعود تقييمات «الناشئة» بمختلف مجالاتها بشكل أقرب للطبيعى، خاصة مضاعفات الربحية وغيرها.
رفيق دلالة: صعوبة تدبير التمويلات أبرز التحديات ومطالبات بتأسيس منطقة حرة لصالحها
من جانبه، قال رفيق دلالة، الشريك المؤسس فى شركة إنوفنتشورز «Innoventures»، المتخصصة فى الاستثمار بالشركات الناشئة وريادة الأعمال، إنهُ من الصعب أن يتم تقييم الشركات الناشئة بناء على معدلات الربحية الفعلية.
وأضاف أن الشركات الناشئة أساسها عدم القدرة على تحقيق أرباح خلال السنوات الأولى من عملها وهو أمر معروف لرواد الأعمال، وبناء عليه تتم التقييمات وفقًا لمعدلات النمو المُرجحة.
ولفت دلالة إلى أن صعوبة تدبير التمويلات هى أبرز الأزمات الحالية التى تواجه الكيانات الناشئة، فى ظل تحفظ رواد صناديق رأس مال المخاطر مقارنة بتحركاتهم السابقة.
وأوضح أن شركات رأس مال المخاطر ركزت خلال الفترات الماضية على تلك الكيانات بشكل كبير، خاصة المنصات التكنولوجية بشتى مجالاتها، مشيرًا إلى أنه خلال الوقت الحالى ووفقًا للبيانات فإنهُ من بين 60 شركة يتم النظر عليها، من جانب صناديق «رأس مال المخاطر» يتم اختيار واحدة فقط، وهو على عكس ما كان يحدث سابقًا.
وأكد أن رواد الأعمال ومؤسسى الشركات الناشئة من الأفضل أن يأخذوا فى اعتبارهم صعوبة الحصول على تمويلات.
وقال دلالة إن عوامل زيادة معدلات الفائدة على الدولار وما تبعها من تأثيرات عديدة، وتحديدًا فى الأسواق الناشئة، إلى جانب انخفاض تقييمات تلك الكيانات فى السوق الأمريكية وعلى رأسها العاملة بالمجال التكنولوجى أثرت سلبًا على تلك النوعية من الشركات.
وأضاف أن الأنظار كانت تتجه سابقًا للكيانات التكنولوجية، وهى ما انخفضت تقييماتها بالفعل، موضحًا أن نظائرها العاملة بالقطاعات قريبة الصلة بالصناعة أو التجزئة وغيرها، باتت تواجه أزمات أكبر.
وطالب الشريك المؤسس فى شركة إنوفنتشورز «Innoventures»، أن تكون هناك منطقة حرة مُخصصة للشركات الناشئة بقانون خاص محاكى للشكل المتواجد بالأسواق الخارجية لتسهيل كافة العمليات المتعلقة بها، إضافة إلى تسهيل الإجراءات الأخرى الخاصة بالحصول على تمويلات وغيرها.
خالد إسماعيل: المغالاة كانت سمة رئيسية للكيانات الفترات الماضية والاعتدال أمر مطلوب
وقال الدكتور خالد إسماعيل الشريك المؤسس لصندوق «هيم إنجلز» لرأسمال المخاطر، إن الشركة نمت بشكل انفعالى خلال الفترات الماضية وتحديدًا منذ بدء أزمة الجائحة.
وأضاف أن بعض تقييمات تلك الشركات أخفقت خلال الفترات الماضية، خاصة أن المغالاة كانت السمة الرئيسية التى تمت لصالحها.
ولفت إسماعيل إلى أن التقييمات التى تُجرى لتلك الشريحة من المفترض أن تعود لطبيعتها خلال الفترات الحالية والأصح أن تأخذ فى اعتبارها الربحية دون الاعتماد فقط على معدلات النمو، مؤكدًا أن السوق لا تزال أمامها فرصة للنمو.
وأشار إلى أن الاعتدال فى التقييمات من المفترض أن يعود بالإيجابية على أداء هذه النوعية من الشركات، موضحًا أن الدفعة القوية التى شهدتها «الناشئة» خلال الفترات الماضية كان بدعم من زيادة أحجام السيولة لدى مسئولى الصناديق والمهتمين بهذه النوعية.
وأضاف خالد إسماعيل أن زيادة الطلب على هذه الشريحة من الكيانات، خاصة التكنولوجية منها، كانت ضمن الأسباب فى المغالاة التى شهدتها تلك النوعية.
ورأى أنهُ من الأفضل أن يتم تضمين قيم الربحية حتى وإن كانت مستهدفة حال النظر لتلك الشركات، موضحًا أنه رغم ظهور المؤشرات شبه السلبية الخاصة بها، إلا أن النظرة لم تتغير حتى الوقت الحالى وظل تفاعل المستثمرين بنفس الأداء.
وتابع أن شركات التكنولوجيا شهدت إعادة تقييم على مستوى العالم، موضحًا أنها واجبة ومن المفترض أن تستمر حتى نهاية العام الجارى، مع تركيز الشركات على تحقيق ربحية من خلال الهيمنة على التكاليف والاتزان فى تعيين عمالة وغيرها.
وقال إسماعيل إن رهان رواد ومستثمرى الشركات الناشئة دائمًا ما يخص مستقبل الشركة، والنمو المدفوع بالاستثمار فقط، وهو ما أعتبرهُ غير طبيعي.
يُذكر أن شهر يونيو الماضى كان قد شهد إبرام 3 جولات تمويلية فقط لكيانات ناشئة فى السوق المصرية بإجمالى 4.5 مليون دولار، وتُعد تلك هى المرة الأولى التى يشهد القطاع فيها تراجعا حادا بهذا المعدل فى حجم الاستثمارات.
وكانت تلك الشريحة من الشركات شهدت نموًا غير مسبوق فى فترات وباء «كورونا» وتحديدًا بالمجال التكنولوجيا، وكانت الولايات المتحدة على رأس الدول التى شهدت تلك الطفرات. أسماء السيد