تشير الدراسات الشحيحة المتوفرة حول التأثير الاقتصادى للاجئين على الدول النامية إلى تعرضها لأضرار على الأجل القصير، لأنها ذات الأضرار قصيرة الأجل التى تكبدتها الاقتصاديات المتقدمة التى استقبلت اللاجئين فى أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربى.
ويتم النظر إلى تكاليف استقبال اللاجئين فى هذه الدول على أساس كونها أشبه بالاستثمار الذى يحقق مكاسب لاحقة، بالنظر إلى التحسن الذى طرأ على هذه الاقتصاديات بعد مرور فترة من الوقت على استقبالهم.
تأثير اللاجئين السوريين على سبيل المثال كان مختلفا فى الأردن عن تركيا، مما يبرز أهمية الدور الذى تلعبه السياسات فى تعظيم أو تقليل تأثير اللاجئين على اقتصاد الدول المضيفة.
ومع ذلك، يمكن أن يكون للاجئين آثار إيجابية وسلبية على حد سواء على البلدان المستقبلة، ويعتمد التأثير الصافى فى المديين القصير والطويل، على خصائص اللاجئين وكذلك السياق الاقتصادى والسياسى للبلدان المضيفة، بحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
مكاسب اقتصادية عديدة مرتبطة بإعادة التوطين
يسهم الإطار الزمنى ومدة النزوح فى تحديد حجم مساهمات اللاجئين فى البلد المضيف، إذ أن التكاليف قد تفوق الفوائد على المدى القصير.
وتؤثر كذلك الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للاجئين، مثل الجنس والعمر وتكوين الأسرة والتعليم والمهارات والشبكات الاجتماعية.
إضافة إلى ذلك، تسهم العوامل الاقتصادية الكلية والمؤسسية للبلد المضيف فى تحديد قدرة البلد على دمج اللاجئين.
قد يكون لتدفقات اللاجئين أيضًا تأثيرات غير متجانسة على المجتمع المضيف والسكان، وتخلق فائزين وخاسرين.
سياسات إعادة التوطين
وتشير إحدى الدراسات إلى أن تأثير النزوح القسرى بعد الحرب العالمية الثانية كان إيجابياً بالنسبة للعديد من مجموعات النازحين بسبب سياسات إعادة التوطين الفعالة، وزيادة التنقل فى المستقبل، والانتقال السريع إلى قطاعات خارج قطاع الزراعة.
ومع ذلك، عند النظر إلى البلدان النامية كبلدان مضيفة، تظهر الأدلة نتائج سلبية لسوق العمل، وانخفاض الدخل، وانخفاض تجانس الاستهلاك.
وبالنسبة للبلدان المضيفة وسكانها الأصليين، فإن النتائج مختلطة، ويبدو أن هناك فائزين (أصحاب العمل فى قطاع الزراعة) وخاسرين (عمال الزراعة المحليون).
وتوصلت دراسة إلى أن تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا ساهم فى تقليل فرص العمل بين العمال الأتراك غير الرسميين.
ودرس باحثون تأثير اللاجئين السوريين على الاقتصاد فى الأردن ليتوصلوا إلى أن الآثار محدودة للغاية على سوق العمل الأردنى، ربما بسبب تدابير السياسة التى تحظر على الشركات توظيف اللاجئين وزيادة احتمال عمل اللاجئين فى القطاع غير الرسمى، أو بسبب عدم التوافق بين مهارات اللاجئين واحتياجات سوق العمل المحلي.
مكاسب عديدة
وفى الولايات المتحدة، وجدت دراسة أنه بين عامى 1990 و2014، كلفت إعادة توطين كل لاجئ الحكومة 15 ألف دولار، وكثيرا ما تثير مثل هذه الأرقام قلق دافعى الضرائب، الذين يخشون أن يشكل قبول اللاجئين عبئا على اقتصاد بلادهم. لكن هذه ليست الصورة الكاملة.
ووجدت الدراسة المذكورة أعلاه أيضًا أنه بعد بقاء اللاجئين فى الولايات المتحدة لمدة 20 عامًا، دفعوا ما متوسطه 21 ألف دولار كضرائب أكثر مما يكلفون الحكومة، مما يشير إلى مكاسب اقتصادية إجمالية مرتبطة بإعادة توطين اللاجئين.
وفى جميع أنحاء العالم، شهدت البلدان التى قبلت اللاجئين زيادات فى متوسط الدخل والناتج المحلى الإجمالى بسبب قدرة اللاجئين على بدء أعمال تجارية جديدة واستبدال السكان المسنين.
أفضل رواد أعمال.. «تجربة اللجوء» الصعبة تحفز روح المبادرة
على النقيض من الخوف المعتاد من أن اللاجئين سوف يستحوذون على الوظائف، تٌظهر الأدلة أنهم أكثر قدرة على خلق فرص العمل من المجموعات المهاجرة الأخرى أو المواطنين المولودين فى البلاد.
يتطلب بدء مشروع تجارى المخاطرة والمرونة والتصميم، وقد ساهمت تجارب حياة العديد من اللاجئين بتزويدهم بهذه المهارات، مما يؤهلهم لأن يصبحوا رواد أعمال ممتازين، بحسب تقرير لموقع آى سى إم سى.
فى عام 2001، أنشأ هارون مختار زادة، وهو لاجئ من أفغانستان فى الولايات المتحدة، شركة ويبز “Webs”، وهى شركة لتصميم مواقع الويب، مع إخوته.
وبعد عشر سنوات، تمكن من بيعها لشركة فيستابرنت (Vistaprint) مقابل 117.5 مليون دولار، ويقول مختارزادة: “عندما تأتى إلى هنا، لا تكون لديك شبكة علاقات وتكون خيارات العمل أقل، لذا فإنك تصنع الفرص لنفسك”.
فى الولايات المتحدة، %13 من اللاجئين هم رواد أعمال، مقارنة بـ %11.5 من المهاجرين الآخرين، و%9 فقط من السكان الأصليين.
وفى أستراليا، وجد تقرير صدر عام 2019 أن كل مشروع تجارى يتم إنشاؤه للاجئين يضيف 98,200 دولار إضافية إلى الاقتصاد سنويًا، عندما يبدأ أحد اللاجئين عملاً تجاريًا فى أستراليا، فإنه يوفر للحكومة أكثر من 33 ألف دولار من مدفوعات الرعاية الاجتماعية ويدر ما يقرب من 10 آلاف دولار من عائدات الضرائب، يمكن لروح المبادرة لدى اللاجئين أن تعود بفائدة هائلة على اقتصادات أوطانهم الجديدة.
وغالبًا ما يدخل اللاجئون بلدهم الجديد بموارد قليلة جدًا ومهارات لغوية محدودة، مما يعنى أنهم يعتمدون على المساعدة الحكومية فى السكن والغذاء والرعاية الصحية ودروس اللغة وغيرها من النفقات.
البنك الدولى: السوريون ضاعفوا متوسط الأجور فى تركيا 3 مرات
أظهرت الأبحاث التى أجراها البنك الدولى أنه اعتبارا من عام 2015، تمكن اللاجئون السوريون فى تركيا من زيادة متوسط الأجور فى البلاد من خلال خلق وظائف رسمية خارج قطاع الزراعة، بحسب تقرير لموقع آى سى إم سى.
ويتيح الدخل المرتفع توجيه المزيد من الأموال إلى الضرائب والأعمال التجارية، مما يفيد الاقتصاد ككل.
ومع ذلك، قد يواجه العمال ذوو المهارات المنخفضة فى بعض الحالات انخفاضًا فى الأجور.
ومن خلال المشاركة فى القوى العاملة وخلق فرص عمل جديدة، نجح اللاجئون فى رفع متوسط الدخل فى العديد من البلدان المضيفة.
هناك أيضًا مجموعة متزايدة من الدراسات التجريبية التى تقدر الآثار الاقتصادية للاجئين السوريين، إذ تظهر الأدلة أن اللاجئين فى تركيا بدون تصاريح عمل كان لهم آثار تنموية سلبية على العمال الأتراك، وخاصة العاملين فى القطاع غير الرسمى والزراعة والعمال ذوى التعليم المنخفض والعاملات. ومع ذلك، تم العثور أيضًا على آثار إيجابية على مستويات أجور العمال الأتراك بسبب الترقية المهنية من خلال خلق وظائف رسمية ذات أجور أعلى.
وفى دراسة أخرى، تم التوصل إلى أن تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا يقلل من فرص العمل بين العمال الأتراك غير الرسميين، كما أدى تدفق اللاجئين إلى انخفاض أسعار المستهلكين.
ودرس باحثون تأثير اللاجئين السوريين فى الأردن ليتوصلوا إلى أن الآثار محدودة للغاية على سوق العمل الأردنى، ربما بسبب تدابير السياسة التى تحظر على الشركات توظيف اللاجئين وزيادة احتمال عمل اللاجئين فى القطاع غير الرسمى، أو بسبب إلى عدم التوافق بين مهارات اللاجئين واحتياجات سوق العمل المحلى.
وفى الولايات المتحدة، يميل دخل اللاجئين إلى أن يكون أقل بكثير من المتوسط خلال السنوات الخمس الأولى بعد إعادة التوطين، ومع ذلك، خلال السنوات الخمس والعشرين الأولى، يتضاعف متوسط دخلهم ثلاث مرات ليصل إلى 67 ألف دولار، وهو أعلى بمقدار 14 ألف دولار من المتوسط الوطنى.
وإضافة إلى الفوائد الاقتصادية التى توفرها زيادة دخل اللاجئين، فإنها تمنح اللاجئين أيضاً شعوراً بالهدف والاستقلال المالى.
ومن خلال تحسين حياتهم، يمكن للاجئين خلق مكاسب اقتصادية تعمل أيضًا على تحسين حياة المقيمين فى بلدهم الجديد، ولذلك، فإن استضافة اللاجئين تعود بالنفع على جميع المعنيين.
ومن الممكن أن يؤدى تدفق اللاجئين أيضًا إلى زيادة الناتج المحلى الإجمالى للبلد المضيف، وغالبا ما يكون استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين مكلفا فى البداية، ومع ذلك، فإن أموال دافعى الضرائب التى تذهب إلى الخدمات الاجتماعية، وبرامج التدريب على العمل، وجهود التكامل، يمكن النظر إليها باعتبارها استثمارا، وتظهر الأبحاث أنه يؤدى إلى مكاسب صافية للاقتصاد.
وأظهرت دراسة للأثر الاقتصادى للاجئين فى أوروبا بين عامى 1985 و2015 أنه فى غضون عامين فقط من زيادة تدفق اللاجئين، أصبح الاقتصاد فى البلدان الخمسة عشر التى شملتها الدراسة أكثر صحة وانخفضت البطالة، لقد ساهم اللاجئون فى زيادة الطلب على السلع، وخلقوا فرص العمل، ودفعوا الضرائب، وهكذا تمكنوا من تعويض تكلفة الدعم الحكومى الذى كانوا بحاجة إليه عند وصولهم.
وبالمثل، وجد تقرير لمؤسسة تنت فاونديشن لعام 2016 أن كل يورو يتم استثماره فى برامج دعم اللاجئين فى الاتحاد الأوروبى، أنتج عائدًا اقتصاديًا يبلغ 2 يورو.
متاعب اقتصادية يداويها «المانحون»
يهدف المانحون الدوليون إلى الانتقال من نموذج “رد الفعل” إلى نهج أكثر “استباقية” لتخفيف أعباء استقبال اللاجئين على الدول المضيفة، بحسب تقرير منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
على المدى المتوسط والطويل، تظهر التجارب أن الاستجابة السياسية الفعالة لتدفقات اللاجئين تتمثل فى استهداف اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حد سواء، مما يسهم فى التخفيف من الآثار السلبية وتعزيز إمكانات التنمية الكامنة فى الهجرة القسرية.
وتظهر التجربة أن المساعدة الإنمائية تساهم بشكل أفضل فى تعظيم المساهمة الإيجابية للاجئين وتخفيف الآثار السلبية إذا لم تستهدف اللاجئين فحسب، بل أيضا السكان الأصليين.
وقد اتخذت العديد من المشاريع نهجاً شمولياً عند دعم المساهمة الإيجابية للاجئين استناداً إلى شراكات واسعة النطاق بين الحكومات والمنظمات الإنسانية ووكالات التنمية الثنائية والمتعددة الأطراف.
بدأ المؤتمر الدولى للاجئين من أمريكا الوسطى فى عام 1989 كمنتدى للاستجابة لنزوح أكثر من مليونى شخص فى منطقة أمريكا الوسطى بسبب الصراعات الأهلية.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت منصة لمشاريع السلام والاستقرار فى المناطق المتضررة من النزاع، فضلاً عن المساعدة التنموية للمجتمعات المضيفة واللاجئين، مما ساهم فى العودة الطوعية للسلفادوريين والنيكاراغويين والغواتيماليين.
قدمت المشاريع المدرة للدخل لمناطق اللاجئين المساعدة من خلال مشاريع كثيفة العمالة لأكثر من ثلاثة ملايين أفغانى فروا إلى باكستان بعد الحرب فى أوائل الثمانينيات، وساعد البرنامج أيضًا بنجاح فى إنشاء أصول وبنى تحتية مستدامة للمجتمعات المحلية وزيادة مهارات العمال الأفغان، بحسب البنك الدولى.
تم إطلاق مبادرة زامبيا فى عام 2003 استجابةً لأكثر من 100000 لاجئ أنغولى يقيم فى زامبيا.
وقدمت المبادرة برنامج تنمية ريفية متعدد القطاعات يستهدف اللاجئين وكذلك المجتمعات المضيفة المتضررة من التدفق من خلال نهج متعدد القطاعات، بما فى ذلك التعليم والصحة والزراعة والبنية التحتية والغابات والموارد المائية، يتضمن برنامج إعادة توطين اللاجئين البورونديين فى تنزانيا عملية تجنيس 162000 لاجئ استقروا قبل عام 1972.
وحاولت برامج التنمية إيجاد حل طويل الأمد للاجئين والمجتمع المضيف لهم، إذ عملت على معالجة مسألة توفير السكن بأسعار معقولة للاجئين فى المناطق الحضرية فى الأردن ولبنان.
وفى الأردن، قدمت دائرة المساعدات الإنسانية والحماية المدنية وشركاء آخرون منحًا نقدية مشروطة ودعمًا فنيًا لأصحاب العقارات الأردنيين لاستكمال المبانى غير المكتملة، إضافة إلى إيجارات مجانية للسوريين المستضعفين لمدة تتراوح بين 12 إلى 24 شهرًا.
وساعدت مبادرة مماثلة فى لبنان على تقليل الصعوبات التى تواجهها الأسر فى الوصول إلى الخدمات الأساسية الأخرى واستقرار أسعار الإيجار الإجمالية، وتم إطلاق ميثاق الأردن، الذى هو عبارة عن استراتيجية جديدة للتمويل والتخطيط طويلة المدى تهدف إلى توفير الفرص الاقتصادية للاجئين والأردنيين الضعفاء.
وتم إطلاق الميثاق عام 2015 بالتعاون مع المفوضية الأوروبية، ويهدف إلى إنشاء 200 ألف تصريح عمل للسوريين.
والهدف من ذلك هو خلق نمو فى فرص العمل من خلال سياسة تحرير التجارة فى الاتحاد الأوروبى مصحوبة بتعزيز الاستثمار فى المناطق الاقتصادية الخاصة. ورغم أنه أمر واعد، إلا أنه من السابق لأوانه قياس تأثيره، وهناك حاجة إلى تقييم أدائه فى المستقبل.
رفع الأسعار.. تأثير عكسى فى أفريقيا
المساهمة الاقتصادية لهجرة اليد العاملة فى تنمية البلدان النامية كبلدان مقصد لم تتم دراستها إلا نادرا، رغم دورها فى تنمية العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث تمثل هجرة اليد العاملة حصة كبيرة من القوى العاملة فى القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
وقد وجدت إحدى الدراسات حول تدفقات اللاجئين من بوروندى ورواندا إلى تنزانيا أن الزيادة فى عدد اللاجئين أدت إلى زيادة فى الأسعار، خاصة فى المناطق القريبة من مخيمات اللاجئين، وكان التأثير أقوى بالنسبة للمواد غير الغذائية وأكثر تواضعا بالنسبة للمواد الغذائية المرتبطة بالمساعدات، كما وجدت دراسة أخرى أن النزوح (النزوح الداخلى فى هذه الحالة) أدى إلى ارتفاع أسعار بعض المواد فى دارفور.
وتم إجراء دراستين حول تأثيرات سوق العمل فى منطقة كاجيرا بتنزانيا، لتحليل الآثار طويلة المدى للعمال النازحين، وتظهر كلتا الدراستين أن التأثير الإجمالى للاجئين على سوق العمل إيجابى بالنسبة لجزء من السكان المضيفين الذين هم فى وضع جيد نسبياً.
ومع ذلك، فقد وجدت آثار سلبية على العمال الزراعيين، مع وجود ضغط تصاعدى على الأسعار وانخفاض الأجور فى أعقاب تدفقات اللاجئين.
ومن ناحية أخرى، أدت الفرص التجارية الموسعة وعرض العمالة الرخيصة فى أعقاب تدفق اللاجئين إلى جذب صغار المستثمرين وزيادة الحوافز ليصبحوا رواد أعمال.