تعول الحكومة على مشروعات تنمية الغاز الطبيعى فى المياه العميقة لتحقيق طفرة فى معدلات الإنتاج والاستثمارات الأجنبية بقطاع البترول، فضلا عن دعم مخطط تحول مصر إلى مركز إقليمى لنقل وتجارة وتداول الطاقة بالمنطقة.
وتمثل مشروعات تنمية الغاز «فرس رهان» رابح للحكومة، تسعى من خلاله إلى زيادة حجم إنتاج مصر إلى 8 مليارات قدم مكعب يوميا العام المقبل، بحسب تصريحات حكومية مؤخرا.
وشهدت السنوات الخمس الماضية تنفيذ 31 مشروعًا فى هذا المجال باستثمارات 21.4 مليار دولار وبإجمالى معدلات إنتاج 6.9 مليار قدم مكعب غاز.
وحققت مصر الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى نهاية العام الماضى،لأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات، وعاودت التصدير، بفضل الإسراع فى تنمية حقول الغاز المكتشفة، ووضعها على خريطة الإنتاج مما ساهم فى زيادة الإنتاج تدريجيًا والوصول إلى معدلات غير مسبوقة تتجاوز 7 مليارات قدم مكعب يوميا خلال الفترة الراهنة.
وبعد تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز خلال شهر سبتمبر الماضى، وتوقف الحكومة عن الاستيراد تحولت مصر من دولة مستوردة للغاز الطبيعى المسال إلى دولة مكتفية ذاتيا، وتمتلك فائضا من إنتاج الغاز وقادرة على الوفاء بالتزاماتها التصديرية.
11 مشروعا باستثمارات 15 مليار دولار
وأكد مسئول حكومى بارز فى قطاع البترول أن مشروعات تنمية الغاز الطبيعى رفعت من حجم الاستثمارات الأجنبية فى القطاع، وضاعفت معدلات الإنتاج، كما وفرت العملة الصعبة التى كان يتم استخدامها لاستيراد الغاز، مما خفض الأعباء على الموازنة العامة للدولة.
وبحسب تصريحات وزارة البترول، فإنه من المستهدف تنفيذ 11 مشروعا جديدا لتنمية حقول الغاز الجديدة باستثمارات 15 مليار دولار حتى منتصف عام 2022.
وقال المسئول إن وزارة البترول تنسق دوريا مع الشركات الأجنبية العاملة فى مشروعات تنمية الغاز فى المياه العميقة لسرعة تنفيذ مشروعاتها التنموية، وتحقيق مستهدفات زيادة الإنتاج.
وأكد أن وزارة البترول تحرص على سداد مستحقات شركات البترول الأجنبية بشكل منتظم، لضمان استمرار العمل فى تنفيذ المشروعات التنموية طبقا للجدول الزمنى المخطط.
6 مشروعات لـ الغاز تتصدر القائمة
وأعلنت وزارة البترول مؤخرا عن قائمة بأبرز المشروعات التنموية فى قطاع الغاز، وعلى رأسها مشروع حقل ظهر.
وأعطى الرئيس عبدالفتاح السيسى إشارة بدء الإنتاج من مشروع حقل ظهر نهاية يناير2018، بتكلفة استثمارية 15.6 مليار دولار مع نهاية مرحلة الوصول للإنتاج الكلى للمشروع.
وأعلن المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية مؤخراً، ارتفاع الطاقة الإنتاجية لـ «ظهر» إلى 2.7 مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعى، قبل الموعد المخطط له فى خطة تنمية الحقل بنحو 4 أشهر، والمقرر له نهاية العام الجارى.
وحقل «ظهر» هو أكبر اكتشافات الغاز فى مصر والبحر المتوسط، وشهد تحقيق أرقام قياسية سواء فى حجم احتياطياته وإنتاجه من الغاز أو فى معدلات التنفيذ.
وبالإضافة إلى مشروع «ظهر» تتضمن قائمة مشروعات الغاز مشروع تنمية حقل نورس، والذى يهدف إلى إضافة إنتاج جديد من الغاز الطبيعى يقدر بحوالى 1ر1 مليار قدم مكعب غاز يوميا وتبلغ تكلفة المشروع 290 مليون دولار.
وتضم القائمة أيضا مشروع تنمية حقول شمال الإسكندرية وغرب دلتا النيل، والذى يهدف إلى تنمية الاحتياطيات المكتشفة بالمياه العميقة من الغاز الطبيعى والمتكثفات، والتى تقدر بحوالى 5 تريليونات قدم مكعب من الغازات من خمسة حقول (ليبرا – تورس – جيزة – فيوم – ريفين).
وتبلغ التكلفة الاستثمارية للمشروع حوالى 10.5 مليار دولار، وقد أعطى الرئيس السيسى إشارة بدء الإنتاج من المرحلة الأولى من المشروع فى 10 مايو 2017 من (حقلى تورس وليبرا) بإجمالى 9 آبار بمعدل إنتاج أولى 700 مليون قدم مكعب غاز يوميًا، وبتكلفة استثمارية 1.8 مليار دولار وقبل الموعد المحدد بثمانية أشهر وبأقل من الميزانية المحددة.
كما تم بدء الإنتاج من حقلى «جيزة» و«فيوم» (مرحلة ثانية فى فبراير2019 بمعدلات إنتاج 400 مليون قدم مكعب يوميًا، وجارٍ العمل للوصول إلى 700 مليون قدم مكعب يوميًا.
وتشمل قائمة المشروعات التنموية أيضا مشروع المرحلة التاسعة-بحقول غرب الدلتا بالمياه العميقة، ويهدف إلى إنتاج 360 مليون قدم مكعب يوميًا غاز و3 آلاف برميل يوميًا متكثفات وبتكلفة استثمارية 741 مليون دولار.
وتم وضع البئر الأولى والثانية على الإنتاج فى أكتوبر ونوفمبر 2018 على الترتيب، ومخطط دخول باقى الآبار على الإنتاج تباعا.
ومن أبرز المشروعات التنموية مشروع تنمية حقول منطقة دسوق المرحلة (ب)، والذى يهدف إلى إنتاج 120 مليون قدم مكعب يوميًا من خلال وضع 9 آبار على الإنتاج، وباستثمارات 30 مليون دولار.
وتم الانتهاء من وضع 6 آبار على الإنتاج فى الفترة من ديسمبر 2018 إلى مايو 2019، ومن المخطط وضع باقى الآبار على الإنتاج تباعًا.
وتضم القائمة مشروع خط أنابيب نيدوكو – الجميل – بالدلتا، ويهدف إلى نقل 700 مليون قدم مكعب يوميًا من إنتاج حقل «نيدوكو» إلى محطة معالجة الجميل لزيادة استخلاص البوتاجاز والمتكثفات والقدرة على معالجة كميات أكبر من الغازات.
ويتكون المشروع من 2 خط برى، وقد تم تشغيل الخط الأول (نيدوكو – أبو ماضى نهاية يناير 2019، وتم تشغيل الخط الثانى (أبوماضي – الجميل) منتصف شهر مايو 2019.
طرح المزايدات العالمية دوريا
وعلى صعيد متصل، قال المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، إن قطاع الغاز الطبيعى «فرس رهان» رابح، لزيادة حجم إنتاج مصر من الغاز الطبيعى، والاستثمارات الأجنبية.
ولفت إلى أن وزارة البترول تقوم من خلال الهيئة العامة للبترول والشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، وشركة جنوب الوادى القابضة للبترول بطرح مزايدات البحث والتنقيب عن الغاز بشكل دورى.
وأعلنت مصر فى فبراير الماضى عن نتيجة أكبر مزايدة فى تاريخ «إيجاس»، التى فازت بها شركات «شل» العالمية وإكسون موبيل الأمريكية و«بتروناس» الماليزية و«ديا» الألمانية و«بى.بى» البريطانية و«إينى» الإيطالية بعدد 5 امتيازات للتنقيب عن الغاز فى مصر، وذلك لحفر 20 بئرًا فى قطاعات تقع بالمناطق الحدودية بالبحر المتوسط، بالإضافة إلى قطاعات برية فى دلتا النيل.
وقال «كمال» إن تلك المزايدات تفوز بها الشركات صاحبة أفضل العروض المقدمة، ويتم توقيع اتفاقياتها واستصدارها بقوانين تسمح ببدء العمل والاستثمار والإنتاج من خلالها.
يشار إلى أن وزارة البترول انتهت من تنفيذ المرحلة الثانية لمشروع المسح السيزمى لمنطقة غرب البحر المتوسط خلال العام الجارى، استعدادا لطرح مزايدة عالمية للتنقيب عن البترول والغاز بهذه المنطقة.
على صعيد متصل، من المتوقع أن تطرح «إيجاس» نحو 11 منطقة للبحث والتنقيب عن الغاز الطبيعى فى منطقة غرب البحر المتوسط قريبا.
ولفت «كمال» إلى أن منطقة غرب البحر المتوسط تعد من المناطق البكر التى تتمتع باحتمالات غازية مبشرة، متوقعا ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية، ومعدلات الإنتاج من تلك المنطقة خلال الفترة المقبلة.
وقال إن هناك جهودا واضحة مبذولة من قبل وزارة البترول والثروة المعدنية، فى جذب الاستثمارات الأجنبية لتنمية الثروات البترولية، مؤكدا أن هناك احتمالات بوجود طبقات ومناطق ثرية وواعدة لم تكتشف حتى الآن.
وقامت مصر خلال الأعوام القليلة الماضية بترسيم حدودها البحرية مع بعض الدول، فى محاولة للبحث والتنقيب عن الغاز والنفط داخل حدودها دون نزاع مع أى من تلك الدول.
توقعات بوصول الإنتاج لـ8.5 مليار قدم
وتوقع «كمال» ارتفاع إنتاج مصر من الغاز الطبيعى إلى 8.5 مليار قدم مكعب يوميا خلال 2022، بشرط استمرار العمل فى تنفيذ المشروعات التنموية طبقا للجدول الزمنى المحدد دون أى تعطل أو إبطاء أو حدوث أى ظروف لا إرادية تؤخر أو تعوق تحقيق مستهدفات الحكومة والشركات فى هذا الشأن.
ويتم تنفيذ مشروعات تنمية الغاز الطبيعى ضمن إستراتيجية ورؤية واضحة لقطاع البترول، تستهدف جذب وضخ المزيد من الاستثمارات الأجنبية فى تنمية الاكتشافات البترولية الجديدة، بهدف تحقيق التوازن بين معدلات الإنتاج والطلب المتزايد على الطاقة من خلال طرح المزايدات العالمية فى كل مناطق مصر البرية والبحرية وإبرام المزيد من الاتفاقيات البترولية لتحقيق اكتشافات جديدة تعزز من إنتاج واحتياطى مصر من البترول والغاز الطبيعى.
وأكد «الملا» أن النجاح فى تأمين الاحتياجات الإستراتيجية للبلاد من الغاز الطبيعى، وتحقيق قصص نجاح فى مجالات البحث والاستكشاف وإنتاج البترول والغاز، ساهم فى استدامة إمدادات الطاقة للسوق المحلية والقطاعات الاقتصادية والإنتاجية.
بينما، توقع المهندس يسرى حسان، خبير البترول الدولى، والمدير الإقليمى لشركة «إيوس بترو» الأمريكية، تحقيق مصر مستهدفاتها الإنتاجية المرجوة، شريطة الاستمرار فى تحقيق اكتشافات عملاقة وثرية على غرار حقل «ظهر».
«المتوسط» و»الدلتا» الأكثر وجذبا للاستثمارات
وأكد «حسان» أن منطقة البحر المتوسط والدلتا من أكثر المواقع الثرية بالغاز الطبيعى، والتى تتطلب استثمارات ضخمة لاستكشاف الثروات الموجودة فيها.
وقال «لا شك أن الغاز الطبيعى يمثل مستقبل استثمارات قطاع البترول، خاصة فى منطقتى البحر المتوسط والدلتا»، مضيفا أن مناخ الاستثمار الحالى بقطاع البترول مرض وجيد ويحفز على جذب المزيد من الشركات المتخصصة خلال الفترة المقبلة.
وبحسب الخبراء والتقارير الدولية، فإن مستقبل الغاز فى منطقة الشرق الأوسط يكمن فيما يحمله البحر المتوسط وتحديدا شمال شرق المتوسط من طبقات من الغاز الطبيعى فى المياه العميقة، تحتاج إلى تكنولوجيا متطورة واستثمارات ضخمة لاكتشافها.
وقدرت هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية فى 2010 مخزون الغاز فى حوض شرق البحر المتوسط بحوالى 345 تريليون قدم.
وتتشارك مصر مع قبرص واليونان وإسرائيل فى الإطلال على ثروات البحر المتوسط كل بحسب موقعه وحدوده البحرية إلا أن مصر يبقى لديها مفتاح السر فى امتلاك بنية أساسية قوية من خطوط نقل ومحطات إسالة وموانئ وخبرات فنية تمكن كل هذه الدول من الاستفادة بما لديها من ثروات، خاصة أن هناك غيابا واضحا لوسائل نقل الغاز المنتج إلى الدول المستهلكة فى أوروبا فى الوقت الذى ترتفع فيه تكاليف مد خطوط نقل أو إقامة محطات إسالة وتحتاج إلى دراسات جدوى موسعة.
وقال «حسان» إن مشروعات تنمية الغاز الطبيعى لا تخدم مخطط مصر فى زيادة معدلات الإنتاج اليومية فقط، بل تدعم مستهدفات التحول إلى مركز إقليمى لتجارة وتداول الطاقة على مستوى المنطقة بشكل عام.
وتحول مصر إلى مركز إقليمى للطاقة من خلال الاعتماد على الغاز المنتج محليا والغاز المنتج فى الدول المجاورة يؤدى إلى توفير مصادر بديلة للطاقة، وهو ما يؤمن احتياجات مصر من الغاز وكذا يوفر بدائل أمام القطاع الاستثمارى لتوفير موارد متعددة للطاقة.