يشهد معدل إقراض القطاع الخاص تحسنا ملموسا منذ بداية العام الجارى، لترتفع حصته إلى %64 من إجمالى قروض البنوك المحلية بنهاية شهر سبتمبر الماضى، كأعلى مستوى منذ مايو 2017، ومقارنة بنحو %58.7 فى ديسمبر 2018.
كان المعدل قد شهد تدهورا كبيرا خلال فترة الثلاث سنوات ونصف الماضية بالتزامن مع تنفيذ برنامج الإصلاح الإقتصادى، والذى تضمن تحرير سعر صرف الجنيه وزيادة قوية فى أسعار الفائدة المحلية، وقيادة القطاع الحكومى دفة الاستثمار عبر تنفيذ مشروعات ضخمة فى مجال البنية الأساسية.
وسجل نصيب القطاع الخاص من القروض مستوى %79.8 بنهاية العام المالى 2015، وذلك قبل أن يهبط إلى %71.5 فى السنة التالية (يونيو 2016) ثم %63.6 فى يونيو 2017 ليصل إلى %58.7 فى ديسمبر 2018، وفقا لبيانات النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزى المصرى.
وتحسنت القروض المقدمة للقطاع الخاص لدى أكبر 10 بنوك محلية لتسجل %57.4 فى سبتمبر الماضى، مقابل %50.2 فى ديسمبر 2018، وكان المعدل فى حدود %65.7 فى السنة المالية 2016، فيما بلغ %53.9 لدى أكبر 5 بنوك بنهاية سبتمبر، مرتفعا من %47.5 فى ديسمبر 2018، مقابل %62.5 بنهاية يونيو 2016.
وينظر للمعدل باعتباره أحد المؤشرات على الدور الذى يلعبه القطاع الخاص داخل اقتصاديات الدول المختلفة.
وارتفعت أرصدة القروض المقدمة للقطاع الخاص لتصل إلى 1.208 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر الماضى، من 1.052 تريليون جنيه فى ديسمبر 2018، بقيمة زيادة صافية 156.7 مليار جنيه بمعدل نمو %22.5.
وتوزعت محفظة الأرصدة القائمة من قروض القطاع الخاص بنهاية سبتمبر 2019 بواقع 22.58 مليار جنيه للزراعة، و423.18 مليار للصناعة، و137.6 مليار جنيه للتجارة، و265.6 مليار جنيه للخدمات، و359.38 مليار للقطاع العائلى.
قروض الحكومة تتقلص %15 خلال أول 9 شهور من العام الجارى
فيما تقلصت قروض القطاع الحكومى %15 تقريبا خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجارى، لتسجل 484.04 مليار بنهاية سبتمبر الماضى، مقابل 570.5 مليار فى ديسمبر 2018.
وقال مصرفيون إن التحسن فى معدل القروض المقدمة للقطاع الخاص يعد أحد ثمار برنامج الإصلاح الإقتصادى الذى نفذته الحكومة المصرية بالتعاون مع صندوق النقد الدولى خلال السنوات الثلاث الماضية، وأسفر عن محاصرة التضخم ووصوله لأقل مستوى منذ 15 عاماً، وتراجع عجز الموازنة إلى ما يقرب من %8.4.
وأشاروا إلى أن القطاع الخاص كغيره من قطاعات الدولة تأثر بشدة بإجراءات الإصلاح والتى كان من بينها الارتفاع القوى فى سعر العملات الأجنبية أمام الجنيه، وتفاقم أسعار الفائدة إلى مستويات تتجاوز %22، وانفلات التضخم ووصوله إلى %35، وغيرها من العوامل التى وضعت قيود واسعة أمام ضخ استثمارات جديدة أو تعزيز القائم منها.
مصرفيون: خفض أسعار الفائدة ومبادرات المركزى يعززان فرص توسع الشركات
وأضافوا أن تحسن الأوضاع الاقتصادية دفع الشركات المحلية والأجنبية لاستئناف خطط توسعاتها، وعزز من ذلك سياسة التيسير النقدى التى نفذها البنك المركزى المصرى خلال العام الجارى، وأسفرت عن تراجع معدلات الفائدة بنحو 450 نقطة أساس لتسجل فى الوقت الحالى %12.25 على الإيداع، و13.25 على الإقراض، مقارنة بنحو %16.25 و%17.25 فى بداية العام الحالى.
وقال طارق متولى، النائب السابق لرئيس بنك بلوم، إن ارتفاع حصة قروض القطاع الخاص مؤشر جيد لتعزيز دور القطاع الخاص بالدولة، مشيرًا إلى أن السياسة المالية والنقدية خلال الفترة السابقة تعمل بقوة على تشجيع الاستثمار، من بينها مبادرات البنك المركزى التى كان لها دور كبير فى تعزيز دور القطاع الخاص، بالإضافة لسياسة خفض الفائدة.
كما أشار إلى أن تحسن المؤشرات الاقتصادية كان له دور كبير فى تشجيع القطاع الخاص على ضخ المزيد من الاستثمارات.
وأوضح أن الدولة تسعى لتحفيز المستثمرين من خلال القوانين والمبادرات الجديدة، على رأسها مبادرة السياحة والتصنيع التى أطلقها البنك المركزى الشهر الجارى، ما يعد تعزيزا إضافيا لمؤشر ضخ القروض للقطاع الخاص.
وأعلنت الحكومة والبنك المركزى المصرى الشهر الجارى، عن 4 مبادرات تمويلية لتعزيز قطاعى الصناعة والعقارات، بالإضافة للعملاء المتعثرين بقيمة تتجاوز 200 مليار جنيه، بواقع 100 مليار جنيه لتمويل السلع الوسيطة والمواد الأولية للشركات التى تحقق مبيعات سنوية حتى مليار جنيه، و50 مليارا لإحلال وتجديد الفنادق والقرى السياحية و50 مليارا أخرى لتمويل الإسكان لفئة متوسطى الدخل.
ويبلغ معدل الفائدة على المبادرات الثلاث %10 متناقصة.
كما أعلن المركزى عن مبادرة رابعة تستهدف إسقاط فوائد متراكمة بنحو 31 مليار جنيه عن 5148 مصنعا متعثرا، حال قيامهم بسداد %50 من أصل الدين خلال 6 أشهر، على أن يتم إزالتها من القوائم السلبية للمركزى، وإلغاء كل القضايا بينها وبين البنوك، لتتمكن من العودة للتعامل مع الجهاز المصرفى.
وقال محمد البيه، مدير قطاع الائتمان بأحد البنوك، إن القطاع الخاص هو قاطرة التنمية للاقتصاد، كونه يساعد فى تقليل نسب البطالة، ويزيد نسب الإنتاج، ويحسن الميزان التجارى للدولة.
وتابع: “كلما رأى القطاع الخاص أن الوضع الاستثمارى فى طريقه للأفضل كلما اتجه للحصول على تسهيلات ائتمانية من البنوك، وسيكون لديه فرصة للتوسع فى السوق المحلية”.
وأكد البيه أن تحسن المؤشرات الاقتصادية يشجع القطاع الخاص للاقتراض مجددًا من البنوك، على عكس الفترات السابقة التى كانت غير واضحة، مشيرًا إلى أن ارتفاع حصة الائتمان تشير إلى أن الدولة تسير فى الاتجاه السليم.
ولفت إلى أن سياسة التيسير النقدى للبنك المركزى التى اتبعها خلال العام الجارى بخفض أسعار العائد على الايداع والإقراض عززت من زيادة توجه القطاع الخاص للاقتراض من البنوك، تلك المؤشرات ساعدت بشكل كبير فى تحسن معدلات القطاع الخاص.
كما أشار إلى أن استقرار العملة الأجنبية له دور كبير فى تعزيز دور مؤشرات القروض.
وقال محمد عبد العال، عضو مجلس إدارة بنك قناة السويس، إن الزيادة فى حصة قروض القطاع الخاص خلال العالم الجارى “متواضعة”، مقارنة بالدور المنوط أن يقوم به القطاع فى دعم الاقتصاد وتعزز خطة الدولة لزيادة الناتج القومى الإجمالى بنسبة %6.5 خلال العام المقبل 2020.
وأضاف أن ضعف معدل الاقراض للقطاع الخاص فى الفترة الماضية جاء بسبب معدلات الفائدة المرتفعة، والتى كانت ضرورية لمحاصرة تفاقم التضخم عقب تحرير سعر الصرف .
وأوضح أن خفض الفائدة بنحو 450 نقطة أساس خلال العام الجارى، ساهم فى تحسن الإقراض، متوقعا مزيدا من الخفض فى العام الجارى ما يعزز بشكل أكبر من استثمارات الشركات المحلية، وبالتالى الحصول على الائتمان .
فيما يخص الزيادة فى معدلات قروض القطاع الخاص خلال العام الجارى بنسبة تقارب %6، قال عبد العال إن أغلبها جاءت من المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وكان الدعم الأكبر لتلك التمويلات هى مبادرة البنك المركزى المصرى لتعزيز تلك القطاعات، أو جاءت من مشروعات كانت قائمة وتحتاج إلى توسع فقط .
وتوقع أنه مع تراجع سعر الفائدة خلال الفترة المقبلة، فسيحفز القطاع الخاص على الاقتراض، إَضافة إلى أن بعض البنوك ستعزز من القاعدة الرأسمالية لها التزامًا بقرار المركزى، ما يزيد من قدرتها على منح قروض أكبر.
ويرى مدير قطاع تمويل الشركات بأحد البنوك الخاصة الكبرى، إن الفترة المقبلة ستشهد تزايد فى حصة قروض القطاع الخاص مقابل القطاع الحكومى.
محمود الصباغ