رغم تعاقب المحن على مصر عبر العصور السحيقة من جانب خصوم الخارج التاريخيين، فإنه لا وجه للمقارنة بين تهديدات عدو واضح عبر الحدود يجيئك بالمواجهة.. وما يلحق بالمصريين- بأقله- منذ عشرينيات القرن الماضى- من مخاطر على أيدى البعض منهم.. غافلين عن تبعات سطو المشروع الصهيونى على الدور الإقليمى لمصر.. منذ أعطت بريطانيا صكَّ إحيائه من خلال وعد «بلفور» 1917 ليتموضع ابتداءً عند الحدود الشرقية المصرية.. قبل عشر سنوات على «قبلة الحياة» من سلطات الاحتلال البريطانى نفسها فى مدينة الإسماعيلية إلى جماعة «الإخوان المسلمين» 1928، بهدف شق الصف الوطنى وفق سياستها الاستعمارية «فرق تسد»، ولتستكمل الدائرة الجهنمية استحكاماتها الثلاثية.. بتغييب «لجنة الثلاثين» – بإشراف مراقبين إنجليز- عن دستور 1923.. أبعاد التوازن فيما بين عناصر الديمقراطية الاجتماعية، ما غرس بذور الفرقة بين الشرائح البرجوازية ونظيراتها العاملة، إذ يعتبر وجودهما ضرورة مجتمعية لتلاحم الوحدة الوطنية فى مواجهة صنائع التحركات الخارجية المضادة لمصر.. التى سبق للاحتلال البريطانى التسلل من خلالها بإحداث الفتنة بين الطبقات الجماهيرية المختلفة مطلع ثمانينيات القرن 19، إلا أن أشدها فتكاً لا تزال- حتى الآن- هى التى تتمثل فى زعزعة مدماك وحدة المصريين.. من خلال الاستعمال السياسى للدين.. يقتات على تناقضاته- ويفاقمه- كل من الليبرالية الاجتماعية العرجاء، والتشيع الارتجالى للتطبيع الصهيوني، رغم مخاطرهما، كل لأسبابه، ومن واقع الاتحاد الشيطانى المتكامل فيما بين ثلاثتهم.
إلى ذلك، تخوض جماعة الإخوان المسلمين بعد نحو تسعة عقود من إنشائها- معركتها الأخيرة- إما للقفز مجدداً على السلطة كما حدث فى مصر- ابتداءً – من قبل ثمانى سنوات، أو أن يصبح مشروعها أثراً بعد عين لصالح التيار القومى العربي، لولا أنه فى أسوأ حالاته إزاء كل من التحدى الصهيوني والتفاوت الاجتماعى .. والتغول الأوليجاركي، ذلك فيما لم يقر المشروع السياسى للإخوان بالهزيمة بعد، بل مازال يراهن على أنه البديل للمشروع القومى أو الليبرالى الاشتراكي، ربما كونه مدعوماً دولياً فيما المشاريع الأخرى غير الإسلاموية لا تعدم من يعاديها فى الداخل ومن الخارج بسيان.. بالتوازى مع انحيازهم للمشروع الإسلامى بوصفه جزءاً أساسياً من أدوات الاستراتيجية الأميركية التى ترى فى «الإخوان» قوة منضبطة، ربما منذ «مبدأ كارتر 1980» كجزء أساسى من أدواتها لمكافحة الشيوعية السابقة، وفى مشروعها الخاص للهيمنة على المنطقة، كذلك للرهان على الجماعة منذ 2011 للقيام بالتغييرات المطلوبة أميركياً فى العالم العربى من بعد أن شاخت أنظمتها الحليفة، وخوفاً عليها من انقلابات داخلية تكون من خارج النفوذ الأميركي، ما دعا واشنطن منذ 2002 للاستعانة بحزب العدالة والتنمية التركي- أردوغان- الفرع المحلى للإخوان المسلمين، سواء كأحد تعبيرات الإخوان المنفتحة استراتيجياً على الولايات المتحدة، وكقوة إقليمية مشتركة بين أميركا والإخوان.. بحيث تكون قادرة على الدعم والتبنى السياسى لأى تغيير (أميركي) فى المنطقة، وليتنقل المخطط من تدونس إلى ليبيا وسوريا، ومصر التى كان لصمودها فى مواجهته الأثر البالغ لإفشاله حتى الآن، بما فى ذلك توابعه الشيطانية لاقتطاع جزء من سيناء كولاية إسلامية تكون فيما بعد بمثابة «حصان طروادة» للإسرائيليين فى العودة إلى «أرض التيه» لآبائهم المؤسسين، ولذلك فقد كان من الطبيعى التقاء المصالح بين المحور الإمبريالى الصهيونى مع جماعة الإخوان، وأن ينضم إليهما ضلعهما الثالث المتمثل فى الشرائح الأوليجاركية (المعتدية بعضها على أراض الدولة) والتى تشكل نتوءًا غير متجانس مع طموحات نظيراتها الطبقية، ذلك فى تجمع ثلاثى شيطانى من صنائع عشرينيات القرن الماضى لأعداء الداخل.