إقناع‭ ‬الحكومة‭!‬

إقناع‭ ‬الحكومة‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

8:40 ص, الأحد, 2 مايو 04

الفرق‭ ‬بين‭ ‬المهنى‭ ‬المحترف‭ ‬والسياسي،‭ ‬يتمثل‭ ‬فى‭ ‬رغبة‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬يركض‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬كالقطار‭ ‬بأقصى‭ ‬سرعة‭ ‬على‭ ‬قضبان‭ ‬لا‭ ‬يحيد‭ ‬عنها‭ ‬أبداً،‭ ‬أما‭ ‬الثانى‭ ‬فيشبه‭ ‬فى‭ ‬سلوكه‭ ‬راكبى‭ ‬الدراجات،‭ ‬لا‭ ‬يسعه‭ ‬سوى‭ ‬السير‭ ‬فى‭ ‬خطوط‭ ‬متعرجة‭ ‬لتلافى‭ ‬زحام‭ ‬المرور‭ ‬و«الجماهير‮»،‬‭ ‬ينحرف‭ ‬إلى‭ ‬اليمين‭ ‬تارة‭ ‬وإلى‭ ‬اليسار‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستقيم‭ ‬للحظات‭ ‬معدودات،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يرتد‭ ‬بعدها‭ ‬للمناورة‭.‬
فى‭ ‬مؤتمر‭ ‬إصلاح‭ ‬القطاع‭ ‬المالى‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬الذى‭ ‬نظمته‭ ‬الغرفة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضى،‭ ‬احتشد‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬قيادات‭ ‬وكوادر‭ ‬القطاع‭ ‬المالى‭ ‬المحترفين،‭ ‬بهدف‭ ‬وضع‭ ‬حلول‭ ‬وسبل‭ ‬تطويره،‭ ‬ورفعها‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬توصيات‭ ‬محددة‭ ‬للحكومة،‭ ‬كمساهمة‭ ‬منهم‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬الإصلاح‭.‬
وقد‭ ‬أجهد‭ ‬المنظمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬فى‭ ‬إعداد‭ ‬الأوراق‭ ‬البحثية،‭ ‬فيما‭ ‬اجتهد‭ ‬الحاضرون‭ ‬فى‭ ‬النقاش‭ ‬وطرح‭ ‬التساؤلات‭ ‬وإبداء‭ ‬الآراء‭.‬
والتوصيات‭ ‬معروفة‭ ‬ومحفوظة‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬ما‭ ‬رددها‭ ‬الحاضرون‭ ‬وغيرهم‭ ‬بل‭ ‬وأعضاء‭ ‬الحكومة‭ ‬أنفسهم‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشهد‭ ‬الواقع‭ ‬تغيرا‭ ‬ملموسا،‭ ‬اللهم‭ ‬سوى‭ ‬بعض‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الجزئية‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬التى‭ ‬عابها‭ ‬أحيانا‭ ‬سوء‭ ‬التوقيت،‭ ‬وفى‭ ‬جميع‭ ‬الأحيان‭ ‬غياب‭ ‬التجانس‭ ‬وعدم‭ ‬اكتمال‭ ‬العناصر‭ ‬اللازمة،‭ ‬لإنجاح‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬الجزئية‭.‬
والأمثلة‭ ‬كثيرة‭.. ‬قرار‭ ‬تحرير‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭ ‬قبل‭ ‬توافر‭ ‬الأدوات‭ ‬اللازمة‭ ‬لنجاحه‭ ‬فى‭ ‬حيز‭ ‬التطبيق،‭ ‬اختزال‭ ‬عملية‭ ‬الإصلاح‭ ‬المصرفى‭ ‬فى‭ ‬استبدال‭ ‬القيادات،‭ ‬تضارب‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬واللوائح‭ ‬والقرارات‭ ‬الحكومية‭.‬
وهنا‭ ‬يصبح‭ ‬السؤال‭: ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المطلوبة‭ ‬بالسرعة‭ ‬المناسبة،‭ ‬والتجانس‭ ‬والترابط‭ ‬اللازمين؟
أو‭ ‬بصيغة‭ ‬أخرى‭ ‬ألقاها‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬جلال،‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذى‭ ‬للمركز‭ ‬المصرى‭ ‬للدراسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الحاضرين‭ ‬لمؤتمر‭ ‬الغرفة‭ ‬الأمريكية‭: ‬كيف‭ ‬نقنع‭ ‬الحكومة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬الإصلاح؟
وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعود‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬المحترف‭ ‬والسياسى‭.‬
فالحكومة‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الكائن‭ ‬السياسى‮»‬‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬السير‭ ‬كالقطار،‭ ‬نعم‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تسمع،‭ ‬وأن‭ ‬تناقش‭ ‬وأن‭ ‬تقر‭ ‬بضرورة‭ ‬الإصلاح،‭ ‬بل‭ ‬وتزايد‭ ‬بإصلاحها‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬الآخرين،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬تعترف‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬لابد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ثمن،‭ ‬يجب‭ ‬تقبله‭ ‬ودفعه‭ ‬عن‭ ‬طيب‭ ‬خاطر،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬جنى‭ ‬نتائجه‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬عنق‭ ‬الزجاجة‭.‬
لكن‭ ‬المشكلة‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬تعرف‭ ‬أيضاً‭ ‬بصفتها‭ ‬‮«‬كائنا‭ ‬سياسيا‮»،‬‭ ‬أنها‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬سيدفع‭ ‬الثمن،‭ ‬صحيح‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭، ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬سيعانون‭ ‬وسيدفعون‭ ‬أيضا‭ ‬قبلها،‭ ‬ولكنها‭ ‬ستتحمل‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬دفع‭ ‬قيمة‭ ‬الفاتورة‭ ‬بالكامل‭.‬
القضية‭ ‬إذن‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬فى‭ ‬إقناع‭ ‬الحكومة‭ ‬بالإصلاح،‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬مقتنعة‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬رأسها‭ ‬إلى‭ ‬أخمص‭ ‬قدميها،‭ ‬وإنما‭ ‬فى‭ ‬تهيئة‭ ‬الظروف‭ ‬المناسبة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية،‭ ‬كى‭ ‬تستطيع‭ ‬السير‭ ‬بأقصى‭ ‬سرعة‭ ‬على‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭ ‬للإصلاح‭.‬
إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لسوء‭ ‬الحظ،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬سوى‭ ‬بتوافر‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬التوافق‭ ‬الجماعى‭ ‬بين‭ ‬مصالح‭ ‬الفئات‭ ‬المختلفة،‭ ‬كمنظمات‭ ‬الأعمال‭ ‬والمهنيين‭ ‬واتحادات‭ ‬العمال‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدنى،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬تعترض‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬الحكومة‭ ‬نفسها‭ ‬وحزبها،‭ ‬بإصرارهما‭ ‬المستديم‭ ‬على‭ ‬الادعاء،‭ ‬بأنهما‭ ‬يعبران‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬المصالح‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬الحكومة‭ ‬والحزب‭ ‬تحديدا‭ ‬مرتعا‭ ‬لأصحاب‭ ‬‮«‬المصالح‮»‬‭ ‬الفردية‭ ‬الضيقة‭ ‬من‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬المختلفة،‭ ‬والذين‭ ‬يزعمون‭ ‬تمثيلهم‭ ‬لمصالح‭ ‬فئاتهم،‭ ‬وهم‭ ‬فى‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬يتخذون‭ ‬من‭ ‬عضويته‭ ‬سبيلا‭ ‬للحراك‭ ‬السياسى‭ ‬والاجتماعى‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭.‬
إن‭ ‬فصل‭ ‬المصالح‭ ‬فى‭ ‬جماعات‭ ‬ضغط‭ ‬حقيقية‭ ‬تعبر‭ ‬بقوة‭ ‬عن‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬تمثلهم،‭ ‬هو‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الحوار‭ ‬والتفاوض‭ ‬الجماعى‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬توافقية‭ ‬للإصلاح‭ ‬بشقيه‭ ‬السياسى‭ ‬والاقتصادى‭ ‬والمالى‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تهيئة‭ ‬المناخ‭ ‬سياسيا‭ ‬للحكومة،‭ ‬أى‭ ‬حكومة،‭ ‬للإقدام‭ ‬بسرعة‭ ‬وجرأة‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭.‬
وبدون‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬تتحرك‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬وستراوح‭ ‬مكانها‭ ‬بين‭ ‬المناورة‭ ‬والمراوغة‭ ‬والخطوات‭ ‬الجزئية‭ ‬المبتسرة‭ ‬والمتناقضة‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬وسيظل‭ ‬جلال‭ ‬وزملاؤه‭ ‬يتساءلون‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬إقناعها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تشفى‭ ‬الإجابات‭ ‬والنتائج‭ ‬غليلهم‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭!‬