خمس حلقات سابقة، إستعرضنا خلالها بدايات ” أريج للتأمين” وكيف اصبحت ملء السمع والبصر، قبل أن تنقض عليها الذئاب لتفترسها، وتجعلها بين عشية وضحاها، ماضِ، إذا أردنا أن الذهاب إليه يومًا عبر سفينة “النوستالجييا”- أي الحنين للماضي- سنعود منه بنفسية مشوهة، ونفس عليلة.
علي كلِ، حان الأن إثارة السؤال الصعب- من وجهة نظر البعض بالطبع وليس من وجهة نظري- ألا وهو ، منَ المسئول عن قتل أريج للتأمين، أو عما آلت إليه؟ والتي كانت نجمًا فهوي.
قبل الإجابة علي هذا التساؤل، لابد من التأكيد، أن أريج ، تميزت في فترات طويلة، بوجود فريق عمل فني على أعلى مستوى، مُنٍحَت له- أي الفريق الفني- كافة الصلاحيات الفنية للقيام بدوره ، ولكن من واقع الخبرة الشخصية ، كان هناك إنفصال بين الإدارة التنفيذية من جهة ، والإدارة الفنية من جهة أخري، من هنا أرى أن فريق العمل الفني لم يُقصر في عمله على الإطلاق، بل تم إضعافه على مدى عقود!!!
ومن وجهة نظري – التي تحتمل صوابًا وخطأ- أري أن المسئولون عما آلت إليه أريج ، طرفين ، هم :-
1- مجلس الإدارة:-
لم تحظ أريج في معظم فتراتها ، سوى بمجالس إدارات ضعيفة، لا علاقة لها بالتخطيط الاستراتيجي، ولم ألحظ أي نوع من تنوع الخبرات في تشكيل المجالس، بل تعرفت عن قرب على اثنان من رؤساء مجالس الإدارات ، كنت أشعر بمدى ضعف الإمكانات بوضوح، جميعهم كان مرشح من الحكومات الثلاث المالكة للشركة، ما كنا نلحظه فقط ، البهرجة والإسراف في إجتماعات مجلس الإدارة ، وإهدار موارد الشركة دون واقع ملموس لأي قرارات ، أو أفعال قامت بها المجالس المتتالية.
2- الإدارة التنفيذية:-
الإدارة التنفيذية ، هي المحرك الرئيسي للشركة ،وهي مٌتخٍذ القرارات ، هنا بات طرح مجموعة من التساؤلات أمرًا حتميًا، في ظل الواقع المرير الذي آلت إليه الأمور.
أ- ما هي نوعية ودقة التقارير الدورية التي كانت ترفعها الإدارة التنفيذية لمجلس الإدارة؟
ب- هل كانت هناك شفافية في عرض كافة الحقائق على المجلس؟
ج – ما هو دور التدقيق الداخلي؟ هل تم احتوائه من قِبل الإدارة التنفيذية؟ أم أنه كان يقدم تقاريرًا واقعية وموضوعية للمجلس؟
د- ألم يلفت أي تقرير ، نظر المجلس في التوقيت المناسب ، لينتفض ويتخذ الإجراءات الضرورية للإصلاح؟
هل إلقاء اللوء علي ياسر البحارنة إنصافًا؟
الإدارة التنفيذية ،بحكم استقلاليتها من جهة، وما هو مفوض لها من سلطات من جهة أخري، تتحمل نصيبًا كبيرًا من هذا العبء ، أو المسئولية، لكن في الوقت ذاته ، ليس من الإنصاف والعدل، إلقاء اللوم على ياسر البحارنة ، كونه آخر رئيس تنفيذي للشركة تمت إقالته.
ربما يكون السيد/ ياسر ، قد أطلق رصاصة الرحمة على أريج، أو تكون رصاصة الرحمة قد أٌطلِقت عليه والشركة معًا، أو ربما تأخر – أقصد ياسر البحارنة- كثيرًا في إتخاذ موقف جاد ، وحازم من صراعه مع مجلس الإدارة ، ما أدى الى سرعة تدهور الوضع ، لكن بداية الانهيار كانت قبل ذلك بكثير ، لترجع بداياتها لآخر عهد ، نور الدين عبدالله نورالدين.
لقد ساهمت جميع الإدارات التنفيذية المتعاقبة للشركة، منذ منتصف التسعينات بقراراتها الغير مدروسة ، والتي لم تراع مصلحة الشركة ، بل شابهها عدم وضوح الرؤية ، والتخبط وغلب على الكثير منها المصالح الشخصية، وكان كل مدير عام أو مجلس إدارة ، يسلم الراية أقل ارتفاعًا وبريقا وفي موقف أكثر حرجا وبإمكانات أقل كثيرا لمن يليه.
تذكرني حالة أريج تلك بمصطلح طبي ، ألا وهو ” الأمراض الباطنة” ، تلك الأمراض ليس لها علاقة بالبطن ، بل لها علاقة بالعمل في صمت ولفترة طويلة على الهًتك بجسد من تتملكه، تلك الأمراض لا تظهر لها أعراض ظاهرة خطيرة في البداية ، وعادة ما يتم الاستخفاف بها، في حين أنها تنهش أعضاء الفريسة كالسرطان، وفي غالب الأحيان لا يتم تشخيصها إلا متأخر جدا وفي وقت قد لا ينفع معه أي علاج.
هل ماتت أريج بسكتة دماغية فجأة؟
لم تمت أريج فجأة نتيجة سكتة قلبية أو دماغية، بل ماتت ببطء، نتيجة سرطان القرارات الاستراتيجية الغير مدروسة ، على مدار أكثر من ربع قرن من الزمان، دون أن يلتفت القائمون للأمراض العضال التي تعاني منها الشركة ، ويبادرون بتدارك الموقف وإخراج الشركة من الدائرة المفرغة التي أدخلها فيها مجلس الإدارة الضعيف، الذي لم يُحسن إعادة تقييم الوضع ووضع الخطط والاستراتيجيات التي تكفل تصحيح الأوضاع.
ساهم في وأدها أيضا ، البنك المركزي البحريني الذي لم يلعب دوره كرقيب ، من أهم واجباته الحفاظ على الكيانات الاقتصادية ، وتقويمها والمساعدة في وضع خطط لإصلاح المسار بدلا من الدفع في اتجاه التصفية.
باختصار شديد كلمة السر هي الإدارة، أعني سوء الإدارة
كم أريج أضعنا؟؟؟
في الحقيقة أن بلادنا العربية يمكن اإعتبارها بلاد الفرص الضائعة ، فأريج ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ، طالما سيطرت المصالح الشخصية على ثقافتنا الإدارية ، وطالما سيطرت سياسة ماذا سأكسب من وراء المؤسسة WHAT IS IN IT FOR ME ؟.
اُغتيلت المصرية لإعادة التأمين في عيدها الماسي لمصالح شخصية!! ، وما زالت شركات عربية في نفس المجال تتأرجح بين النجاح والفشل لنفس الأسباب ، وهكذا الحال في جميع المجالات ،
وليت فشلنا الإداري يتوقف عند حد مؤسسة أو هيئة، بل أصبحنا نرى الأن ، العُهر الإداري الذي يودي بدول بالكامل ويعصف بمقدرات شعوب كثيرة في المنطقة ، وفي النهاية نبحث دائًا عن كبش فداء وننسى الأسباب الحقيقية.
أفيقوا واستوعبوا دروس التاريخ يرحمكم ويرحمنا الله حتى لا نتباكي علي أريج أخري لاسمح الله.
الله من وراء القصد