إستعرضنا في الحلقات الأربع السابقة، من المقال المعنون بـ” أريج للتأمين و الموت المؤسسي البطئ كما يجب أن يكون”، القرارات التي اتخذها المسئولون بكل جناح من جناحي الشركة – أقصد أريج- وأودت بها إلي غياهب التاريخ.
علي كل حال، تناولنا في الحلقات السالفة ، بعض القرارات، سواء التي لها علاقة بالاستثمار في التأمين المباشر، أو المرتبطة بقطاع إعادة .
في الحلقة الحالية ، سنعجرج علي القرارات الأخري –كما نوهت سلفا- التي يمكن إعتبارها مشتركة بين الاستثمار وإعادة – والتي عجلت بموت كيان ، كان مقررًا له في بداية تأسيسه أن يظل باقيًا دون التفكير- مجرد التفكير- في أن يصبح يومًا ما فعلًا ماضيًا ، بل حاضرًا ، ومستمر
والسؤال الذي يطرأ علي الذهن، ما هي الأمور التي يمكن إعتبارها مشتركة بين الاستثمار في ، وإعادة التأمين؟
في الحقيقة هناك أربعة أمور، يمكن إعتبارها مشتركة بين الاستثمار في ، وإعادة التأمين.
1- زيادة رأس المال:-
في منتصف تسعينات القرن الماضي ، تفتق الذهن عن ضرورة زيادة رأس المال المدفوع الى 500 مليون دولار ، وأعتقد أنه كان جزءًا من السياسة التي تغلغلت في الإدارة،حيث :
أ- لم يكن أي أحد ، في جميع الأسواق ، يشكو من ضعف رأس المال في أريج، بل كانت الشركة تؤدي بشكل ممتاز.
ب- زيادة رأس المال إلى 500 مليون دولار شكل عبئًا كبيرًا على أريج، فرأس المال الإضافي، يتطلب على الأقلإكتتاب ثلاثة اضعاف حجم الأقساط، التي كانت تكتتبها الشركة حينذاك، في وقت بدأت في التأرجح ، ومن ثم كان هذا من نقاط الضعف حيث لم تعد الشركة قادرة على تحقيق العائد المتوقع من المساهمين خاصة الصغار منهم.
ج- أذكر أن بعض صغار المساهمين في مصر ، كانوا يشتكون ” مُر الشكوى” ، من خسائر أسهم أريج في البورصة المصرية ، مما انعكس سلبًا على الشركة الأم وعلى سمعتها.
د- في تعليقه على رأسمال أريج ، ومع نفس السياق المذكور أعلاه ، ذكر أحد المؤسسين أن المشكلة الأساسية لأريج ، تكمن في ضخامة رأسمالها المصرح به منذ البداية ، حيث ترك إنطباعًا خاطئًا لكل من إستلم الإدارة ، بأنه يجب أن يبدأ كبيرًا ، وأن يفتح الباب على مصراعيه حتى يستطيع أن يخدم رأس المال الضخم، ومن هنا بدأت تتراكم الأخطاء.
2- معدل المصروفات الإدارية والعمومية:-
حزمة المزايا التي كانت تمنحها أريج للعاملين ، كانت في منتهى الكرم، وتشمل بالإضافة الى المرتبات المجزية، بدلات تعليم وإقامة ، وبدل للأثاث وتذاكر السفر، ومكافأة نهاية خدمة، جذبت بموجبها المتخصصين المتميزين من جميع أنحاء العالم.
كما كانت أيضا تكاليف إستضافة إجتماعات مجلس الإدارة ، ومكافآته رافدًا من الروافد الإضافية ، لزيادة المصاريف الإدارية والعمومية، ما شَكل عبئًا أو قل ضغطًا كبيرًا على مؤشر ربحية الشركة، وكان يستلزم زيادة حجم الإعمال المربحة بشكل كبير، لكي تغطي هذه المعدلات المرتفعة في المصاريف الإدارية والعمومية.
3- الرقيب:-
كشأن باقي شركات بالبحرين تخضع الشركة لرقابة البنك المركزي البحريني ، وليست لدي أي معلومات مؤكده عن :
أ- نطاق تلك الرقابة، وهل يحدث مراجعات لسياسات ونظم عمل الشركات؟ ليس فقط لإكتشاف الأخطاء، بل أيضا لتصويبها في التوقيت المناسب ، وممارسة أسلوب الرقابة المانعة.
ب- هل يقوم البنك المركزي بأعمال فحص، ويقدم تقارير بتوصيات الى الشركات أم لا؟.
ج – هل تقوم الشركات بتقديم تقارير دورية الى الرقيب ، يكون بموجبها على عِلم بالتطورات الجارية في الشركات التي تخضع لرقابته؟
أظن ومن واقع ما قيل لي ، أن البنك المركزي البحريني ، ركز كثيرًا على عملية التوظيف وزيادة العمالة المحلية بالشركة ، أسرع وتيرة تفاقم الأمور في واحدة من أعظم المؤسسات ، التي خدمت كثيرًا الإقتصاد البحريني.
لقد أُتُخذت العديد من القرارات ، أدت جميعها إلى النتيجة التي آلت اليها الأمور في أريج، ولكن لا أحد يعرف ، إذا ما كان الرقيب قد تدخل من قريب أو بعيد، ليراجع الإدارة أو يصحح توجهاتها الاستراتيجية حمايًة لكيان حيوي في اقتصاد خدمي.
والحقيقة أن ضعف الرقابة على التأمين ، وعدم وجود رقيب مستقل ليس مقصورًا على البحرين فقط، بل هو سمة في العديد من الدول العربية، ونأمل أن تدق تجربة أريج جرس إنذار ، وبداية لإعادة النظر ، في نظم وتشريعات الرقابة على نشاط يؤثر وبشدة في الاقتصاد ، حينا والمزاج العام للمجتمع أحيانًا.
4- الأحاديث الجانبية أو الأحاديث التي لا تخرج الى العلن:-
لا تخلو أي مؤسسة، أيا كانت ، خاصة في عالمنا العربي ، من الهمس والغمز واللمز ، على بعض الأمور التي يتطاير دخانها بالشركات ، دون وجود مستندات أو معلومات، ولكن كما يقال “لا يوجد دخان بلا نار”، ومن ثم ومع الأخذ في الإعتبار ما آلت اليه الأمور في أريج، فربما يكون هناك بعض المصداقية ، فيما كان يدور من همس وغمز ولمز وكعينة من ذلك :
أ- من الأمور التي انتشرت في الشركة، أن محفظة الاستثمار، كانت تُدار لخدمة محافظ استثمارية خاصة !! فمثلا تشتري أريج وبشراهة سهم شركة البحرين للجراجات، ما يؤدي الي إرتفاع سعرها لأعلى مستوى له، عندها يقوم الشخص المهتم بالموضوع ، ببيع أسهمه الشخصية محققا أعلى ربح، ويحدث عكس تلك العملية عندما يريد ذلك الشخص شراء سهم ما، ومن هذا المنطلق فإن مصلحة الشركة ليست هي أساس القرارات، بل مصالح شخصية بحته، في الحقيقة لم يكن شخص واحد بل ربما أشخاص!!!.
ب- هناك أيضا همهمات ، ليس لدي ما يثبتها من مستندات – فكما قلت همهمات- أن بيع شركات التأمين التي تملكتها أريج – خاصة الشركتان في مصر والمغرب- كان بهدف تعظيم أرباح الشركة في وقت محدد ، من أجل تعظيم مكافأة نهاية خدمة أحد الرؤساء التنفيذيين للشركة!!.
ج- هناك أيضا همهمات حول دخول الدين في الصراع ، الذي حدث في الفترة الأخيرة في اريج – السٌنًة والشيعة- !!!
د- حدث تضخيم في إحتياطي التعويضات تحت التسوية ، لتعويض الضمانة الممتدة لإحراج الإدارة التنفيذية ، والتأكيد على أنها تسببت في خسائر جسيمة للشركة!!
لا أرغب في نفي أو تأكيد تلك الهمهمات ، ولكنها في وقتها كانت ذات تأثيرًا سيئًا ، بل سيئًا جدا على الشركة ، وأحبطت العديدين من العاملين الأكفاء، الذين لم يتوقعوا أبدا أن تحدث تلك الترهات في مؤسسة بحجم أريج.
الهدف من ذلك أننا ، ونحن نطرح الأسباب الموضوعية التي وصلت بأعظم مشروع عربي في مجال التأمين ، خلال الأربعين سنة الماضية الى ما وصلت إليه، هو مناقشة كافة الأمور حتى لو كانت بسيطة وإظهارها ليس للإساءة أو الاتهام ، بل فقط للوصول الى الحقيقة التي ربما تساعد على تجنب تكرار تجارب كثيرة ، في عالمنا الثالث، تجنب القتل العمدي لمشروعاتنا الاقتصادية.
في الحلقة المقبلة – بإذن الله-وهي الأخيرة من هذا المقال ،سنتطرق إلي المسئول عما آلت إليه أريج من مصير، ما كان ذو بصيرة ، وضمير حي أن يتمناه.