لما كان من المتفق عليه أن النخب على تنوع مستويات تخصصاتها- هى وليدة عصرها- فإن مكوناتها السياسية تتشكل على هذا القياس لتمثل النتاج- كنظيراتها- لما تحصلته فى سنوات تنشئتها الأولى من تعليم وتثقيف، ما يجوز معه القول بلا مبالغة إن معالم التكوين الأساسية تبدأ التشكل مع المرء وهو ما زال جنينًا فى رحم الحياة، إذ ينعكس على جهازه العصبى وقتذاك تبعات انفعالات ما تواجهه الأم من أحداث على وجه البسيطة، سواء كانت على المستوى الخاص أو العام، ذلك قبل أن يخرج للحياة وليداً.. إلى أن يشبَّ عن الطوق مع مجريات الأحداث، طفلاً وصبياً وشاباً وكهلاً إلى مرحلة الشيخوخة.
فى هذا السياق لو افترضنا صحته، وهو صحيح فى الغالب الأعم، لربما ينطبق على نشوء قيادات مصرية عسكرية، سياسية، إذ ربما لم تكن لتصبح على هذا النحو لو لم تعاصر توقيتات ميلادها.. التطورات التاريخية الجارية فى نهاية العشرية الثانية من القرن العشرين، ابتداءً من الحرب العظمى وتوابعها، وبالتوازى مع ثورة 1919 ونتائجها، ومن الحقبة الليبرالية الناشئة عن الاستقلال الأول لمصر فى فبراير 1922، إلى إرهاصات الحرب العالمية الثانية، وليس آخراً بزرع إسرائيل فى الأرض العربية 1948، وما إلى غير ذلك من تطورات وطنية أفرزت شخصيات عسكرية/ سياسية قادت البلاد طوال النصف الثانى من القرن العشرين.
على صعيد مواز مع مطلع الأربعينيات، يولد جيل الوسط فى أتون الحرب العالمية الثانية، بالتوازى مع معركة «بيرل هاربر» نوفمبر 1941 التى دفعت أميركا إلى دخول الحرب، ومن ثم إلى تغيير مسارها لصالح الحلفاء ضد دول المحور، قبل عام من معركة «العلمين» أكتوبر 1942 التى حسمت نتيجتها لصالح بريطانيا.. مستقبل الشرق الأوسط ضمن الإستراتيجية الغربية لعقود تالية، ناهيك عن حادث 4 فبراير 1942 الذى كان نقطة فاصلة فى تطور الحركة الوطنية المصرية فى اتجاه إنهاء نحو 150 عامًا من حكم الأسرة العلوية، إذ صبغت هذه الأحداث، بما فيها من انقلابات سياسية وعسكرية شرق البحر المتوسط طبيعة جيل الوسط- كقيادات عسكرية- كانت بمثابة الوقود لعصر من الحروب فى مواجهة قوى إمبريالية.. وتنظيمات إرهابية تهدد الحدود المصرية لا تزال. إلى ذلك، ومن مطلع العشرينيات حيث كانت تنشئة القيادات العسكرية والسياسية، إلى جيل الوسط من العسكريين الأقحاح منذ مطلع الأربعينيات، تتواصل ظاهرة معالم التكوين للنخب القيادية التى فرضتها التطورات التاريخية المصرية خلال القرن الأخير، إلا أنه مع عشية الستينيات يخرج إلى الحياة- الجيل الجديد من قادة المستقبل الذي عاصر منذ نعومة أظافره توابع انتصارات الثورة المصرية (حرب السويس 1956) وعثراتها القومية (انفصال الوحدة المصرية- السورية 1961) إلى حروب 1967، والاستنزاف، وأكتوبر 1973، ناهيك عن انحسار مقومات النهضة الثانية لمصر.. لتلحق بأُولاها فى عصر «محمد علي»، إلى أن تفجرت الأوضاع فى 2011، كادت أن تطيح بالهوية المصرية، وما بين التصدى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بين أظافر ظلامية وأوليجاركية، بسيان، تبرز قيادات هذه المرحلة من قيادات عسكرية/ سياسية، أكثر حرصاً للبناء على إيجابيات المراحل السابقة، وفى تلافى سلبياتها بقدر الإمكان، إذ إن بعضها يحمل مخاطر الاستمرار فيها، كما أن بعضها الآخر يحمل مخاطر الارتداد عنها، الأمر الذى يتطلب من النزعة الوطنية المصرية أكبر قدر من الكياسة فى اختياراتها للطريق الثالث الذى يمثل أصعب نقاط التمفصل لمسيرة طويلة من أنابيش سيريالية لنخب سياسية خلال القرن الأخير