مع عشية القرن العشرين.. أُعيد بناء الجيش المصرى من بعد تفكيكه مرتين تحت ضغط قوى الهيمنة الدولية فى 1840و1882، كما شهدت البلاد مع مطلع القرن حقبة من الاستقرار على الهوية المجتمعية والسياسية، من التنوير الدينى إلى حرية الصحافة، ومن تشكيل الأحزاب إلى تحرير المرأة إلى إنشاء الجامعة الأهلية، وليس آخرًا بالأخذ بصيغة بسيطة من العمل البرلمانى متمثلًا فى الجمعية الاستشارية، الأمر الذى اتصل بشكل ما مع سابق إرهاصات الحركة الوطنية فى نهاية سبعينيات القرن 19، ما أفسح الطريق لقيام الثورة مجددًا فى العام 1919، التى حصلت مصر بموجبها على الاستقلال الأول فبراير 1922، وما تلاه من إعلان الملكية الدستورية إلى إبرام معاهدة 1936مع المحتل البريطانى الذى ظل جاثمًا على أوضاع مصر الداخلية وسياستها الخارجية إلى أن حصلت على استقلالها التام بموجب اتفاقية الجلاء 1954، قبل عامين من السعى لمحاولة إعادة احتلالها فى حرب السويس 1956، ما دعا الولايات المتحدة فى العام التالى إلى إصدار «مشروع إيزنهاور» لملء الفراغ فى منطقة الشرق الأوسط، التى انقسمت بسببه ما بين دول محافظة فى المعيّة الأميركية.. وبين دول تقدمية فى السياق السوفيتى، ومن ثم إلى التورط فى أتون الحرب الباردة.. من حرب اليمن إلى خوض الولايات المتحدة فى معيّتها إسرائيل حربين فى 1967 و1973 بغرض طرد النفوذ السوفيتى، إذ تم استبعاده من المشاركة فى الأساليب الإجرائية للتسوية السياسية للصراع العربي- الإسرائيلى التى احتكرتها الولايات المتحدة حتى انتهاء الحرب الباردة 1989، ولتفرض زعامتها بلا منازع منذ ذلك التاريخ على المنطقة، باستثناء ما سمى دول محور الممانعة للمشروع الأميركى للشرق الأوسط الجديد «والموسع»، قبل أن تنضما إليه لأسبابهما كل من روسيا والصين فى العقد الثانى من القرن 21، ما أدى إلى تجدد الحرب الباردة حول المنطقة، وحيث تجاهد مصر بالوقوف على مسافة واحدة حتى الآن بين أطرافها.
فى سياق ما سبق من إطلالة سريعة على تطورات المسار المصرى على الصعيد الداخلى والإقليمى والدولى، لربما يمكن تقسيمه إلى مرحلة النضال من أجل الاستقلال الوطنى من ثمانينيات القرن 19 حتى معاهدة 1936، ومنها إلى تأكيد هويتها الوطنية برفض الانضمام إلى محاور وأحلاف أجنبية من بعد الحرب العالمية الثانية ولنحو سبعة عقود تالية إلى اليوم، وإن لم يمنعها ذلك منذ الخمسينيات عن مساعدة حركات التحرر للدول فى إطار الأمن القومى لمحيطها الحيوى، من الجزائر فى الشمال الأفريقى حتى فيتنام جنوب شرق آسيا (منظمة التضامن الأفرو آسيوى)، ما أدى إلى دخولها عصرًا من الحروب من منتصف الخمسينيات إلى منتصف سبعينيات القرن العشرين، ذلك قبل قيامها بتكثيف دورها كصانعة للسلام فى الشرق الأوسط، ولنحو نصف قرن تال إلى اليوم، وبهدف تقوية اقتصادها الأعجز عن الاستمرار فى حرب طويلة الأمد، إلا فيما يتطلبه تعدد خطوط المواجهة على حدودها المتاخمة، جنبًا إلى جنب بما يكفى لبناء قاعدة صناعية علمية، حتى كادت مصر اليوم أقرب الشبه بحاملة طائرات ذات مهام متنوعة من الصعوبة بمكان توجيه دفتها إلا بشِق الأنفس، وبرغم ذلك فإنها لا تزال تجوب عباب بحارها وبالقرب من فيافيها، ذلك فيما أعلامها ترفرف خفاقة للدفاع عن حدودها، لكن دون أن تمتلك، بحسب قول «الرئيس» فى مؤتمر الشباب بشرم الشيخ 2018، ما يكفى من الوسائل فى محيطها للمنح أو المنع، وربما لأمد غير منظور قد لا يتحدد مداه إلا وفق تطور أوضاعها الداخلية، وعن توابعها المتصلة بتحركاتها الخارجية، وباتجاه استئناف ضرورات ومهامّ أمن مصر القومى مع استدارة قرنين من الزمان.