تباشر الجغرافيا السياسية «المتوسطية» لمصر- وبصعوبة دبلوماسية متشابكة إلى حد التعقيد – دور «الوصلة» ما بين أزمات مشتعلة فى شرق وغرب البحر المتوسط، لمقايضة بين سوريا وليبيا، وعلى اتصال بالطاولة التركية مع روسيا عبر «الثقب الأسود» شمال شرق المتوسط، إلى تعظيمها التشاور مع الاتحاد الأوروبى لاستعادة استقرار الأوضاع مع دول من الشمال الأوروبى فى شرق المتوسط، مروراً بصون السلام للدول بين الساحل والصحراء فى الما وراء المتوسطى للحيلولة دون امتداد خطورة ظاهرتى الإرهاب والهجرة الشرعية على الأمن والسلم الإقليمى والدولى، ناهيك عن تصديها- لسنوات- لموجات الإرهاب الزاحفة إلى سيناء عبر الزاوية البحرية القائمة بينها وبين قطاع غزة الفلسطينى، ضمن توابع النزاع العربي- الإسرائيلى التى تحولت بالبحر المتوسط من بحيرة سلام إلى ساحة حروب على امتدادها، من حيث يقدر للسياسة الخارجية المصرية أن تمارس دورها فى الحفاظ على الأمن والسلام لحصنها الشمالى، لئلا تنعكس فوضاه- بالإسقاط- على باقى حصونها الطبيعية،- سواء فى وادى حلفا أو عبر كل من الصحراء الشرقية والغربية.
إلى ذلك، تبدو كل من مصر وتركيا- ومن خلال خطوات برجماتية ملتبسة من أنقرة- فى اتجاههما لدراسة العمل على توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما، على غرار ما حدث بين تركيا وحكومة «الوفاق» الليبية 2019، ليس قبل اشتراط مصر تحسين علاقاتهما الثنائية بالتدريج، بما فى ذلك تخلي أنقرة عن دعم جماعة الإخوان المسلمين، إعلامياً- وفى إيواء كوادرها المدانين قضائياً، الأمر محل انتقاد المعارضة السياسية للحزب الحاكم الذى يهدر فى سبيلها «العلاقات التاريخية مع مصر.. أهم دول المنطقة».. «الواجب التحدث معها على الفور»، ذلك فى الوقت الذى تلقت القاهرة دعوات تركية لفتح قنوات اتصال معها، لا تعكس تقدماً حتى الآن، إذ ترهن التقارب مع أنقرة بالتنسيق مع دول «الرباعى العربى» الداعمة لمكافحة الإرهاب، فيما تجد تركيا نفسها معزولة إقليميًّا وعالميًّا.
على صعيد مواز، وعبر ثلاث جولات متتالية بين روسيا وتركيا، من يوليو ومطلع سبتمبر إلى منتصفه، انعقدت المشاورات بين وزراء الخارجية والدفاع والمخابرات للبلدين، بشأن الربط بين الملفين الليبى والسورى، من حيث دعم روسيا ( ومصر) للجيش الوطنى شرق ليبيا، فيما تنقل تركيا مرتزقة الشمال السورى إلى غرب ليبيا، وتجند روسيا «شباب التسويات» من جنوب شرق سوريا للقتال فى الشرق الليبى، إلا أنه ظهر منذ الربيع الماضى خيط يربط بين «هدنة» إدلب، و«عازلة» سرت.. التى تعتبرها القاهرة- مع الجفرة- بمثابة «خط أحمر» ممنوع تجاوزه من جانب تركيا وحلفائها الليبيين، ما يدعو للقول باقتراب الجانبين من اتفاق حول معايير وقف إطلاق النار.. وتفعيل العملية السياسية التى قد تتزامن مع تسليم رئيس حكومة «الوفاق» سلطاته فى نهاية أكتوبر المقبل، التى تبدو كخطوة ناتجة عن ضغوط خارجية، وبالتوافق مع تحركات إقليمية ودولية، من بينها السعى لإخراج تركيا من الغرب الليبى، تمهيداً لاختيار سلطة جديدة تجرى انتخابات رئاسية ونيابية.. تعالج الأسباب الحقيقية (..) للأزمة الليبية، سوف يسبقها مؤتمر دولى جديد تالٍ بشأن ليبيا.. تخطط لانعقاده مطلع أكتوبر كل من الأمم المتحدة والحكومة الألمانية التى تهدد تركيا باستخدام «العصا» الأوروبية.
فى السياق نفسه، يتلقى الرئيس المصرى اتصالاً هاتفياً 17/ 9 من رئيس المجلس الأوروبى، تناولا خلاله ملف التنسيق مع مصر والاتحاد الأوروبى حول العديد من الأوضاع فى منطقة شرق المتوسط.. وليبيا، وعن أهمية تعظيم قنوات التشاور بين الجانبين فى هذا الشأن، وفى العمل على التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للقضية الليبية وفق المرجعيات الدولية، لتوفير مستقبل أفضل للشعوب المشاطئة للبحر المتوسط، ولما وراءه بالتعاون مع شعوب القارة الإفريقية، بسيان، الأمر الذى سوف يشمل بطبيعة الحال تمشيط مخاطر قوى الإرهاب فى سيناء للحيلولة دون تسرب خلاياها إلى داخل الوادى، وللحفاظ على أمن سواحل البحر المتوسط.. رابع حصون مصر الطبيعية.