أغلقوا‭ ‬الحمامات‭.. ‬الوزراء‭ ‬قادمون‭!‬

أغلقوا‭ ‬الحمامات‭.. ‬الوزراء‭ ‬قادمون‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

9:45 ص, الأحد, 30 يناير 05

مازلت‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬والحل‭ ‬فى‭ ‬قضية‭ ‬الإصلاح‭ ‬بكافة‭ ‬أنواعه‭ ‬السياسى‭ ‬والاقتصادى‭ ‬والإعلامى‭ ‬والتعليمى، ‬إلى‭ ‬آخره،‭ ‬لا‭ ‬يتجسدان‭ ‬بصورة‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬إحلال‭ ‬وجوه‭ ‬وهامات‭ ‬جديدة‭ ‬شابة،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬وأجساد‭ ‬الوزراء‭ ‬القديمة‭ ‬المتهالكة،‭ ‬وإنما‭ ‬فى‭ ‬كيفية‭ ‬تفكيك‭ ‬وإعادة‭ ‬تركيب،‭ ‬هذه‭ ‬الآلة‭ ‬البيروقراطية‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تقطر‭ ‬فساداً،‭ ‬وتمتد‭ ‬أذرعها‭ ‬الإخطبوطية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة،‭ ‬وتتضافر‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬شباكها‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬المواطنين،‭ ‬بجميع‭ ‬طبقاتهم‭ ‬الاجتماعية‭.‬

آلة‭ ‬لها‭ ‬وجهان،‭ ‬الأول‭ ‬طيع‭ ‬بشوش‭ ‬يستقبل‭ ‬المسئولين،‭ ‬يسترسل‭ ‬في‭ ‬كلامه‭ ‬المعسول،‭ ‬حول‭ ‬جودة‭ ‬الخدمة‭ ‬والأداء‭ ‬وروعة‭ ‬الإنجاز‭ ‬وحلاوة‭ ‬الريادة،‭ ‬الوجه‭ ‬الآخر‭ ‬عبوس‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬الأحوال‭ ‬غير‭ ‬مبال،‭ ‬يكشر‭ ‬عن‭ ‬أنيابه،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يلقى‭ ‬به‭ ‬حظه‭ ‬العثر‭ ‬في‭ ‬طريقه،‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصلحة‭ ‬أو‭ ‬قضاء‭ ‬حاجة‭ ‬مشروعة‭.

‬ مرافق‭ ‬ومصالح‭ ‬وأبنية‭ ‬تتجمل‭ ‬وتتزين‭ ‬انتظاراً‭ ‬لزيارة‭ ‬مفاجئة‭ ‬من‭ ‬وزير،‭ ‬لتعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬طرفة‭ ‬عين،‭ ‬إلى‭ ‬حالتها‭ ‬الروتينية‭ ‬العكرة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مرتاديها‭ ‬اليوميين‭ ‬الأولى‭ ‬بالرعاية،‭ ‬فلا‭ ‬يجدون‭ ‬سوى‭ ‬غم‭ ‬وكرب،‭ ‬وخدمة‭ ‬متدنية‭ ‬المستوى، ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬للاستهلاك‭ ‬الآدمى‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تقديمها،‭ ‬إذا‭ ‬وجد‭ ‬من‭ ‬يقدمها‭ ‬من‭ ‬الأساس‭.‬

مصالح‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مصالح‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬لا‭ ‬استثمار‭ ‬أو‭ ‬استثمار،‭ ‬رفع‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬أو‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬جديدة،‭ ‬فساد‭ ‬الجباية‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنة‭ ‬والحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة، ‬هذه‭ ‬هى‭ ‬المعادلات‭ ‬التى‭ ‬نحن‭ ‬بصددها،‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬تطرح،‭ ‬كي‭ ‬تحفز‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬حلها‭ ‬وحسمها‭ ‬فى‭ ‬الاتجاه‭ ‬الصحيح‭.‬

حالة‭ ‬الإفاقة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬قيادات‭ ‬قطاعات‭ ‬معينة،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬نشرها‭ ‬لتتغلغل‭ ‬فى‭ ‬دهاليز‭ ‬وأروقة‭ ‬كافة‭ ‬المصالح‭ ‬والجهات‭ ‬والوزارات‭ ‬والقطاعات‭ ‬الحكومية، الكوادر التي يتم استقطابها من القطاع الخاص،يتحتم أن تتكاثر أعدادها، عشرات الأفراد لاتكفي، بل عشرات الألوف من الشباب المتحمس، ‬لابد‭ ‬من‭ ‬غرسهم‭ ‬في‭ ‬أدغال‭ ‬ومستنقعات‭ ‬الفساد‭ ‬والبلادة‭ ‬والتيبس،‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬تجفيفها‭ ‬وحرثها‭ ‬وتكسيتها‭ ‬بلون‭ ‬الخضرة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الصفرة‭ ‬الذابلة‭ ‬والقفور‭.‬

وأختتم‭ ‬بنكتة‭ ‬لا‭ ‬تحدث‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬سوى‭ ‬فى‭ ‬مصر‭.

في‭ ‬ليلة‭ ‬الثلاثاء‭ ‬قبل‭ ‬الماضي،‭ ‬عشية‭ ‬وقفة‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى‭ ‬مباشرة،‭ ‬اصطحب‭ ‬صديق‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬إلى‭ ‬محطة‭ ‬قطارات‭ ‬الجيزة،‭ ‬قاصداً‭ ‬زيارة‭ ‬عائلته‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه‭ ‬بصعيد‭ ‬مصر، ‬على‭ ‬الرصيف‭ ‬وبينما‭ ‬يتأهبون‭ ‬لركوب‭ ‬القطار،‭ ‬ألح‭ ‬عليه‭ ‬طفله‭ ‬الصغير‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬دورة‭ ‬المياه،‭ ‬طاف‭ ‬به‭ ‬مسرعاً‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬دورات‭ ‬المياه،‭ ‬فوجدها‭ ‬ليست‭ ‬سيئة‭ ‬ولا‭ ‬بحالة‭ ‬يرثى‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬كريهة،‭ ‬بل‭ ‬موصدة‭ ‬الأبواب‭!‬.

اقترب‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬العاملين‭ ‬المنتشرين‭ ‬على‭ ‬الرصيف،‭ ‬وسأله‭ ‬فى‭ ‬براءة،‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬استوحاها‭ ‬من‭ ‬طفله‭ ‬الصغير‭: ‬هي‭ ‬الحمامات‭ ‬مقفولة‭ ‬ليه؟‭ ‬انزلقت‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬سلاسة‭ ‬وتلقائية‭ ‬الواثق‭ ‬من‭ ‬منطقية‭ ‬رده‭: ‬أصل‭ ‬الوزير‭ ‬جاى‭ ‬بكره‭!‬.

لقد‭ ‬قام‭ ‬السادة‭ ‬المسئولون‭ ‬عن‭ ‬المحطة،‭ ‬بتنظيف‭ ‬وتلميع‭ ‬الحمامات‭ ‬وتعطيرها،‭ ‬ثم‭ ‬أغلقوها‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬يلوثها‭ ‬المواطنون،‭- ‬الذين‭ ‬يدفعون‭ ‬رواتبهم‭ ‬وراتب‭ ‬الوزير‭- ‬، قبل‭ ‬زيارة‭ ‬السيد‭ ‬الوزير‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالى،‭ ‬كى‭ ‬يراها‭ ‬سيادته‭ ‬براقة‭ ‬عطرة،‭ ‬لا‭ ‬عطنة‭ ‬كما‭ ‬تعود‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬عليهم‭ ‬زيارتها‭ ‬يومياً‭.‬

ولعل‭ ‬الوزير‭ ‬قد‭ ‬بهره‭ ‬ما‭ ‬شهده‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬وربما‭ ‬تساءل‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬على‭ ‬حق،‭ ‬هو‭ ‬وزملاؤه‭ ‬الإصلاحيون‭ ‬في‭ ‬الحزب،‭ ‬فيما‭ ‬يطرحونه‭ ‬من‭ ‬تصورات‭ ‬وأفكار‭ ‬لتغيير‭ ‬الواقع،‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬واضحاً‭ ‬جلياً‭ ‬أمامه،‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬أنضف‭ ‬من‭ ‬الصينى‮»،‬‭ ‬بل‭ ‬لعل‭ ‬التأثر‭ ‬بلغ‭ ‬به‭ ‬مداه،‭ ‬فربت‭ ‬فى‭ ‬حنان‭ ‬على‭ ‬كتف‭ ‬مواطن‭ ‬يقضى‭ ‬حاجته‭- ‬غالباً‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬العاملين‭ ‬بالمحطة‭ ‬أمره‭ ‬رؤساؤه‭ ‬بالتنكر‭ ‬فى‭ ‬زى‭ ‬مواطن-، ل‬يسأله‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬ما‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬راحة‭ ‬وانبساط،ليأتيه رد يطمئن القلب،متمثلا في ابتسامة واسعة،تنم عن تدفق أحاسيس السعادة والهجة والسرور!.‭

‬‬وسواء‭ ‬انطلت‭ ‬الخدعة‭ ‬على‭ ‬الوزير‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬اللافت‭ ‬للنظر‭ ‬حقاً،‭ ‬والذي‭ ‬يؤكد‭ ‬ما‭ ‬ذكرناه‭ ‬من‭ ‬ضرورة‭ ‬الإسراع‭ ‬بالتغيير‭ ‬من‭ ‬أسفل،‭ ‬هو‭ ‬طبيعة‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة‭ ‬الجهنمية،‭ ‬التي‭ ‬يجسدها‭ ‬رد‭ ‬موظف‭ ‬المحطة‭ ‬على‭ ‬صديقى‭ ‬المواطن،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬غلق‭ ‬الحمامات‭ ‬فى‭ ‬وجه‭ ‬العباد‭ ‬أمراً‭ ‬منطقياً،‭ ‬استعداداً‭ ‬لزيارة‭ ‬السيد‭ ‬الوزير‭.!